هل خذل "حلف المقاومة" إيران؟

صواريخ بالستية ومن الخلف يظهر علم إيران. (تصميم: جسور نيوز)

سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في تقرير موسع الضوء على حالة الانكفاء التي تعيشها ميليشيات إيران الحليفة في الشرق الأوسط، في وقت تدخل فيه طهران منعطفًا حرجًا يكاد يهدد وجود نظامها ذاته، حيث غاب ما يسمى بـ"حلف المقاومة" عن إسنادها في مواجهة الضربات الإسرائيلية على منشآتها النووية والعسكرية.

ولطالما اعتمدت طهران على شبكة من الفصائل المسلحة في لبنان، العراق، سوريا، اليمن وغزة، كأذرع إقليمية تعزز نفوذها وتشكّل ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، لكن ومع تعرض إيران لهجمات متكررة من إسرائيل، وارتفاع منسوب التوتر مع الولايات المتحدة، لوحظ أن هذه الأطراف الحليفة لم تُبدِ سوى ردود فعل محدودة أو معدومة، ما يثير تساؤلات حول تماسك هذا المحور ومستقبل دوره في المعادلة الإقليمية.

حزب الله: من رأس الحربة إلى الترقب

يُعد حزب الله اللبناني أبرز مثال على هذا التحول. فرغم مكانته كمكوّن مركزي في محور طهران، لم يطلق الحزب صاروخًا واحدًا بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران. بل تشير مصادر دبلوماسية تحدثت للصحيفة إلى أن الحزب في "وضعية انتظار"، يراقب المشهد دون رغبة حقيقية في التصعيد، رغم خطابه الإعلامي المناهض لإسرائيل.

تضررت بنية الحزب العسكرية والقيادية بشدة خلال العام الماضي بفعل ضربات إسرائيلية دقيقة استهدفت مواقع قيادية وخطوط إمداد، إلى جانب اختراقات استخباراتية أثارت قلقًا واسعًا داخل الحزب. كما أن مشاعر الغضب تتنامى في أوساط الحزب تجاه طهران، بعد ما اعتبره البعض تقصيرًا من إيران في دعم الحزب خلال مواجهاته الأخيرة.

ومن العلامات الرمزية على هذا التوتر، الظهور الإعلامي الأخير لنائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم دون أية رموز إيرانية في خلفية مكتبه، وهو ما فُهم على أنه محاولة للتأكيد على الهوية اللبنانية للحزب وتقليص الارتباط الرمزي بطهران.

حماس: تراجع شامل تحت ضربات الحرب

أما حركة حماس، الحليف الأقرب لإيران في غزة، فهي تمرّ بأشد لحظاتها ضعفًا منذ عقود. فبعد 20 شهرًا من الحرب المدمرة مع إسرائيل، قُتل معظم قادتها الميدانيين، ودُمرت بنيتها التحتية شبه كليًا، مما أفقدها القدرة على التحرك العسكري والتأثير السياسي.

ورغم أن إيران وفرت بعض الدعم الإعلامي والمالي، إلا أن التقرير يؤكد أن طهران لم تُقدّم دعمًا عسكريًا حاسمًا، ولم تدخل المواجهة دفاعًا عن حليفها الأساسي في فلسطين.

الميليشيات العراقية: من سلاح المقاومة إلى رجال الأعمال

في العراق، تغيّر المشهد جذريًا. فالميليشيات الشيعية التي كانت تستهدف القواعد الأميركية بشكل متكرر، أصبحت اليوم أكثر انخراطًا في المشهد السياسي والاقتصادي المحلي. العديد من قادتها باتوا يشغلون مناصب رسمية أو يديرون شركات ومصالح مرتبطة بعقود النفط، مستفيدين من استقرار نسبي وأسعار نفط مرتفعة.

ولم يصدر سوى بيان وحيد من ميليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، أكدت فيه أن إيران لا تحتاج لدعم عسكري، لكنها توعدت بالرد إذا شاركت الولايات المتحدة مباشرة في قصف إيران. في المقابل، يُمارس رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ضغوطًا على الميليشيات لتفادي أي تصعيد قد يجر البلاد إلى أتون حرب جديدة، في وقت يسعى فيه لتعزيز صورته كقائد توافقي يحفظ استقرار العراق.

الحوثيون: خطاب ناري، وتحركات محسوبة

رغم استمرار الحوثيين في رفع شعار "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل"، إلا أن تحركاتهم العملية بدت مترددة. أطلقوا عدة صواريخ نحو إسرائيل في وقت سابق، لكنهم توقفوا بعد تعرضهم لسلسلة من الضربات الجوية الأميركية والإسرائيلية بين مارس وأبريل، أضعفت قدراتهم الجوية والصاروخية.

يؤكد التقرير أن الحوثيين يتصرفون ضمن استراتيجية "اليمن أولًا"، وأنهم على اتصال دائم بطهران، لكنهم لا يتخذون قراراتهم بناءً على أوامر مباشرة من إيران. تقول الباحثة إليزابيث كيندال: "الحوثيون لن يغامروا بأنفسهم لأجل المرشد الإيراني. حساباتهم مبنية على ما يخدم مصالحهم داخل اليمن".

تراجع قيادة طهران بعد سليماني

الضربات المتكررة التي طالت قادة الحرس الثوري الإيراني، سواء في سوريا أو داخل الأراضي الإيرانية، أحدثت خللًا كبيرًا في منظومة التنسيق العسكري والاستخباراتي لمحور طهران. ويُعد مقتل قاسم سليماني في يناير 2020 بداية الانحدار الحاد لقدرات إيران الإقليمية؛ إذ كان سليماني الشخصية الأهم في إدارة العلاقات مع الفصائل الحليفة، وتوحيد قرارها العسكري والسياسي.

كما أظهرت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة مدى اختراق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للمؤسسات الإيرانية، إذ نُفّذت بعض الضربات من داخل الأراضي الإيرانية نفسها باستخدام طائرات مسيّرة، ما أثار حالة من الذعر في أوساط الميليشيات التي باتت تشعر بأنها مكشوفة تمامًا أمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

خلاصة المشهد: حسابات مصالح لا أيديولوجيا

ما يجمع هذه الفصائل اليوم – وفق التقرير – هو "عقلية البقاء"، وليس الحماسة الأيديولوجية للمواجهة. فقد أصبح لكل طرف حساباته، سواء اقتصادية كما في العراق، أو ميدانية كما في حزب الله، أو استراتيجية كما في الحوثيين، مما أدى إلى تراجع التنسيق الموحد الذي ميّز محور إيران في فترات سابقة.

ويبدو أن طهران اليوم تقف في مواجهة غير مسبوقة مع خصومها، دون الغطاء الذي لطالما وفّره لها حلفاؤها، في مشهد يعكس تآكل قوة "محور المقاومة"، وصعود منطق المصالح الذاتية.

Next
Next

عمر الرداد: علاقات الأردن وإسرائيل تتجه نحو مرحلة جديدة بعد انتهاء الأزمة الإقليمية