الحوثيون ضد إسرائيل.. تصريحات نارية" بلا تأثير"
في خضم التصعيد الكبير الذي شهده الشرق الأوسط عقب الضربات الإسرائيلية والأميركية على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، حاول الحوثيون إظهار أنفسهم كجزء من "محور المقاومة" عبر إطلاق تصريحات نارية وتهديدات مباشرة لإسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن الواقع العملياتي أظهر هشاشة هذا الموقف الدعائي، وكشف حدود قدرة الجماعة على التأثير الفعلي في مسار الحرب الجارية بين تل أبيب وطهران.
وقال مركز "جيوبوليتيكال مونيتور" إنه منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، كانت جماعة الحوثي – المدعومة من إيران – هي الميليشيا الوحيدة التي أعلنت رسميًا انضمامها إلى الصراع عبر استهداف إسرائيل بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، لكنها، ورغم هذا الإعلان الصاخب، لم تُحقق أي نتائج ملموسة على الأرض. فبعض الهجمات تم اعتراضها بالكامل بواسطة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وأخرى لم تصل إلى أهدافها من الأساس، بينما تسبب أحدها في إصابة أطفال فلسطينيين، ما أحرج الجماعة أمام جمهورها الإقليمي.
التحليلات تشير إلى أن هذا الأداء الضعيف قد يكون نتيجة مباشرة لنفاد مخزون الجماعة من الصواريخ والطائرات المسيّرة بعد تعرضها لمئات الغارات ضمن عملية "الفارس الخشن" الأميركية في وقت سابق من هذا العام، كما أن هناك من يرى في هذا "الضعف" شكلاً من أشكال ضبط النفس الإستراتيجي؛ فالحوثيون يدركون أن إيران – شريكتهم العسكرية والسياسية الأولى – باتت منشغلة بإعادة ترتيب صفوفها داخليًا بعد الضربات التي تلقتها، ما يقلص احتمالات تقديمها دعماً فورياً للجماعة اليمنية.
وفي هذا السياق، تشير تقارير إلى احتمال أن تكون طهران قد بدأت بالفعل في نقل بعض منظوماتها الصاروخية والطائرات المسيّرة إلى مناطق يسيطر عليها الحوثيون، وهو ما قد يفسر حرص الجماعة على عدم تصعيد المواجهة بشكل مفرط في هذه المرحلة، ومع ذلك، تبقى النتيجة واحدة: الخطاب الحوثي لم ينعكس على الأرض بأي إنجاز يُذكر، ما أفقده الكثير من صدقيته بين الحلفاء والخصوم على حد سواء.
في المقابل، شكّلت الضربات الإسرائيلية والأميركية المتزامنة على إيران – ضمن عمليتي "الأسد الصاعد" و"الضارب الخشن" – ضربة موجعة ومركّبة لطهران. فقد استهدفت تل أبيب أكثر من ألف موقع داخل إيران، منها مخازن صواريخ باليستية، ومقرات الحرس الثوري، ومواقع حساسة مثل سجن إيفين. كما تم اغتيال كبار القادة العسكريين الإيرانيين، بينهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس أركان القوات المسلحة محمد باقري، وقائد القوات الجوية أمير حاجي زاده، إضافة إلى تسعة علماء نوويين.
في اليوم التالي، تبعتها واشنطن بضربة مركّزة استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية، ما اعتُبر رسالة واضحة بأن البرنامج النووي الإيراني لم يعد بمنأى عن التدمير الكامل، بحسب تصريحات الرئيس ترامب.
ورغم هذه الضربات، فإن القلق الأكبر الآن يتمثل في ما بعد الصدمة؛ فالفراغ الذي ستتركه إيران نتيجة انشغالها بإعادة بناء قدراتها العسكرية قد يضعف أذرعها الإقليمية، وفي مقدمتها الحوثيون، الذين سيفتقدون الدعم اللوجستي والتغطية السياسية والإمدادات الحيوية لفترة غير قصيرة.
هذه الحالة تُشكل – في الوقت نفسه – فرصة للولايات المتحدة لاختبار براغماتية الحوثيين مجددًا، فقد أظهرت الجماعة بعض الانفتاح هذا العام على التفاوض عبر قنوات خلفية مع واشنطن. وهنا يمكن للإدارة الأميركية أن تستثمر اللحظة لفرض خارطة طريق واضحة تشمل وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والتقدم نحو تسوية سياسية شاملة في اليمن.
ومن هذا المنطلق، فإن معالجة الملف اليمني لا يمكن أن تقتصر على التعامل مع الحوثيين فقط. إذ يجب أن تترافق مع جهود لإعادة هيكلة المجلس الرئاسي اليمني وتعزيز وظائفه الدستورية والمؤسسية، رغم التحديات البنيوية التي يواجهها. كما ينبغي على واشنطن الضغط على حلفائها الإقليميين، خصوصًا السعودية والإمارات، لتجاوز حالة التراخي والتورط مجددًا في دعم المجلس بمقاربة موحّدة.
في النهاية، إذا كانت إدارة ترامب جادة في بناء منظومة أمنية جديدة في الشرق الأوسط، فلا يمكنها تجاهل اليمن، ولا تفويت اللحظة المناسبة لتحويل النصر العسكري على إيران إلى مكاسب سياسية ودبلوماسية حقيقية، تُخرج البلد من أتون الحرب وتضع حدًا لحالة الاستنزاف الإقليمي المستمرة.