بـ"الفيلق" و"ألعاب السياسة".. روسيا تتوغل في أفريقيا
"بحركة استعراضية" اختارت روسيا أن تكون أولى عمليات "فيلقها الأفريقي" المعلنة هي الدخول للقاعدة العسكرية الأميركية في شمال النيجر، بالتزامن مع طلب المجلس العسكري الحاكم هناك من واشنطن سحب قواتها، في فترة يتراجع فيها النفوذ الغربي في أفريقيا لصالح موسكو وبكين وأنقرة الذين يحاولون منذ سنوات العمل لتلاقي مصالحهم وجمع قدراتهم لطرد النفوذ الغربي من روسيا.
لكن التحرك العسكري الروسي ممثلا في "الفيلق الأفريقي"، الذي ورث تركة شركة "فاغنر" العسكرية، هو آخر مرحلة ضمن عدة أشواط قطعتها موسكو من أجل تعزيز وجودها في القارة، كما يقول الكاتب والباحث المصري في الشأن الأفريقي عمرو حسين.
التأثير سياسيا وعسكريا
وأوضح حسين، في حديثه إلى "جسور" أن موسكو بدأت تحركاتها السياسية في أفريقيا عبر دعم مرشحي الرئاسة في عدة دول، عبر توفير المساندة بالاستراتيجيات والخطط، وتقوية مراكزهم مقابل إضعاف المنافسين المفضلين من الدول الغربية مثل فرنسا.
كما دعمت روسيا أجنحة وفصائل عسكرية في الجيوش الأفريقية، التي تمكنت من تنفيذ انقلابات عسكرية ناجحة أوصلت قادة موالين لها إلى سدة الحكم، وفق حسين.
استعادة النفوذ السوفيتي
وهنا يأتي دور الفيلق الروسي كما يرى الباحث السياسي، فالمعلن بشأن عمله أنه يساعد شركاءه الأفارقة على "مكافحة الإرهاب والحفاظ على أمن الحدود ومنع التهريب والقضاء على الهجرة غير النظامية"، لكن السبب غير المعلن لنشره في أفريقيا "هو رغبة موسكو في استعادة النفوذ الذي كانت تحظى به في أفريقيا إبان حقبة الاتحاد السوفيتي".
وتابع حسين: "يمكنها استغلال هذا النفوذ في تقوية مواقفها التفاوضية في الساحة الدولية، في قضايا مثل الحرب في أوكرانيا، وتستند في ذلك على أصوات الأفارقة الذين يملكون أكبر كتلة تصويتية في المؤسسات الأممية بعد آسيا".
مكاسب اقتصادية
ولا يخلوا التدخل من فوائد اقتصادية، وضرب حسين مثلا بأفريقيا الوسطى التي تعد أكبر دولة في إنتاج الألماس، واستحوذ عليها الروس بعدما وصل مرشحهم إلى سدة الحكم في الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن روسيا تسوق لنفسها على أنها تدخل في صفقات بمعادلة "الكل رابح"، إلا أنها لن تكون أفضل من دول أخرى مثل فرنسا، كانت توجه لها الانتقادات لتدخلاتها في أفريقيا.
وينبه حسين، إلى أن الأصح هو الاعتماد على الحلول الأفريقية لمشكلات القارة السمراء، وعودة دور الاتحاد الأفريقي وآلياته والمجموعات الاقتصادية وتفعيل الاتفاقيات الأمنية المشترك بين الدول الأفريقية.
تمدد روسي على حساب فرنسا
ويرى الباحث السياسي التشادي علي موسى، أن العقد الحالي سيشهد تمددا روسيا كبيرا في أفريقيا على حساب فرنسا التي حسرت أماكن نفوذها بالقارة، وسيبدأ تشكل توازن جديد للقوى المؤثرة في أفريقيا، مع دخول تركيا أيضا على الخط، ووجود صيني كبير اقتصاديا.
وأوضح علي، أن روسيا توسعت في أفريقيا اعتمادا على العلاقات الوثيقة مع المؤسسات العسكرية، وعبر ترويج مزاعمها بأن "ليس لها خلفية استعمارية في القارة"، كما أن الردود الغربية ايضا ضد موجة الانقلابات الأخيرة في أفريقيا، دفعت قادتها للارتماء في أحضان موسكو.
وستستمر حالة الاستقطاب في التصاعد بين المعسكرين الشرقي والغربي، وسط تصادم مصالحهما السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية في أفريقيا، "إلى أن يفيق الأفارقة من غفلتهم، ويبرزون كقوة عالمية تستطيع أن تجد مكانا لها بعيدا عن الهيمنة"، وفق الباحث السياسي.
انتقادات جمهورية لسياسة بايدن
وانتقد أعضاء بارزون من الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي "ضعف الاستجابة" من إدارة الرئيس جو بايدن حيال التوسع الروسي في أفريقيا، وذلك وفق تقرير نشرته شبكة "فوكس نيوز ديجيتال".
ووصف السيناتور عن ولاية ساوث كارولينا، تيم سكوت السياسية الخارجية لبايدن في أفريقيا بـ"الكارثية"، محذرا من عمل الروس والصينيين لـ"طرد" الولايات المتحدة من القارة.
فيما انتقد السيناتور عن ولاية أيداهو جيمس ريش تخلي أميركا عن القتال لأجل النفوذ في أفريقيا، ما جعل مهمة موسكو أكثر سهولة لاستغلال تحديات القارة السياسية والأمنية والاقتصادية في تحقيق المكاسب.
وبالمثل، حمل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، السيناتور عن ولاية كنتاكي، إدارة بايدن المسؤولية عن "طرد أميركا" من تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، "مما أتاح مجالًا أكبر لروسيا والصين"، قائلا إن تلك الإدارة لمدة عامين "تصرفت كالنعامة" بدفن رأسها في الرمال، وليست كجهة تقود قوة عظمى.
ووصل الوضع في النيجر لمرحلة حرجة، كما نبه السيناتور عن ولاية فلوريدا مات غايتس، مشيرا إلى أن القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة بالبلاد، لم تحصل على الإمدادات الكافية منذ مارس الماضي، فأصبح أمام الولايات المتحدة خياران :"إما إعادة إمداد القوات" بشكل فردي أو "إرجاعهم إلى الوطن".
روسيا والصين استغلتا أخطاء أميركا
من جانبه، قال الدكتور تيودور كاراسيك، كبير مستشاري مركز الخليج للدراسات لـ" جسور" إن واشنطن لم تضغط بما فيه الكفاية لمنع تمدد نفوذ الدول المنافسة لها في القارة الأفريقية وحيث كانت هناك ضغوطات أميركية فإنها جاءت متأخرة أو أنها حدثت بطريقة خاطئة استغلها خصوم الولايات المتحدة لملء الفجوة.
وأضاف: "لقد تغير المزاج في منطقة الساحل بسبب الوجود الروسي والمشاعر المناهضة للفرنكوفونية. وبمجرد أن أصبح من الواضح أن هناك "مساحة مفتوحة" لأخطاء الولايات المتحدة، "اغتنمت روسيا والصين الفرصة للتحرك بسهولة أكبر".
وتابع:"هناك عدد من الأساليب المختلفة التي يجعلون أنفسهم حاضرين بها، وبمعدل حركتهم سوف تنمو بقدر أكبر من الحزم".
ولفت كاراسيك إلى التنسيق الروسي - الصيني في القارة الأفريقية بقوله، إنه على الرغم من عدم اتفاق موسكو وبكين بشأن كل قضية في أفريقيا، مثل الخلاف السابق بين الطرفين حول القضايا المتعلقة بموزمبيق، فإن كليهما يعمل مع الآخر كما يحدث في الجزائر، حيث هناك تفاهم بشأن الملفات الكبرى وتآزر في أماكن مختلفة وهو أمر أساسي وقد بدأ يظهر أكثر في غرب أفريقيا وخليج غينيا.
وعن الدور التركي في أفريقيا، يقول كاراسيك إن أنقرة تحولت إلى لاعب بارز وقوي في أفريقيا بسبب مزيج أنقرة من الدبلوماسية والتجارة، حيث تلعب القوات المسلحة التركية دورًا رئيسيًا في دول مثل ليبيا والصومال، كما تبيع تركيا الطائرات بدون طيار إلى دول منطقة الساحل التي تسيطر عليها روسيا، ناهيك عن برامج التدريب وتقديم المعدات لعدد من الحكومات الأفريقية العاملة مع روسيا.
يمكن العثور على الطائرات بدون طيار التركية في جميع أنحاء القارة في ساحات المواجهة المختلفة حتى السودان. ويبدو أن هناك انسجامًا معينًا بين الدول الثلاث في الوقت الحالي حيث تقوم هذه الدول بسد الفجوة مستغلين السنة الانتخابية في الولايات المتحدة حيث يتشتت انتباه واشنطن عن التطورات الأفريقية بسبب الانتخابات.
]]>