هل تقترب أميركا والسعودية من "التحالف الاستراتيجي"؟

نشرت وسائل إعلام أميركية عدة، أنباءً عن قرب وضع "اللمسات النهائية" للمعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي تحمل اسم "التحالف الاستراتيجي"، وبموجبها ستساعد واشنطن في الدفاع عن المملكة.

وقالت جريدة "وول ستريت جورنال"، إن الاتفاق المحتمل، الذي ظل محل مراسلات على نطاق واسع بين مسؤولين أميركيين وسعوديين لأسابيع، يأتي ضمن حزمة أوسع ستتضمن إبرام اتفاق نووي مدني بين واشنطن والرياض، واتخاذ خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الحرب في قطاع غزة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وسعوديين، قولهم: "إن مسودة المعاهدة صيغت بشكل فضفاض على غرار الاتفاقية الأمنية المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان"، موضحة أن المسودة تنص على منح واشنطن إمكانية استخدام الأراضي السعودية والمجال الجوي للمملكة من أجل حماية المصالح الأميركية وشركائها في المنطقة، مقابل التزام الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية في حالة تعرضها لهجوم.

ملف التطبيع مع إسرائيل

وستتطلب الموافقة على هذه المعاهدة تصويت أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ الأميركي لصالحها، وهو أمر سيكون من الصعب تحقيقه "ما لم ينص الاتفاق على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية"، حسب الجريدة الأميركية.

وهنا يعلق الباحث والكاتب في الدراسات الإستراتيجية والعلوم السياسية والعسكرية الدكتور محمد بن صالح الحربي، بأن أي تطبيع مع إسرائيل لابد أن يكون عبر مسار استراتيجي وليس تكتيكيا أو مرحليا، متابعا: "الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، كما أنها غير ثابتة، فمن تتفاوض معه؟".

المطلب السعودي واضح وهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودائما يطلق مسؤولو الولايات المتحدة سواء وزير الخارجية أو مستشار الأمن القومي، تصريحات حول الاقتراب من التوصل إلى اتفاق، "لكن الرياض وضعت مسارات لابد من استكمالها"، حسب الحربي.

وشرح الخبير الاستراتيجي: "يجب أولا أن يوافق الكونغرس على المعاهدة الاستراتيجية كي لا تتغير أو تتبدل، والسعودية طلبت ضمانات من الكونغرس في هذا الإطار، سواء كان الرئيس ديمقراطي أو جمهوري".

التمسك بحل الدولتين

المسار شاق وطويل تتخلله الكثير من الصعوبات، ولكن إن تم وفق الشروط السعودية التي أوضحتها مرارا وتكرارا، وأولها حل الدولتين للقضية الفلسطينية، لكن إسرائيل في وضعها الحالي غير قادرة على الخوض في أي مبادرات أو معاهدات بسبب اليمين المتطرف، وفق الحربي.

وحول كون الاتفاق موجها ضد إيران، عقب: "هو حلف استراتيجي على غرار الاتفاقيات بين أميركا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.. السعودية عندما بدأت علاقتها مع أميركا كانت المعادلة الأمن مقابل الاقتصاد، الآن تغير الوضع والرياض تريد اتفاقا ضمن إطار استراتيجي بضمانة من الكونغرس".

وبالنسبة للبرنامج السعودي النووي، أكد أن البرنامج بدأ بالفعل منذ العام 2010، وهو برنامج نووي سلمي، وهذا مسار يختلف عن المسار السياسي الذي يتجسد في العلاقات مع إيران وإسرائيل، والذي يمكن أن يكون مفتاح استقرار الشرق الأوسط.

الاتفاق ليس وشيكا

في حين ترى المحللة السياسية الأميركية وخبيرة العلاقات الدولية إيرينا تسوكرمان، أن الاتفاق بين الدولتين ليس وشيكًا كما تدعي التقارير، فالولايات المتحدة تعرض صفقة أمنية طلبتها السعودية، لكن فقط مقابل التطبيع مع إسرائيل كحافز للأخيرة من أجل إنهاء الحرب في قطاع غزة وإنشاء دولة فلسطينية.

وأضافت تسوكرمان، في حديثها إلى "جسور"، "سيكون هذا بمثابة دفعة دبلوماسية كبيرة لحملة الرئيس الحالي جو بايدن، و التي تتخلف عن منافسه دونالد ترامب في استطلاعات الرأي، بما في ذلك في الولايات المتأرجحة الرئيسية، ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يحدث أي شيء من هذا". 

وتشير المحللة الأميركية إلى الصعوبات التي تواجه الاتفاق، وأولها: تشكك إسرائيل بشكل متزايد في أي صفقات لا توفر لها الأمن، ففي الوقت الحالي، لم يقدم أي من الأطراف المعنية بالصراع في غزة خطة واضحة لما بعد الحرب، كما أظهرت التقارير الأخيرة حتى من الإمارات العربية المتحدة تشككاً في التزام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالإصلاح المطلوب. 

الحسم قبل الانتخابات "غير مرجح"

وتابعت: "والعائق الثاني هو الانقسام بين الفصائل الفلسطينية الذي لا يمكن التغلب عليه بسهولة حتى مع محاولة الوساطة من مختلف الأطراف، أما القضية الثالثة فهي التزام الرياض بمبادرة السلام العربية التي تتطلب من إسرائيل أن تتخلى عن الأراضي عند حدود عام 1967، وهي المرة الأولى التي تتخلى فيها دولة انتصرت في حرب عن أرض مقابل احتمالات غامضة للغاية للسلام، بالنظر إلى أن السعوديين قد لا يكونوا قادرين على منع مختلف الجهات الحكومية مثل إيران وروسيا والصين من الاستمرار في دعم نفوذ حماس الزاحف".

وأكملت: "وبالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية، فقد عارضت في الأصل خطة التقسيم التي كان من شأنها إنشاء دولة فلسطينية، ونظراً لهذه الخلافات التي يبدو أنه لا يمكن حلها دون تنازلات والتزامات كبيرة من جانب مختلف الدول العربية، فمن غير المرجح أن تتم مثل هذه الصفقة الضخمة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر". 

ورجحت أن يحاول البيت الأبيض مرة أخرى ممارسة الضغط على إسرائيل لجعلها تبدو وكأنها "طرف متمرد" من خلال تسريب "شائعات غير واقعية" حول موقفها من الاتفاق، مثلما تبنت الإدارة الأميركية سابقًا استراتيجية مماثلة تتمثل في تسريب أخبار مزعومة حول رحلة بايدن غير المؤكدة إلى السعودية، لإجبار الرياض على التدخل بعد أشهر من التعامل البارد مع فريق بايدن بسبب إهانات القيادة.

واختتمت: "ومن الممكن أيضًا أن تأتي نفس الطريقة هنا بنتائج عكسية، مما يؤدي إلى إحراج كبير، وبالنظر إلى التطبيع السعودي الأخير مع إيران، فإن العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل وفي عهد بايدن أصبحت أقل احتمالا".

]]>

Previous
Previous

صعود اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي.. هل يكتب كلمة النهاية باتحاد القارة العجوز؟

Next
Next

نتيجة مسابقة ملكتي جمال ولايتين أميركيتين تثير الجدل