تضخم ثروات وسحب جنسية.. هل ينتهي زمن الفتى المدلل في تركيا؟
بدأت السلطات التركية في شن حملات أمنية مكثفة في الآونة الأخيرة، ضد عمليات التلاعب بالجنسية التركية لصالح عدد من المحسوبين على تيارات جماعة الإخوان، وقياداتها المتواجدة في تركيا، بعد أن تحولت الجنسية التركية إلى مجال كبير للتربح، عن طريق مافيا تخصصت في بيع الجنسية مقابل مبالغ طائلة، وصلت لستين ألف دولار مقابل منح الجنسية، بحسب تقارير صحفية تركية.
وكشفت مصادر تعيش في تركيا لموقع " جسور" عن أن ملايين الدولار، استطاعت دوائر إخوانية ومافيا تعمل لحساب قيادات الجماعة، أن تحصل عليها من خلال استغلال علاقاتها ببعض الشخصيات التي تعمل في مؤسسة الرئاسة التركية، الأمر الذي بات يسبب حرجا للنظام الحاكم في تركيا، وقياداته، خاصة الرئيس رجب طيب أردوغان.
و اضطرت السلطات التركية، لعمل تحقيقات موسعة، ضد مافيا بيع الجنسية التركية، أدت إلى سحب الحكومة التركية الجنسية من آلاف الأجانب، وخاصة من المصريين الهاربين من أحكام قضائية في تركيا، وعدد كبير من اللاجئين السوريين.
كيف تدار مافيا الجنسية؟
يكشف الشاب الإسكندراني شريف الزين (هارب من حكم قضائي في مصر ويعيش في تركيا) لموقع "جسور"، أن مافيا بيع الجنسية التركية، تم تطويرها خلال السنوات الماضية، عن طريق بعض الجمعيات التي تم إنشاؤها لصالح قيادات جماعة الإخوان، وأهمها " رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج"، والتي يشرف عليها ويقودها الإعلامي الإخواني حمزة زوبع، وهي الرابطة التي تأسست بذريعة حماية الإعلاميين المصريين الفارين من أحكام قضائية في مصر.
وأضاف الزين، أن هذه الرابطة التي يشرف عليها حمزة زوبع، تقوم بتزكية عدد من الأسماء، التي كانت في البداية كلها تابعة لجماعة الإخوان، وإرسالها لمؤسسة الرئاسة التركية، عن طريق ياسين أقطاي متحدث حزب "العدالة والتنمية" السابق، ومن ثم تسهيل منح الجنسية لهذه الأسماء التي تم تزكيتها، بعد فرزها من قبل قيادات الإخوان في تركيا.
وقال، إن هذه الرابطة تحولت بعد ذلك، إلى مافيا لبيع الجنسية التركية، مقابل عشرات الآلاف من الدولارات، في الوقت الذي كانت ترفض فيه هذه الرابطة، منح الجنسية التركية لعدد كبير من الشباب الذي فر من مصر وحصل على أحكام قضائية بالسجن والإعدام، بمبرر أن هؤلاء الشباب لا ينتمون لجماعة الإخوان.
وأكد الزين، أنه شخصيا ورغم بقاؤه في تركيا لأكثر من عشر سنوات، هروبا من حكم قضائي بالمؤبد، نتيجة القبض عليه في تظاهرة بالإسكندرية، لكنه حتى الآن لم يحصل على الجنسية التركية، بسبب مفاوضته من قبل قيادي الإخوان حمزة زوبع، بدفع مبلغ كبير من أجل تزكية اسمه للحصول على الجنسية، وهو ما عجز عنه وفضل في توفير المبلغ المطلوب.
اتفق معه طارق قاسم الإعلامي السابق في قناة "الشرق" التي يترأسها البرلماني السابق أيمن نور، مؤكدا لموقع "جسور"، أن ملف بيع الجنسية أصبح تجارة كبيرة يديرها أبناء قيادات كبيرة في جماعة الإخوان، الأمر الذي أدى تضخم ثروات هؤلاء الأبناء، و تأسيس استثمارات كبيرة في الداخل التركي وفي عدد من دول أوروبا.
وبين قاسم، أن هذه التجارة التي وقعت في يد قيادات الإخوان وأبنائهم، اضطرت في نهاية الأمر السلطات التركية، لترحيل الدكتور محمود حسين القائم بعمل مرشد الإخوان، بسبب التلاعب بالعقارات وبيع الجنسية، مضيفا أن ثروة هذا الرجل تضخمت من بيع الجنسيات، فأصبح يمتلك مطعمين فاخرين في أرقى أحياء إسطنبول وسيارة فارهة.
وأضاف قاسم، أن تجارة بيع الجنسية التي انخرط فيها كوادر إخوانية، لم تتوقف على بيعها للمصريين فقط، بل شملت سوريين أيضا، بمبالغ تتراوح بين 40 ألف دولار و 60 ألف للجنسية الواحدة، وتمكنوا من الاستحصال على الجنسية التركية لصالح أشخاص لا يقيمون في تركيا.
كما أشار إلى رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج التي يديرها زوبع، بأنها كانت تعمل في مجال الجنسيات مقابل سداد تبرع بالدولار، لتلبية نفقات الرابطة من سداد إيجارات ورواتب وغيرها، مستغلة اتفاقا سابقا مع السلطات التركية بتقديم كشوفات للراغبين في الحصول على الجنسية والذين تنطبق عليهم الشروط، وكانوا يحصلون على الإقامة للراغبين في الحصول على الجنسية ويطلبون منهم السفر سنويا إلى تركيا لتجديدها، على أن توضع أسماؤهم لاحقا ضمن لوائح تعدها الجماعة لعناصرها الراغبين بالجنسية.
سحب الجنسية
في المقابل، كشف طه محمود (صاحب مكتب خدمات الإقامة والجنسية)، لموقع " جسور"، أن انتشار رائحة مافيا بيع الجنسية عن طريق كوادر الإخوان، تسبب في حرج كبير لمؤسسة الرئاسة التركية، وبعض قيادات حزب "العدالة والتنمية"، ما اضطر السلطات التركية لسحب الجنسية من آلاف الأجانب، بسبب مخالفتهم شروط تقديم الأوراق والإثباتات، أو بسبب ارتكابهم أعمالاً أخلّت بأمن الدولة.
وقال إن سحب الجنسية من الأجانب، استصدرته قيادات أمنية دون الرجوع للقضاء، بالرغم من مخالفة ذلك للقانون التركي، لكنه كان إجباريا بعدما وصل الأمر لتضخم ثروات بعض قيادات الإخوان، موضحا أن الجنسية لا تسحب بعد منحها إلا بسبب عدم صدقية الأوراق أو تزويرها، أو بسبب قضايا تتعلّق بأمن الدولة.
وتوقع طه محمود، أن الأيام القادمة ستشهد سحب الجنسية من عدد كبير من الأجانب المقيمين في تركيا، خاصة المنتمين لجماعة الإخوان، نتيجة عودة العلاقات بين مصر وتركيا مرة أخرى، وزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمصر فبراير الماضي، موضحا أن وزارة الداخلية التركية وبحسب معلوماته كخبير في منح الإقامات والجنسية، تقوم حاليا بالتدقيق في الملفات لعدد كبير من المصريين والسوريين الذين حصلوا على الجنسية، بعد اكتشاف حالات تزوير للشهادات والوثائق، وتآمر أخرون مع شركات عقارية لزيادة أسعار عقارات كي يشملهم شرط الحصول على الجنسية.
إجراءات حاسمة
وكان وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، اتخذ عدد قرارات بشأن الجنسيات والإقامات لمعالجة كل الحالات التي ارتكبت مخالفات وتورطت بقضايا فساد وتزوير، وأخرى تتعلّق بأمن تركيا.
وركزت التحقيقات في ملفات الجنسية على تقديم وثائق مخادعة أو أخرى تضمنت مبالغات في تحديد أسعار المنازل، وتم سحب الجنسية من أشخاص أدوا الخدمة العسكرية لدى دول خارجية وحصلوا على جنسيتها، و من أشخاص حصلوا على الجنسية التركية ثم لجأوا إلى دول أوروبية وحصلوا على جنسياتها، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي بعد توحيد النظام".
وحدد القرار رقم 5901 الصادر في مايو/ أيار 2009، شروط سحب الجنسية ومنحها، سواء عبر العقارات أو الزواج أو قرارات استثنائية لحاملي بطاقات الحماية المؤقتة، كما حدد هذا القرار شروط سحب الجنسية إذا جرى تقديم معلومات أو وثائق مزوّرة أو أخفيت حقائق، والعمل لصالح دولة أجنبية تتعارض مع مصالح تركيا، وخدمة دولة معادية أثناء الحرب، وتأدية الخدمة العسكرية في دولة أجنبية من دون الحصول على إذن، وارتكاب جرائم كبيرة وتنفيذ أنشطة لحساب إرهابيين أو تمويلهم مالياً.
وقال طه محمود إن التحقيقات كشفت وجود مجاملات ومحسوبيات في اختيار العناصر التي تحصل على الجنسية التركية، واستبعاد من يستحقون، لافتا إلى التقارب التركي المصري بعد زيارة أردوغان إلى مصر، سيكون له بالغ الأثر على شكل وإقامة قيادات الإخوان وشبابهم الفارين من مصر في تركيا.
]]>