قلق أميركي من إغراق حزب الله ونظام الأسد الأردن بـ"الكبتاغون"
بينما يشهد الشرق الأوسط حربا مستمرة منذ السابع من أكتوبر العام 2023، يتواصل صراع آخر في الخفاء على الحدود الأردنية - السورية، حيث تحبط قوات الأمن الأردنية يوميا محاولات تهريب كميات كبيرة من مخدر "الكبتاغون" إلى داخل البلاد، في ظاهرة استفحلت مؤخرا حتى جذبت انتباه المسؤولين الأميركية في واشنطن.
وتُدر تجارة المخدرات مليارات الدولارات، "التي تُغذي المزيد من التوترات في المنطقة"، حسب "وول ستريت جورنال"، التي أشارت إلى امتلاء جيوب الميليشيات المدعومة من إيران، وعلى رأسها حزب الله، بأموال" تلك التجارة المحرمة، وتورط فيها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أصبح "أحد أكبر عصابات المخدرات في العالم"، مما يساعده على تعويض سنوات من العقوبات الاقتصادية الغربية، وفق الجريدة الأميركية.
قلق أميركي
ويشعر المسؤولون الأميركيون بقلق متزايد من أن تجارة الكبتاغون تقوض عقودًا من الاستقرار النسبي في الأردن والسعودية، الحليفين الأساسيين لأميركا.
وقال مسؤول أمني أردني كبير، لـ"وول ستريت جورنال"، إن الأردن نشر نحو ثلث جيشه للمساعدة في الحد من تدفق المخدرات عبر حدوده مع سوريا، فضلا عن الأسلحة التي تُهرب عبر نفس الشبكات.
ويقول المسؤولون والباحثون إن معظم الإنتاج يتم في سوريا، وبعضه في لبنان، وينقل المهربون المخدرات من سوريا عبر المعبر الرسمي إلى الأردن عن طريق إخفائها في شاحنات، أو عن طريق استئجار النساء والأطفال لوضع الحبوب في قمصانهم أو أحذيتهم.
وفي الصحراء، يستخدم المهربون المقاليع لرمي المخدرات فوق الجدران الحدودية أو الطائرات بدون طيار، أو يذهبون ببساطة سيراً على الأقدام، خاصة في فصل الشتاء عندما يقلل الضباب والغبار من الرؤية ليلاً.
تجارة بقيمة 5.7 مليار دولار
ويقدر معهد الأبحاث "نيو لاينز"، ومقره في واشنطن، أن قيمة سوق الكبتاغون العالمية تبلغ نحو 5.7 مليار دولار، أي أكثر من نصف قيمة سوق الكوكايين في أوروبا، وجلبت لنظام الأسد ما متوسطه السنوي نحو 2.4 مليار دولار بين عامي 2020 و2022، أي نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، وفقًا لمرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، وهي منظمة بحثية سورية وعربية تتعقب تجارة "الكبتاغون".
وفي منتصف أكتوبر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ثلاثة أشخاص قالت إنهم متورطون في إنتاج الكبتاغون وتهريبه بشكل غير قانوني لصالح نظام الأسد وحزب الله.
وكان أحدهم مالكاً لمصنع في سوريا قالت وزارة الخزانة إنه كان بمثابة شركة واجهة، حيث أرسل حبوباً بقيمة تزيد عن 1.5 مليار دولار إلى أوروبا مخبأة في لفات من الورق الصناعي، وقد أصبحت أوروبا مركزًا رئيسيًا لإعادة شحن الكبتاغون المتجه إلى شبه الجزيرة العربية، وفقًا لوكالات تهريب المخدرات.
ومنذ اندلاع الحرب بين "إسرائيل" وحركة "حماس"، ارتفع عدد مضبوطات الكبتاغون على الحدود الأردنية - السورية أربعة أضعاف، وغالبًا ما كانت مصحوبة بشحنات أسلحة غير مشروعة، وفقًا لمعهد "نيو لاينز"، ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يشعرون بالقلق من أن يؤدي تهريب المخدرات إلى زيادة تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية.
نظام الأسد يتغلب على العقوبات بـ"الكبتاغون"
وقالت كارولين روز، الخبيرة في تجارة الكبتاجون في "نيو لاينز" إن النظام السوري "يشكل نموذجا للدول التي تغلبت على العقوبات" عبر تجارة "الكبتاغون" التي تحقق مكاسب "كبيرة للغاية".
والكبتاغون هو الاسم التجاري لدواء صُنع في ألمانيا في الستينيات لعلاج الاكتئاب واضطراب نقص الانتباه، ثم حُظر في معظم البلدان في عام 1986، ونقلت الجماعات الإجرامية البلغارية إنتاجه إلى وادي البقاع في لبنان، معقل حزب الله، في التسعينيات.
سمحت الأوضاع في سوريا منذ 2011 وانهيار النظام السياسي والاقتصادي في لبنان، لتجارة الكبتاغون بالنمو عبر الحدود المحاصرة والمساحات غير الخاضعة للحكم إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط وممرات الشحن الدولية.
ومع إعادة فرض نظام الأسد قبضته على البلاد، استولى على المرافق التي تمكنه من صناعة "الكبتاغون"، وقد عزز الإنتاج على مدى العقد الماضي، في محاولة يائسة للحصول على المال وسط عقوبات دولية.
تورط الفرقة التي يقودها ماهر الأسد
والمكون الرئيسي لـ"الكبتاغون" هو "السودوإيفيدرين"، الموجود عادة في أدوية البرد والأنفلونزا، ووفقًا للأمم المتحدة، أبلغت سوريا في عام 2020 عن واردات متوقعة تبلغ 110 ألف رطل من "السودوإيفيدرين"، أي أكثر من احتياجات المملكة المتحدة، ونحو نصف الكمية التي أبلغت عنها سويسرا، مركز الأدوية العالمي، ولم توضح سوريا، التي شهدت انهيار قطاعها الصحي وصناعة الأدوية بعد عقد من الحرب، سبب احتياجها إلى هذه الكميات الكبيرة.
وقال مسؤولون أميركيون وأوروبيون وعرب إن الفرقة الرابعة المدرعة في سوريا، التي يقودها شقيق الرئيس ماهر الأسد، تشرف على معظم إنتاج "الكبتاغون" وتوزيعه، واستهدفت العقوبات الأخيرة التي فرضتها وزارة الخزانة أيضًا رجلاً قالت إنه متورط في تهريب الأسلحة، وباع أسلحة إلى الفرقة وتبرع بأكثر من مليون دولار لحزب الله.
وقال الضابط المنشق عن نظام الأسد، العقيد فريد القاسم، لـ"وول ستريت جورنال"، "لا يزال النظام يعتمد بشكل كامل على الكبتاغون.. ولا يمكنهم العمل بدون هذه الأدوية".
مخدرات أخرى
ويحمل المتاجرون في سوريا أنواعا أخرى من المخدرات، لا سيما الميثامفيتامين الكريستالي، وقدر المسؤول الأمني الأردني أن المخدرات التي تتراوح قيمتها بين 8 و10 مليارات دولار تعبر الحدود من سوريا كل عام، وينقلها سوريون فقراء يحصلون على ما يصل إلى 10 آلاف دولار في المرة الواحدة.
وذكر المسؤول أن حزب الله يساعد النظام السوري في تسهيل عمليات التهريب في المناطق الخاضعة لسيطرته، ويؤمن منازل تجار المخدرات في جنوب سوريا، وقد اشتدت المواجهات بين الجيش الأردني والمهربين.
وفي قاعدة عسكرية، عرض عملاء المخابرات الأردنية لـ"وول ستريت جورنال" لقطات مراقبة لثلاثة أشخاص داخل قاعدة عسكرية تابعة للنظام السوري وهم يطلقون طائرة بدون طيار يعتقد المسؤولون أنها تحمل مخدرات باتجاه الحدود الأردنية.
وفي مقطع فيديو آخر للمراقبة، ظهر أطفال يسيرون مع الحمير ليلاً لإسقاط المخدرات على ضفة نهر اليرموك الذي يفصل بين البلدين لالتقاطها في وقت لاحق، وفي مقطع فيديو ثالث، يظهر صف من المهربين المفترضين الذين يحملون حقائب ظهر يمرون أمام موقع للجيش السوري، دون أي تدخل من الجنود على مرمى حجر.
وأظهرت مقاطع الفيديو طائرة بدون طيار تحمل مخدرات مفترضة من جنوب سوريا باتجاه الحدود الأردنية، ومهربين يسحبون أكياس الكبتاغون على ظهورهم، برفقة رجال يرتدون الزي العسكري، يفترض أنهم جنود النظام السوري.
في مقطع فيديو من منشأة إنتاج سورية، تمت مشاركته مع الجريدة الأميركية، من قبل فريق الطوارئ السوري، وهي مجموعة سورية مناهضة للنظام ومقرها واشنطن، ظهرت عدة آلات وهي تنتج مئات الحبوب ذات اللون البيج من فوهات معدنية في سلال بلاستيكية، وأظهر آخر أكياسا من حبوب الكبتاجون في أكوام، مزينة بشعار إحدى شركات تصنيع السيارات الفاخرة، والتي تستخدم عادة للإشارة إلى أن "الكبتاغون عالي الجودة".
حتى أن المهربين يستخدمون الحمام الزاجل الذي تم تدريبه على حمل ما يصل إلى أوقيتين ونصف من مخدر "الكريستال ميث"، وأظهر عملاء المخابرات الأردنية للصحيفة صوراً لطائر تم اصطياده وهو في طريقه من سوريا إلى الأردن ومعه كيس صغير من المسحوق الأبيض مربوط خلف كل من ساقيه.
قلق واشنطن
في ديسمبر عام 2022، وقع الرئيس بايدن على قانون "الكبتاغون"، الذي يتطلب من الولايات المتحدة تطوير استراتيجية لتعطيل شبكات تهريب المخدر وبناء شراكات لإنفاذ القانون في الشرق الأوسط، وأقر مجلس النواب مشروع قانون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في أبريل يقضي بفرض عقوبات جديدة على مصنعي وتجار "الكبتاغون".
لم تنشر الولايات المتحدة قوات لمساعدة الأردنيين في الحرب ضد الكبتاغون، لكنها تزود الأردن بقنابل موجهة عبر الأقمار الصناعية حددتها "هيومن رايتس ووتش" على أنها تستخدم لاستهداف تجار المخدرات المزعومين على الأراضي السورية.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة تقدم أيضًا المشورة لقوات الأمن الأردنية حول كيفية استخدام أجهزة استشعار المراقبة المحمولة جواً والطائرات بدون طيار واعتراض الاتصالات.
وأوقفت إدارة مكافحة المخدرات الأردنية العام الماضي حوالي 35 ألف شخص بتهم تتعلق بالمخدرات، أي بزيادة قدرها 24% عن العام السابق. وفي يونيو، أحبطت السلطات الأردنية عمليتين لتهريب ما يقرب من 10 ملايين حبة دواء غير مشروعة بقيمة تصل إلى 200 مليون دولار، كانت متجهة إلى السعودية.
]]>