مطار رفيق الحريري يدفع ضريبة الحرب.. صعوبات كبيرة تواجه نافذة لبنان على العالم
يفضل الطيارون الذين يسافرون من وإلى مطار رفيق الحريري في العاصمة اللبنانية بيروت استخدام مدارج المطار الثلاثة الواقعة في أقصى الغرب، والتي تعانق البحر الأبيض المتوسط، لإنها الأبعد عن الضاحية الجنوبية، التي تتعرض بشكل دوري إلى قصف إسرائيلي يستهدف منشآت أو قياديين لحزب الله.
وقال طيار مخضرم في شركة طيران الشرق الأوسط، شركة الطيران الرئيسية في لبنان، والوحيدة التي تواصل الطيران إلى المطار: "عندما أهبط، يجب أن أركز على المدرج.. لكن الأمر صعب مع الضربات التي تحدث من حولك خلال الهبوط".
وتجنبت إسرائيل توجيه ضربات مباشرة إلى المطار الدولي الوحيد للبنان، ولا تزال الطائرات تحلق، ولكن في ظل ظروف مروعة.
أهمية المطار لا تقتصر على السفر فقط
ومطار بيروت ليس مهمًا فقط للسفر المدني، بل في زمن الحرب، يسمح بتدفق شحنات المساعدات، وتناوب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وعمليات الإجلاء التي تنظمها السفارات الأجنبية، كما يساعد في دعم الاقتصاد الوطني الذي انهار إلى حد كبير نتيجة لعقود من الحرب والخلل السياسي.
يوجد في لبنان مهابط طائرات ومطارات عسكرية، لكن بيروت هي موطن المطار المناسب الوحيد في البلاد، ويعد هذا الاعتماد أحد أكبر نقاط الضعف في لبنان خلال الحرب، كما أن خطر إغلاق المطار يشكل مصدر قلق أمني كبير.
وقد توقفت آخر شركات الطيران الدولية عن العمل نهاية الصيف، كما تزايدت المخاوف من احتمال استهداف المطار في شهر سبتمبر الماضي، بعد أن قال متحدث عسكري إسرائيلي إنه لن يُسمح لرحلات العدو المحملة بمعدات قتالية بالهبوط.
وفي اليوم التالي، سعت طائرة شحن إيرانية، كانت قد فرضت عليها عقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية لنقل أسلحة إلى سوريا نيابة عن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، إلى الهبوط. وقال وزير النقل اللبناني علي حمية إن طيارا عسكريا إسرائيليا وجه تهديدا لبرج المراقبة في بيروت: إذا هبطت الطائرة فسيتم التعامل معها بالقوة.
وقال للصحيفة إن حمية رفض السماح للطائرة بالهبوط لمنع حدوث أضرار في المطار. وقد استدارت الطائرة فوق العراق على بعد نحو 150 ميلاً من الأجواء اللبنانية.
وتقول سلطات الطيران اللبنانية إن لديها ضمانات محدودة من الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية التي على اتصال بإسرائيل بأن الرحلات الجوية يمكن أن تستمر في العمل بأمان من وإلى بيروت.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر الشهر الماضي إن إدارة بايدن أبلغت إسرائيل أنها تريد أن يظل مطار بيروت والطرق المؤدية إليه مفتوحة حتى يتمكن المواطنون الأميركيون وغيرهم من الأجانب الذين يريدون مغادرة لبنان من القيام بذلك. ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق لـ"وول ستريت جورنال" على مسألة إبقاء المطار مفتوحا.
وتاريخياً، كان لحزب الله حضور قوي في الأحياء المحيطة بالمطار، التي أصبحت الآن خالية في معظمها من السكان، كما سبق أن نفى استخدامه في تخزين الأسلحة.
وفي العام الماضي، نقلت شركة طيران الشرق الأوسط معظم طائراتها البالغ عددها 22 طائرة إلى خارج لبنان بسبب ارتفاع تكاليف التأمين وتجنب فقدانها إذا تعرض المطار للقصف، فهي تحتفظ بعدد قليل من الطائرات في بيروت طوال الليل لتأمين الرحلات الجوية الصباحية في الوجهات الأوروبية.
المطار الرابط الوحيد بين لبنان والعالم الخارجي
وقال النقيب محمد عزيز، مستشار الأمن والسلامة لرئيس مجلس إدارة شركة الطيران: "هذا هو الرابط الوحيد الآن بين لبنان والعالم الخارجي".
وفي المقابل، انتشرت على صفحات وحسابات لبنانية بمواقع التواصل منشورات تشكو من تكلفة التذاكر، وتقول شركة الطيران بأنها تفرض أسعارًا على الركاب في أعلى شريحة ممكنة لمعظم المقاعد في رحلات المغادرة، لكنها تعاني حيث تعود الطائرات إلى بيروت فارغة في الغالب.
طيران الشرق الأوسط ليست غريبة على الصراعات، فسبق أن توقفت العمليات خلال حرب عام 1967، لكنها كانت تحلق وتقلع خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا في لبنان، عندما تم إغلاق مطار بيروت بشكل متكرر وتعرض للقصف الإسرائيلي، بالإضافة إلى تفجير انتحاري عام 1983 نفذته ميليشيا شيعية ضد القوات الأميركية قربه وقتها. ولدى عزيز ورئيس مجلس إدارة شركة الطيران محمد الحوت أبناء طيارون يسافرون حاليًا من وإلى بيروت.
وعلى الرغم من عدم استهداف المطار، إلا أن الانفجارات تحدث بانتظام في مكان قريب، وهذا حدث يوم الجمعة الأخير من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، حين قتلت غارة جوية إسرائيلية ضخمة زعيم حزب الله حسن نصر الله في مخبأ على بعد ميل واحد فقط، وكان عامل المطار الذي وصل للتو للعمل في نوبته الليلية يسير عبر ساحة انتظار السيارات تحت الأرض واحتمى لعدة دقائق بجوار هيكل خرساني. وقال إن الأرض اهتزت بشدة لدرجة أنه اعتقد أن مدارج الطائرات كانت مستهدفة.
وكانت طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط متجهة إلى القاهرة قبل دقائق من ذلك. وكان من المقرر أن تغادر رحلة أخرى متجهة إلى كوبنهاجن في الوقت المحدد تقريبًا للهجوم، وفقًا لبيانات الرحلة. غادرت بعد حوالي 15 دقيقة.
قبل أيام قليلة، حذرت مراقبة الحركة الجوية في بيروت رحلة ركاب تجارية مغادرة من أن هناك نحو عشرين طائرة حربية إسرائيلية تشن غارات في المنطقة، حسبما قال طيار الطائرة، وخرجت تلك الرحلة من الأجواء اللبنانية دون وقوع أي حادث.
وحتى القيادة إلى المطار عبر أحد الطريقين المتوازيين اللذين يمران عبر الأحياء التي تعرضت للقصف بشكل متكرر يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر.
وقال الطيار الذي تحدث عن الهبوط وسط الغارات الجوية: "نعلم جميعًا أنه في الوقت الحالي لم يتم استهداف المطار، لكن ما نخشاه هو الرحلة من وإلى المطار".
وصرح الحوت، رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط، بأن الشركة تقوم باستمرار بتقييم مخاطر التشغيل وستتوقف إذا رأت أن سلامة الموظفين والركاب في خطر.
وأضاف في مقابلة تلفزيونية أجريت مؤخرا: "ما يحدث بالقرب من المطار يمثل مشكلة كبيرة". "لكن يمكننا العمل معها".
]]>