بعد اغتيال ضابط رفيع المستوى.. أوكرانيا تنقل المعركة ضد روسيا إلى قلب موسكو

"أنت لست آمنا في وطن".. كانت تلك الرسالة التي أوصلتها أوكرانيا إلى كبار المسؤولين الروس بعد اغتيال ضابط كبير في الجيش بأحد الشوارع السكنية بقلب العاصمة موسكو، وكسرت كييف بهذه العملية وهم أن الأمن موجود لو كنت بعيدا بآلاف الأميال عن جبهات القتال.

وقالت "وول ستريت جورنال" إن الهجوم على الفريق إيغور كيريلوف جزء من حملة متصاعدة قامت بها أجهزة الأمن والمخابرات الأوكرانية للقضاء على شخصيات لها دور بارز في المجهود الحربي الروسي، وهدفها هو نقل القتال إلى روسيا، مما يرفع التكاليف المباشرة للحرب بالنسبة لقادة موسكو.

التعلم من طريقة "الموساد"

وبشكل متزايد، تم التركيز على مسؤولين عسكريين مهمين، مثل ضابط بحري كبير وعالم صواريخ، إلى جانب الضربات بعيدة المدى على منشآت مثل قواعد القاذفات الاستراتيجية، فهي جزء من حملة لاستخدام تدابير غير متماثلة لتعطيل آلة الحرب الروسية وإحباطها.

ويقول مسؤولون أمنيون أوكرانيون إن جهاز الأمن الأوكراني، يصمم نفسه على غرار الموساد الإسرائيلي، المشهور بملاحقته المتواصلة للأعداء في الخارج.

وقال مسؤول في جهاز الأمن الأوكراني: "مثل هذه النهاية المشينة تنتظر كل من يقتل الأوكرانيين.. والانتقام من جرائم الحرب أمر لا مفر منه".

وأكد جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يوم الأربعاء أنه اعتقل مواطنًا أوزبكستانيًا يبلغ من العمر 29 عامًا يُزعم أن أوكرانيا جندته لزرع القنبلة، وقالت الوكالة إنه حصل على وعود بمبلغ 100 ألف دولار وحياة جديدة في إحدى دول الاتحاد الأوروبي.

العملية الأكثر جراءة

كان اغتيال كيريلوف هو الإجراء الأكثر جراءة الآن في الحملة الأوكرانية، وجزءاً من محاولة لجلب الحرب إلى موسكو، ورفع تكلفة الصراع الذي اعتقد الكرملين في البداية أنه قادر على إنهائه في غضون أيام، وسعت أوكرانيا، التي تفوق عليها الغازي الروسي العملاق في القوة البشرية والمعدات، إلى ضرب عمق روسيا باستخدام طائرات بدون طيار بعيدة المدى وصواريخ قدمتها الولايات المتحدة وعمليات سرية.

وقال أندريوس تورسا، مستشار أوروبا الوسطى والشرقية في شركة تينيو الاستشارية: "لقد بعثت كييف برسالة مفادها أنه حتى كبار المسؤولين المسؤولين عن المجهود الحربي والجرائم الروسية لا يمكنهم أن يشعروا بالأمان، حتى في موسكو".

ومع ذلك، يقول المراقبون إن حملة كييف من غير المرجح أن تغير بشكل جذري الحسابات العسكرية والسياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يرى أن الحرب مسألة إرث شخصي وصراع وجودي ضد الغرب.

اغتيال تاتارسكي

وسبق أن استهدفت إحدى العمليات الأولى والأعلى شهرة للأوكرانيين، مدون الحرب الروسي فلادلين تاتارسكي في الربيع الماضي، في إحدى المناسبات التي كان يستضيفها في مقهى سانت بطرسبرغ ذات مساء، سلمت امرأة شابة شقراء صندوقًا صغيرًا لكن ثقيلًا إلى تاتارسكي، واسمه الحقيقي مكسيم فومين.

حينها فتح تاتارسكي الصندوق وسحب منه تمثالاً نصفياً برونزياً لنفسه، وعلق: "رائع.. يا له من رجل وسيم"، ثم بعد ثوانٍ، عندما أعاد تاتارسكي التمثال النصفي إلى الصندوق، انفجر ما أدى إلى مقتله وترك المقهى حطامًا مشوهًا.

وسرعان ما حددت أجهزة الأمن الروسية أن المرأة الشقراء هي داريا تريبوفا، وهي معارضة روسية تدعو للسلام، ولقد دخلت إلى الدوائر الروسية المؤيدة للحرب كناشطة تُعرف باسم ناستيا، وقالت لاحقًا في المحكمة إن أحد معارفها في كييف كلفها بتسليم تمثال نصفي تعتقد أنه يحتوي على جهاز تنصت لتاتارسكي.

أصر أحد الأشخاص المطلعين على العملية قائلاً: "لقد كان يحتوي على ميكروفون بالداخل.. هكذا عرف العميل متى يفجره".

وبعد مقتل تاتارسكي في الثاني من أبريل العام 2023، أظهر جهاز الأمن الأوكراني قسوة ومهارة في فنون الاغتيالات على أراضي العدو، الأمر الذي أذهل روسيا وحتى داعمي أوكرانيا الغربيين.

ومنذ ذلك الحين، نفذ جهاز الأمن الأوكراني ووكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، سلسلة عمليات اغتيال في روسيا، ركزت بشكل متزايد على أهداف عسكرية رفيعة المستوى. 

عمليات خاصة في الأراضي الأوكرانية المحتلة

جهاز الأمن الأوكراني، انبث من سلفه السوفيتي "كي جي بي"، وتحول من استهداف المعارضين في التسعينات، إلى جهاز استخباراتي يعمل بنشاط ضد روسيا منذ أن غزت شبه جزيرة القرم واستولت عليها في عام 2014.

ونفذ عملاء الجهاز عدة هجمات جريئة في شرق أوكرانيا المحتل، وفجروا القادة المحليين الذين عينتهم موسك، حيث قُتل أحدهم في مقهى، وآخر في مصعد المبنى الذي يسكن فيه.

وفي المناطق المحتلة من الشرق والجنوب، تستطيع أوكرانيا الاعتماد على شبكات كبيرة من الراغبين في استهداف المتعاونين مع روسيا والضباط العسكريين عبر "عمليات تفجير السيارات المفخخة".

وفي نوفمبر الماضي، قتل جهاز الأمن الأوكراني النقيب الروسي فاليري ترانكوفسكي، وهو قائد بحري، في تفجير سيارة مفخخة في سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، وفقاً لمسؤولين في الجهاز، كما قُتل الرئيس السابق لمعسكر الاعتقال الروسي في أوكرانيا المحتلة في تفجير سيارة مفخخة في وقت سابق من هذا الشهر، وقالت كييف إن المعسكر، الذي كان مسؤولا عنه، شهد العشرات من حالات قتل أسرى الحرب وتعذيبهم.

كيف تنفذ أوكرانيا عملياتها داهل روسيا؟

تعتمد العمليات في روسيا إلى حد كبير على استئجار الأسلحة، وفقًا لتصريح مسؤولي الأمن الأوكرانيين لـ"وول ستريت جورنال".

وقال أحد الأشخاص المشاركين في مثل هذه العمليات إن المتعاملين الأوكرانيين يستخدمون تطبيق "تيلغرام" أو "دارك ووب" للعثور على قاتل مأجور، عادة ما يكون من عالم الجريمة، وغالبًا ما يكون ذلك مقابل المال أو باستخدام التهديدات.

وقال أحد المسؤولين الأوكران للجريدة الأميركية، "في كثير من الأحيان لا يعرف المنفذون بالضبط ما يفعلونه"، حيث قد يكون العديد منهم متورطين في عملية واحدة بمهام مختلفة.

وشملت الأهداف دعاة الحرب والمسؤولين الأوكرانيين السابقين الذين غيروا ولائهم وأيضا ضباط الجيش.

وفي إحدى العمليات الأخيرة في 12 ديسمبر، اُغتيل عالم الصواريخ الروسي الكبير، ميخائيل شاتسكي، بالرصاص في غابة قرب موسكو، وفقاً لمصادر أمنية أوكرانية.

وفي بعض الأحيان، ينتهي الأمر بجهاز الأمن والاستخبارات الأوكرانية إلى تتبع نفس الهدف، وفقًا لمسؤول أوكراني، الذي قال "هناك منافسة صحية حول من يمكنه إكمال المهمة أولاً".

وفي أواخر العام الماضي، طاردت فرق من الجهتين إيليا كيفا، النائب الأوكراني السابق الذي فر إلى روسيا وأُدين بالخيانة، وقال الشخص إنه بعد مقتل كيفا بالرصاص خارج موسكو في ديسمبر، لم تتمكن الوكالات على الفور من تحديد الفريق الذي نفذ الهجوم، لكن بعد ذلك أرسل القاتل دليلاً على تنفيذ حكم الإعدام، بما في ذلك صورة لكيفا وهو يرقد بلا حراك في الثلج. 

وعلى عكس كييف، لم تكن روسيا قادرة على شن حملة مماثلة من الاغتيالات المستهدفة داخل أوكرانيا منذ الغزو، وهذا يشير إلى أنه، على النقيض من فترة ما قبل الغزو عندما تعرضت أجهزتها الأمنية للاستهداف من قبل الجواسيس الروس، فإن أوكرانيا تمتلك الآن قدرات استخباراتية وعملياتية متفوقة داخل روسيا.

ومع ذلك، قال جهاز الأمن الأوكراني في مايو إنه أحبط مؤامرة روسية لاغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالإضافة إلى رئيسي جهاز الأمن الأوكراني ومجلس حقوق الإنسان. وتمتلك موسكو تاريخا طويلا في عمليات استهداف المعارضين في الخارج.

وفي وقت سابق من هذا العام، اغتيل في إسبانيا طيار المروحية الروسية ماكسيم كوزمينوف، الذي انشق إلى أوكرانيا للحصول على مكافأة قدرها 500 ألف دولار وشجع الآخرين علناً على القيام بالمثل، زذكرت جريدة "وول ستريت جورنال" أن إسبانيا لم تحدد هوية المشتبه به، على الرغم من أن المحققين يعتقدون أن الكرملين أمر بالقتل.

وجاء مقتله في أعقاب سلسلة من الوفيات الغامضة الأخرى لشخصيات روسية بارزة، حيث أصبح جهاز المخابرات الروسي أكثر عدوانية في إسكات المعارضين في الخارج، مما أدى إلى عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين وكالات التجسس المختلفة واستخدام الرعايا الأجانب لتنفيذ العمليات. 

كما صعّدت موسكو حملة التخريب والحيل العنيفة في كثير من الأحيان في أوروبا، بما في ذلك الهجوم المتعمد على عقار مملوك لأوكرانيا في لندن وتعطيل البنية التحتية الحيوية مثل كابلات البيانات وخطوط الأنابيب.

]]>

Previous
Previous

صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي: قلقون من الحشود العسكرية التركية في كوباني

Next
Next

مؤرخ أميركي: من الرائع سقوط نظام الأسد الوحشي.. لكن ماذا بعد؟