"وول ستريت جورنال": الضربات الأميركية عطلت برنامج إيران النووي "بضعة أشهر"
قالت جريدة "وول ستريت جورنال" الأميركية، نقلا عن تقارير استخباراتية أولية، إن الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة مطلع عام 2024 ضد مواقع مرتبطة بإيران في كل من سوريا والعراق، أسفرت عن تأخير محدود للبرنامج النووي الإيراني يُقدّر ببضعة أشهر فقط.
هذا الكشف يأتي وسط تصاعد التوترات الإقليمية، ومحاولات أميركية مستمرة لاحتواء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، لا سيما بعد الهجمات التي استهدفت قوات أميركية وقواعد في العراق وسوريا، والتي اتُّهمت بها فصائل موالية لطهران.
تفاصيل العمليات وتداعياتها
جاءت هذه الضربات كجزء من حملة موسعة تقودها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ضد "أذرع إيران العسكرية" في المنطقة، وكان أحد أهدافها تقليص قدرة طهران على دعم الحركات المسلحة مثل "حزب الله"، و"كتائب حزب الله العراقي"، و"الحرس الثوري الإيراني" في مناطق الصراع المختلفة.
إلا أن المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها "وول ستريت جورنال" تُظهر أن التأثير المباشر على القدرات النووية الإيرانية كان محدودًا من حيث الزمان والمجال، إذ لم تُستهدف منشآت نووية رئيسية مثل "نطنز" أو "فوردو"، بل منشآت لوجستية ومراكز تستخدم لنقل أو تخزين معدات يُحتمل أن تستخدم في تطوير البرنامج.
ردود الفعل الإيرانية والإقليمية
في المقابل، لم تُبدِ إيران علنًا أن برنامجها النووي قد تضرر. بل إن مسؤولين إيرانيين وصفوا هذه العمليات بأنها "عدوانية وعديمة الجدوى"، معتبرين أن القدرات الإيرانية لن تتأثر بهذه "الاستفزازات".
أما على الصعيد الإقليمي، فقد أثارت الضربات الأميركية قلقًا في دول الخليج، خصوصًا فيما يتعلق باحتمال تصاعد المواجهة العسكرية المباشرة بين واشنطن وطهران، وانعكاسات ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل استمرار الحرب في غزة والتوتر في مضيق هرمز.
البرنامج النووي الإيراني: ما مدى التقدم؟
وفقًا لعدة تقارير دولية، من بينها ما نشرته وكالة الطاقة الذرية في الأشهر الأخيرة، فإن إيران تمكنت من تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهو مستوى يقرّبها بشكل كبير من القدرة على إنتاج سلاح نووي، مع أن طهران تصرّ على أن برنامجها سلمي بحت.
وتشير التقديرات إلى أن إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لإنتاج قنبلة نووية واحدة على الأقل خلال فترة تتراوح بين 6 إلى 12 شهرًا، في حال اتخاذ القرار السياسي بذلك.
ولم تُظهر حتى الآن الدبلوماسية الغربية بقيادة الولايات المتحدة أي اختراق يُذكر في إعادة إيران إلى الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015، ثم انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018.
محللون: الضربات "رسالة تحذير" أكثر من كونها "تكتيكًا عسكريًا"
يرى محللون في الشأن الأمني أن هذه الضربات الأميركية كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى إرسال رسالة ردع، أكثر من كونها سعيًا فعليًا لإيقاف المشروع النووي الإيراني.
فالمسؤولون الأميركيون يدركون أن ضربة عسكرية مباشرة للمنشآت النووية الإيرانية ستكون لها تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها، وقد تدفع طهران إلى الانسحاب الكامل من التزاماتها الدولية، وربما التسريع في التوجه نحو التسلّح النووي.
واشنطن وطهران... لعبة عضّ الأصابع مستمرة
مع اقتراب الانتخابات الأميركية في نوفمبر 2024، تبدو الإدارة الأميركية حريصة على تجنب حرب مفتوحة مع إيران، لكنها في الوقت ذاته لا تريد أن تظهر بمظهر الضعيف، خصوصًا أمام حلفائها في المنطقة مثل إسرائيل والسعودية والإمارات.
وفي ظل غياب قنوات تواصل مباشرة فعّالة، تبقى الساحة مفتوحة أمام مزيد من التوتر، حيث تستمر الولايات المتحدة في الضغط الاقتصادي والعسكري المحدود، بينما تراهن إيران على "طول النفس" والرهان على تغيّر في السياسة الأميركية مستقبلًا.
خاتمة: التأخير لا يعني الإيقاف
من الواضح أن الضربات الأميركية الأخيرة لم تكن سوى تأجيل جزئي لبرنامج يزداد تعقيدًا وتجذرًا في الداخل الإيراني. وحتى مع فرضيات استمرار الضغط العسكري، فإن القدرة التقنية والمعرفية التي راكمتها طهران تجعل من الصعب إيقاف هذا البرنامج بشكل نهائي دون حل سياسي شامل.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح واشنطن في استخدام "الضغوط المحدودة" كورقة تفاوض فعّالة، أم أن الطريق مفتوح أمام مواجهة أوسع في قادم الأشهر؟