لماذا غابت الفصائل العراقية الموالية لإيران عن الحرب ضد إسرائيل؟

مع احتدام الحرب الإقليمية الأخيرة، التي بدأت بضربات إسرائيلية مكثفة على إيران، واشتدت بدخول الولايات المتحدة وقصفها المنشآت النووية المحصنة في الجبال، كانت نظرات الجميع موجهة على وكلاء طهران في المنطقة، وما الدور الذي سيلعبونه.

وفي الوقت الذي خرج فيه حزب الله من المعادلة بعد ضربات ضخمة خلال الشهور الماضية، وحماس مازالت تحاول البقاء في قطاع غزة، والحوثيين يواصلون إطلاق صاروخ بين الحين والآخر، غابت الفصائل المسلحة العراقية الموالية لطهران عن المشهد، على الرغم من أنها من بين باقي تلك الجهات لم تتعرض لأي ضربات "تتعزر بها عن المشاركة إلى جانب إيران".

ولطالما كانت الفصائل المسلحة العراقية، مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء"، أدوات رئيسية في الرد الإيراني غير المباشر على التحركات الأميركية. أبرز هذه المحطات كان في عام 2020، حينما شنّت الميليشيات هجمات مكثفة على القواعد الأميركية في العراق عقب اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

غير أن المشهد في عام 2025 يبدو مختلفًا تمامًا، على الرغم من الضربات الأميركية المؤلمة على البنية النووية الإيرانية، لم تُسجَّل حتى اللحظة أي عملية بارزة تبنتها هذه الفصائل أو صدرت عنها تهديدات تقليدية. فما الذي تغيّر؟

تفكك القبضة الإيرانية على الميليشيات

وفق محللين ومصادر استخباراتية تحدثوا لصحيفة واشنطن بوست، فإن أحد أبرز العوامل خلف هذا التغير هو تراجع السيطرة المركزية الإيرانية على الميليشيات العراقية بعد اغتيال سليماني، الذي كان يتمتع بسلطة شبه مطلقة على الحشد الشعبي.

المؤسسات الإيرانية التي كانت تنسق مع هذه الميليشيات – وتحديدًا فيلق القدس التابع للحرس الثوري – باتت تواجه صعوبات في فرض قرارات موحدة عليها، لا سيما أن كثيرًا من قادة الميدان العراقيين اليوم يتحركون بناءً على مصالح محلية أو تحالفات داخلية.

من الميدان إلى السياسة والاقتصاد

تحولت العديد من الفصائل المسلحة إلى كيانات شبه رسمية داخل الدولة العراقية. لم تعد هذه القوى مجرد مجموعات مقاتلة، بل أصبحت تشارك في الحياة السياسية من خلال كتل برلمانية، وتحصل على عقود حكومية ضخمة في مجالات الإعمار، والطاقة، والخدمات.

هذا التداخل العميق في المشهد الاقتصادي والسياسي يدفع هذه الجماعات إلى تبني سلوك أكثر براغماتية؛ حيث إن التصعيد العسكري مع الولايات المتحدة قد يؤدي إلى فقدان الامتيازات التي راكمتها خلال السنوات الماضية.

وفي هذا السياق، يقول أحد مستشاري الأمن الوطني العراقي السابقين: "المال هو ما يضمن اليوم بقاء هذه الجماعات، وليس الأيديولوجيا فقط. الرد على أميركا قد يكلّفهم عقودًا بملايين الدولارات."

إيران تريد الاحتفاظ بنفوذ في العراق

من وجهة نظر طهران، فإنها تريد أن تحافظ على موطئ قدم في العراق يخدم مصالحها الإستراتيجية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بعد العقوبات الأميركية والانهيار الجزئي في سوق الطاقة.

الاضطرابات داخل العراق تعني احتمال خسارة خط عبور السلاح، والتمويل، والتأثير السياسي الذي تبنيه إيران منذ عام 2003. من هنا، فإن تجنب التصعيد في الساحة العراقية بات خيارًا مفضلًا لدى صناع القرار في طهران، حتى لو كان ذلك على حساب الهيبة المعهودة لوكلائها.

تصعيد محسوب: رسائل دون خسائر

رغم الغارات الأميركية، اكتفت إيران – حتى الآن – بردود رمزية، مثل إطلاق صواريخ على قاعدة العُديد الجوية في قطر، في عملية وُصفت بأنها "مدروسة وغير قاتلة"، حيث تم إبلاغ الجانب القطري مسبقًا، ولم تسفر عن إصابات أو أضرار.

هذا النهج يُعرف في الأوساط الاستخباراتية بـ"التصعيد المحسوب"، ويهدف إلى حفظ ماء الوجه دون دفع المنطقة نحو مواجهة شاملة، خاصة في ظل تحذيرات غربية من أن إيران قد تلجأ لاحقًا إلى هجمات سيبرانية أو عمليات اغتيال سرية كنوع من الانتقام البطيء.

هل انتهى زمن "الردع بالوكالة"؟

السؤال المطروح اليوم: هل تخلت إيران عن استخدام ميليشياتها في العراق كأدوات انتقام وتهديد؟ الجواب معقد.

من جهة، ما زالت هذه الفصائل تشكل قوة ضغط عسكرية حقيقية. ومن جهة أخرى، فإن الحسابات تغيرت؛ حيث أصبح الصراع يدور داخل معادلة جديدة: الربح السياسي مقابل الخسارة العسكرية.

ويبدو أن بعض قادة هذه الميليشيات باتوا يفضلون أن يكونوا رجال أعمال وسياسيين بدلًا من أن يعودوا إلى زمن الاستهداف والاغتيال، خاصة بعد تزايد الضغط الشعبي ضد السلاح غير الشرعي داخل العراق.

تأثير الصمت على الجبهة الإقليمية

صمت الميليشيات العراقية ألقى بظلاله على جبهات أخرى، مثل سوريا ولبنان، حيث بات يُلاحظ أن حزب الله أيضًا لم يندفع في الرد، مكتفيًا بتصريحات سياسية، وهو ما يدل على تنسيق عام داخل محور "الممانعة" لتجنّب أي اشتباك موسّع في ظل الظروف الدولية الحالية.

الخلاصة

يمكن القول إن الصمت العراقي ليس دليل ضعف، بل تعبير عن تحول عميق في موازين القوى والنوايا الإقليمية. إيران لم تعد قادرة على التحكم المطلق في وكلائها، وهؤلاء بدورهم لم يعودوا مجرد أدوات بل لاعبين مستقلين لهم مصالحهم وأجنداتهم.

أما الولايات المتحدة، فهي تراقب هذا التحول باهتمام، مدركة أن الرد الحقيقي قد لا يأتي على شكل صواريخ، بل في ساحات أخرى، عبر أدوات أكثر دهاءً وخطورة.

Next
Next

زوجة إدوارد تعلق على دور بوشكاش في مسلسل "إش إش"