تقرير برلماني بريطاني: سوريا تمر بانتقال سياسي هش وسط تحديات أمنية معقدة

كشف تقرير صادر عن مكتبة مجلس العموم البريطاني عن صورة معقدة للوضع السوري بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد، مشيرًا إلى أن البلاد تمر بمرحلة انتقال سياسي “هشة” تتداخل فيها التحديات الأمنية مع الإشكالات السياسية والدستورية، ما يجعل مسار الاستقرار لا يزال غير مضمون.

التقرير، الذي حمل رقم CBP-10430، قدّم تقييمًا شاملًا لمسار المرحلة الانتقالية في سوريا، موضحًا أن نهاية الحكم السابق لم تؤدِ تلقائيًا إلى قيام دولة مستقرة أو سلطة مركزية موحدة، بل فتحت الباب أمام واقع جديد تتقاطع فيه طموحات التغيير مع إرث طويل من الانقسام والصراع.

وبحسب التقرير البرلماني البريطاني، جرى الإعلان عن حكومة انتقالية وإطار دستوري مؤقت يهدف إلى تنظيم المرحلة المقبلة، إلى جانب تشكيل مؤسسات سياسية انتقالية، من بينها برلمان مؤقت. غير أن هذه الخطوات، على أهميتها الرمزية والسياسية، لا تزال تعاني من محدودية التمثيل وضعف التوافق الوطني، ما يثير تساؤلات حول شرعيتها وقدرتها على قيادة عملية تحول شاملة.

وأشار التقرير إلى أن أحد أبرز التحديات يتمثل في المشهد الأمني المعقد، حيث لا تزال السيطرة على الأرض موزعة بين أطراف متعددة، تشمل قوات الحكومة الانتقالية، وفصائل مسلحة محلية، وقوات كردية في شمال-شرق البلاد، إلى جانب وجود قوى مدعومة من أطراف إقليمية. هذا التعدد في مراكز القوة، وفق التقرير، يعوق بناء جهاز أمني وطني موحد، ويجعل فرض الاستقرار مهمة شديدة الصعوبة.

وسلّط التقرير الضوء على العلاقة المتوترة بين السلطات الانتقالية والقوى الكردية، التي تطالب بضمانات سياسية وإدارية تتعلق بمستقبل الحكم المحلي ودمج قواتها ضمن مؤسسة عسكرية وطنية. ويرى معدّو التقرير أن هذه الخلافات تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة القيادة الانتقالية على إدارة التنوع السياسي والعرقي، وتفادي العودة إلى صراعات داخلية قد تهدد وحدة البلاد.

وفي الجانب السياسي، أوضح التقرير أن العملية الانتقالية لا تزال تفتقر إلى توافق وطني شامل، خصوصًا في ظل مخاوف لدى بعض المكونات السورية من الإقصاء أو التهميش. كما أشار إلى أن بناء الثقة بين السلطة الجديدة والمجتمع، الذي أنهكته سنوات الحرب والانتهاكات، يتطلب خطوات ملموسة في مجالات العدالة الانتقالية، والمساءلة، واحترام حقوق الإنسان.

ولفت التقرير البرلماني البريطاني إلى أن المجتمع الدولي، بما في ذلك المملكة المتحدة، يراقب التطورات في سوريا بحذر، مع تأكيد دعم أي مسار سياسي “تقوده سوريا نفسها” ويقوم على الشمول واحترام القانون الدولي. غير أن التقرير شدد في الوقت ذاته على أن الدعم الدولي يظل مشروطًا بقدرة السلطات الانتقالية على تحقيق تقدم حقيقي في الإصلاحات السياسية والأمنية، وليس الاكتفاء بإجراءات شكلية.

اقتصاديًا وإنسانيًا، أشار التقرير إلى أن سوريا تواجه تحديات لا تقل خطورة عن الملفين السياسي والأمني، إذ تعاني البلاد من بنية تحتية مدمرة، واقتصاد منهك، وأزمة إنسانية مستمرة. ويرى التقرير أن نجاح المرحلة الانتقالية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرة الحكومة الانتقالية على تحسين الأوضاع المعيشية، وتأمين الخدمات الأساسية، وخلق حد أدنى من الاستقرار الاقتصادي.

كما حذّر التقرير من أن طول أمد المرحلة الانتقالية دون تحقيق اختراقات ملموسة قد يؤدي إلى تصاعد الإحباط الشعبي، ويفتح المجال أمام عودة العنف أو بروز قوى متطرفة تستغل الفراغ السياسي والأمني. واعتبر أن عامل الوقت يشكل عنصر ضغط حاسم، ما يتطلب تسريع وتيرة الإصلاحات، مع الحفاظ على التوازن بين الاستقرار ومتطلبات التحول الديمقراطي.

وخلص تقرير مكتبة مجلس العموم البريطاني إلى أن سوريا تقف اليوم عند مفترق طرق، حيث تمثل المرحلة الانتقالية فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة، لكنها في الوقت نفسه محفوفة بالمخاطر في ظل الانقسامات الداخلية والتحديات الأمنية المعقدة. وأكد أن نجاح هذا المسار يتوقف على قدرة السوريين، بدعم دولي متوازن، على تحويل التغيير السياسي إلى عملية شاملة ومستدامة، تتجاوز مجرد إسقاط النظام السابق نحو بناء دولة جامعة وقادرة على البقاء.

Previous
Previous

أكثر من 1000 شيكل للقبر الواحد.. تحقيق خاص لـ”جسور نيوز” يكشف واقع بيع القبور في غزة

Next
Next

"فورين بوليسي": "نزع سلاح حماس" العقدة الأكبر في خطة ترامب للسلام