بعد هدوء مؤقت.. تحذير من تحضير الحوثيين لهجمات جديدة على السفن

في وقت يسوده القلق في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تصدر تحذيرات جديدة من احتمالية استئناف جماعة الحوثيين هجماتها على السفن التجارية، بعد فترة هدوء مؤقت. التحذير جاء من تقرير نشرته منصة Maritime Fairtrade، التي رصدت مؤشرات مقلقة على عودة النشاط العسكري البحري للحوثيين واستعدادهم لجولة جديدة من الهجمات.

وكانت الجماعة قد أعلنت في 19 يناير 2025 “وقفًا مشروطًا” للهجمات على السفن الأميركية والبريطانية، ربطته بكفّ العمليات العسكرية في قطاع غزة. هذا الإعلان أدى إلى انخفاض مستوى المخاطر بشكل واضح، ما ساهم في تراجع أقساط التأمين على السفن العابرة للبحر الأحمر، وسمح بعودة محدودة لبعض الشحنات — خصوصًا ناقلات الغاز الطبيعي المسال. إلا أن شركات شحن عدة ظلت مترددة في استئناف مسارها عبر البحر الأحمر بالكامل، إدراكًا منها أن الهدنة قد تكون «مرحلة مؤقتة» وليست تحولًا دائمًا.

ورغم الهدوء النسبي، يشير تقرير Maritime Fairtrade إلى أن الجماعة استغلت فترة التوقف لإعادة بناء مخزونها من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، في خطوة يفهم منها أنها تستعد لاحتمال التصعيد. كما رصدت عمليات ضبط دولية لشحنات تحتوي على مكونات صواريخ وطائرات بدون طيار كانت في طريقها إلى الحوثيين، ما دفع واشنطن لفرض عقوبات جديدة تستهدف قيادات في الجماعة.

وتوضح المنصّة أن جزءًا من خطورة المشهد يعود إلى استعانة الحوثيين بتقنيات خارجية متطورة — وهو ما يعزز قدرتهم على استهداف السفن في نطاقات أوسع وعلى ارتفاعات أعلى، باستخدام صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة بعيدة المدى.

هذا التطور لا يهدد فقط السفن التجارية، بل يعيد ترتيب حسابات شركات الملاحة العالمية. ففي حال عودة الهجمات، قد تلجأ العديد من شركات النقل البحري إلى اتخاذ الطريق البديل عبر رأس الرجاء الصالح، ما يزيد زمن الرحلة بمعدل 10 إلى 14 يومًا ويرفع التكلفة التشغيلية بنسبة تتراوح بين 30% و40%.

ويرى محللون دوليون، استنادًا إلى التقييمات التي نقلتها Maritime Fairtrade، أن الاستقرار الهش في البحر الأحمر يتأثر بشكل مباشر بالتصعيد الإقليمي في غزة. كلما تعقدت الأوضاع السياسية هناك، زاد احتمال استخدام الحوثيين جبهة البحر الأحمر كورقة ضغط إقليمية ذات تأثير عالمي.

اقتصاديًا، حذرت شركات التأمين البحري من أن أي هجوم جديد — حتى لو كان محدودًا — سيؤدي إلى قفزة كبيرة في «أقساط المخاطر الحربية». ففي آخر موجة من الهجمات عام 2025، ارتفعت هذه الأقساط من 0.3% إلى 0.7% من قيمة جسم السفينة، وهي نسبة تضع ضغوطًا كبيرة على شركات الشحن الصغيرة والمتوسطة، وقد تدفع بعضها للتوقف عن العمل على هذا الخط نهائيًا.

ومن الجانب القانوني، وصفت منظمات دولية مثل «هيومن رايتس ووتش» الهجمات الحوثية السابقة على السفن بأنها قد ترقى إلى «جرائم حرب»، لأنها استهدفت سفنًا مدنية وأدت إلى سقوط قتلى ومصابين من طواقم بحرية لا علاقة لها بالنزاعات القائمة. هذه الاتهامات، وفق التقرير، تزيد من عزلة الحوثيين دوليًا وتُضعف قدرتهم على تبرير عملياتهم أمام الرأي العام العالمي.

كما أن التهديد الحوثي لا يطال الدول الكبرى فقط، بل يمتد ليؤثر على دول في آسيا وأفريقيا تعتمد بشكل أساسي على الملاحة عبر البحر الأحمر. أي اضطراب جديد قد يعرض إمدادات الغذاء والوقود والمواد الخام للتأخير، ما يضيف ضغوطًا اقتصادية على الدول النامية التي تعتمد على هذا الطريق الحيوي.

ويشير خبراء نقل بحري إلى أن خطورة المشهد تكمن في أن الحوثيين لديهم القدرة على استهداف السفن باستخدام أساليب غير تقليدية، مثل الزوارق المفخخة التي يصعب رصدها، والطائرات المسيّرة الانتحارية منخفضة الارتفاع، والصواريخ «الذكية» التي يمكن أن تتبع الأهداف بشكل آلي. هذه الأسلحة، بحسب تقييم Maritime Fairtrade، تجعل المنظومات الدفاعية للسفن أقل فاعلية من ذي قبل.

في ختام التقرير، تؤكد منصة Maritime Fairtrade أن الهدوء الراهن في البحر الأحمر قد يكون «هدوء ما قبل العاصفة»، وأن المؤشرات الحالية — من إعادة التموضع العسكري الحوثي، إلى استمرار التوتر الإقليمي، وتعثر الحلول الدبلوماسية — كلها عوامل تُرجّح عودة الهجمات خلال الفترة المقبلة. أمام هذا المشهد، يبرز تساؤل مهم: هل سيتحرك المجتمع الدولي لتأمين واحد من أهم الممرات البحرية في العالم، أم سيترك الملاحة تواجه مصيرها أمام تصاعد التهديدات؟

Next
Next

بميزانية "مليارية".. الإمارات تنقل الثورة الرقمية إلى أفريقيا