"مشروع القرن".. الأردن في قلب الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا
منذ الكشف عن مشروع الممر الاقتصادي الهندي–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC) في سبتمبر 2023، تتعامل الولايات المتحدة وشركاؤها بصفته أحد أهم المشاريع الجيو-اقتصادية التي تُعيد رسم مسارات التجارة العالمية. المشروع، الذي يجمع الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات، يهدف إلى خلق ممر تجاري يربط آسيا بأوروبا مرورا بالشرق الأوسط، ضمن رؤية واضحة لمنافسة المبادرات الصينية والروسية مثل “الحزام والطريق”.
رغم أن الأردن ليس دولة موقّعة رسميًا على الاتفاق، إلا أن أهميته تظهر بوضوح على الخرائط الأولية للممر: الأردن يشكّل نقطة الوصل البرّية الوحيدة بين الخليج والبحر المتوسط. هذا الموقع يمنح المملكة دورًا مفصليًا، ليس فقط باعتبارها دولة عبور، بل بوصفها شريكًا قادرًا على حصد مكاسب اقتصادية واستراتيجية ضخمة.
وتشير دراسة اقتصادية موسعة – أُجرِيَت باستخدام منهجيات مقارنة مع تجارب الصين وكازاخستان – إلى أن الممر الاقتصادي قادر على إنتاج عشرات الآلاف من الوظائف، وإحداث قفزة قد تصل إلى 5% من الناتج المحلي الأردني، إلى جانب ترسيخ مكانة الأردن كجسر اقتصادي بين القارات.
مشروع يعيد رسم خريطة التجارة… والأردن في القلب
يهدف المشروع إلى إنشاء بنية تحتية متكاملة تشمل خطوط سكة حديد، ومرافق لوجستية، وأنابيب طاقة، وكابلات بيانات، بما يسهّل حركة التجارة بين الهند وأوروبا خلال فترة زمنية أقصر بنسبة 40% من المسار التقليدي عبر قناة السويس.
ووفقًا لتحليلات منشورة في منصّة Jesse Marks، فإن المشروع جزء من استراتيجية أميركية لإعادة تعزيز النفوذ في الشرق الأوسط، ومنح المنطقة دورًا أكبر في سلاسل الإمداد العالمية. أما منصة MENA Unleashed فتشير إلى أن الاتحاد الأوروبي ضخّ بالفعل 3 مليارات دولار لتسريع ربط الممر بالأردن.
وسط هذه التحولات، تبدو المملكة الأردنية أمام فرصة اقتصادية نادرة. فرغم أن الجزء الذي سيمر داخل أراضيها لا يشكّل سوى بضعة مئات من الكيلومترات، فإن قيمة هذا الممر لا تُقاس بطول المسار، بل بقدرته على تحويل الأردن إلى محور رئيسي في حركة البضائع والطاقة والبيانات بين ثلاث قارات.
فوائد اقتصادية ضخمة: وظائف، إيرادات، ونمو اقتصادي
تُظهر الدراسة الاقتصادية أن الأردن مرشّح لحصد مكاسب مباشرة وغير مباشرة قد تصل إلى بين 23 و35 مليار دولار خلال 20 عامًا، ضمن سيناريوهين: واقعي ومتفائل.
المرحلة الأولى: سنوات البناء (1–2)
من المتوقع أن تُحدث أعمال البناء وحدها تأثيرًا اقتصاديًا فوريًا، على النحو التالي:
حوالي 40 ألف وظيفة جديدة في مجالات البناء والعمليات الهندسية والإدارية.
انخفاض متوقع للبطالة بنسبة 2.5–3%.
تأثير اقتصادي سنوي يراوح بين 890 و980 مليون دولار.
عائدات ضريبية تتراوح بين 117 و176 مليون دولار خلال العامين الأولين.
الوظائف وحدها ستشكّل نقطة تحوّل مهمة في سوق العمل الأردني، خاصة مع اكتساب العمالة المحلية خبرات تقنية وهندسية عالية القيمة.
المرحلة الثانية: بدء التشغيل (سنوات 3–5)
مع دخول الخط الخدمة في سنواته الأولى، يتوقع أن يحقق:
إيرادات مباشرة بين 75 و120 مليون دولار سنويًا.
وظائف دائمة بين 7,300 و10,500 وظيفة في التشغيل، والصيانة، والجمارك، والخدمات اللوجستية.
عوائد ضريبية سنوية بين 44 و69 مليون دولار.
فوائد تجارية غير مباشرة بين 100 و200 مليون دولار سنويًا.
المرحلة الثالثة: النمو والذروة (سنوات 6–20)
في مرحلة النضوج، يقدّر أن يصبح الممر الاقتصادي واحدًا من أهم المدخلات الاقتصادية في الأردن:
420 – 525 مليون دولار إيرادات مباشرة سنويًا.
تأثير اقتصادي إجمالي بين 1.6 و2.4 مليار دولار سنويًا (أي 3.4% – 5.1% من الناتج المحلي).
فوائد غير مباشرة بين 380 و850 مليون دولار سنويًا من التصدير والاستثمار والسياحة.
ومجمعًا خلال 20 سنة:
23.5 مليار دولار في السيناريو المحافظ.
34.8 مليار دولار في السيناريو المتفائل.
هذه الأرقام تجعل المشروع أحد أكبر الفرص الاقتصادية للأردن منذ إنشاء منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.
الأثر الجيوسياسي: تعزيز مكانة الأردن وموازنة القوى الإقليمية
لا يقتصر المشروع على الجانب الاقتصادي، بل يحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية مهمة:
تعزيز شراكات الأردن مع الولايات المتحدة والهند والسعودية والاتحاد الأوروبي.
تثبيت موقع المملكة كدولة عبور لا يمكن تجاوزها في سلاسل الإمداد العالمية.
تعميق الاستقرار الإقليمي عبر التعاون الاقتصادي بين دول كانت العلاقات بينها متوترة سابقًا.
دعم الدور الأردني في أمن الطاقة بفضل مرور خطوط الكهرباء والهيدروجين المقترحة عبر أراضيه.
وتشير مقالة Jesse Marks إلى أن الأردن يسعى منذ سنوات لتنويع اقتصاده دون المساس بتحالفه التقليدي مع الولايات المتحدة، ويأتي الممر كفرصة لتحقيق هذا التوازن بمرونة أكبر.
لماذا لم يتحرك الأردن رسميًا بعد؟
رغم وضوح المكاسب، يبقى الأردن حتى الآن خارج قائمة الدول الموقّعة على مذكرة التفاهم. ويرى خبراء – منهم محللو MENA Unleashed – أن سبب ذلك قد يعود إلى:
حساسية الممر من حيث ارتباطه بإسرائيل.
ومحدودية التمويل الداخلي للمشروعات الكبرى.
غياب المشروع عن النقاش العام والسياسي داخل الأردن.
لكن تأخر الانضمام لا يعني غياب التأثير: فالممر لا يمكن تنفيذه دون المرور بالأردن جغرافيًا.
توصيات لضمان استفادة الأردن
لتحويل الفرصة إلى مكسب عملي، تقترح الدراسة مجموعة خطوات على الأردن تنفيذها مبكرًا:
تعيين منسق وطني للمشروع داخل رئاسة الوزراء.
إطلاق حزمة إصلاحات تشريعية تتعلق بالاستثمار، والجمارك، والربط السككي.
تكثيف الحوار مع السعودية والهند والاتحاد الأوروبي بشأن التمويل والربط.
إدخال المشروع إلى النقاش العام عبر الإعلام والبرلمان.
الانضمام رسميًا إلى مذكرة تفاهم الخاصة بالممر عند فتح باب التوقيع.
تمويل دراسات جدوى وطنية حول المسارات، التكلفة، الفرص، والعائدات.
هذه الإجراءات ستساعد الأردن على الانتقال من “دولة ممر محتملة” إلى “شريك مؤسِّس” في أحد أهم المشاريع العالمية.
فرصة تاريخية
يمثل الممر الاقتصادي فرصة تاريخية للأردن، تجمع بين تطوير البنية التحتية، وتعزيز الاقتصاد، وتوسيع النفوذ الإقليمي، وتنويع الشراكات الدولية. فبفضل موقعه، يمكن للمملكة أن تتحول إلى محور اقتصادي في شبكة تمتد من الهند إلى أوروبا، وأن تجني فوائد قد تصل إلى 5% سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي.
المشروع ليس مجرد خط سكة حديد، بل رؤية لتغيير موقع الأردن من دولة متلقية للمساعدات إلى دولة منتجة للخدمات اللوجستية في قلب العالم.