- بعد انتهاء الحرب.. خامنئي يواجه أزمة داخلية

رغم الإعلان الرسمي عن "نصر استراتيجي" بعد أيام من القصف الإسرائيلي المكثف الذي استهدف مواقع نووية وعسكرية داخل إيران، إلا أن المشهد الداخلي في طهران لا يعكس ملامح انتصار بقدر ما يكشف عن ارتباك متصاعد داخل مؤسسة الحكم، فقد بات واضحًا أن المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي تجاوز السادسة والثمانين، يواجه اليوم اختبارًا مصيريًا يتعلق بقدرته على ضبط توازن القوى في الداخل، وإدارة مرحلة ما بعد الحرب التي ربما تكون قد انتهت عسكريًا، لكنها فتحت الباب على مصراعيه أمام صراع داخلي حاد حول من يخلف المرشد في حال غيابه أو تراجع نفوذه.

تقرير موسع نشرته مجلة "نيوزويك" الأميركية، أشار إلى أن خامنئي نجا سياسيًا من الضربة الإسرائيلية، لكنه خرج منها أضعف مما كان عليه قبلها، ليس فقط بسبب الخسائر العسكرية التي طالت قلب المؤسسة الأمنية، بل بسبب عودة الجدل القديم حول وراثة الحكم، خاصة في ظل الحديث المتزايد عن دور نجله مجتبى خامنئي، الذي ينظر إليه كثيرون على أنه يجهّز نفسه، أو يُجهَّز له، لخلافة والده.

خامنئي لم يظهر علنا منذ الحرب

في الأيام الأولى التي أعقبت توقف القصف، ظهر خامنئي عبر تسجيل مصوّر، ألقى فيه خطابًا مقتضبًا تحدث فيه عن "الصمود والمقاومة"، لكنه لم يظهر علنًا في أي فعالية مباشرة، وهو ما أثار تكهنات جديدة بشأن صحته ومدى قدرته على إدارة الدولة، خاصة في ظل التحديات المتراكمة. وفيما التزمت مؤسسات الدولة الصمت، تحرّكت أذرع الحرس الثوري بشكل أكثر وضوحًا، في محاولة لملء الفراغ المتصاعد في مركز القرار.

الحرس الثوري، الذي تلقى أقسى الضربات خلال الهجوم الإسرائيلي، لم يخرج من المعركة خاسرًا تمامًا. على العكس، تشير تقارير متقاطعة إلى أنه استخدم تداعيات الحرب لتعزيز نفوذه داخل أجهزة الدولة، وفرض أسماء محسوبة عليه في مواقع حيوية داخل البرلمان والإعلام، إلى جانب تشديد قبضته على الاقتصاد، لا سيما عبر شركاته العملاقة التي تدير مشاريع الطاقة والإعمار والاتصالات.

معركة اخيتار المرشد الجديد

وفي ظل الحديث عن غياب مرجع موحّد داخل مجلس خبراء القيادة، واحتمالات رحيل خامنئي في أي لحظة، بات الحرس الثوري يبدو اليوم لاعبًا مرجّحًا في معركة اختيار المرشد المقبل، سواء عبر دعم مجتبى خامنئي، الذي يحظى بعلاقات قوية مع قادة "الباسيج" ووحدات استخبارات الحرس، أو من خلال الدفع بشخصية بديلة أكثر التصاقًا بالمؤسسة العسكرية.

على الصعيد الاجتماعي، شهدت البلاد موجة جديدة من الاعتقالات عقب الحرب، طالت شخصيات أكاديمية وطلابية وصحفية، إضافة إلى أفراد من داخل المؤسسة الدينية تم اتهامهم بـ"التواطؤ مع العدو" أو "التشكيك في شرعية المقاومة". وفيما أعلنت السلطة القضائية أن هذه الإجراءات تأتي لحماية الأمن القومي، تقول منظمات حقوقية إن السلطات تستغل الوضع الراهن لتصفية حسابات داخلية، ومنع أي بروز لتيارات ناقدة قد تخرق جدار الصمت المفروض داخل النخبة السياسية.

إيران تواجه مرحلة مضطربة

ويرى مراقبون أن البلاد تمرّ اليوم بمرحلة انتقال غير معلنة، وأن نظام الحكم الذي تشكّل قبل أربعة عقود يواجه لحظة مفصلية قد تحدد مصيره لعقود مقبلة. ففي ظل تراجع شعبية رجال الدين، وانفصال جيل الشباب عن المشروع الأيديولوجي الرسمي، تبرز احتمالات أن يتحوّل الحكم في إيران إلى صيغة هجينة بين الأمني والديني، أو أن ينزلق إلى مزيد من المركزية بقبضة الحرس، وهو السيناريو الذي يثير مخاوف حتى داخل بعض أجنحة النظام نفسه.

ووسط هذه التحديات، تستمر إيران في دفع ثمن حرب لم تعلن رسميًا، لكنها كشفت هشاشة المنظومة، وأجّلت الإجابة عن سؤال بالغ الحساسية: من يحكم إيران بعد خامنئي؟

Next
Next

لن تصدق.. الشيخ وائل أبو طيفور يحكي كيف أطلق حسن البنا فكرة “الإخوان”؟