واشنطن بوست: حماس تواجه أسوأ أزمة مالية في تاريخها
قالت جريدة "واشنطن بوست" إن حركة حماس تواجه أسوأ أزمة مالية وإدارية في تاريخها الممتد لأربعة عقود، إذ تعاني من صعوبات شديدة في حشد الموارد اللازمة لمواصلة القتال ضد إسرائيل وإدارة قطاع غزة.
فمع استنزاف خزائنها، لم يعد الجناح العسكري لحماس "كتائب عزالدين القسام" قادرًا على دفع رواتب مقاتليه بشكل كافٍ، ومع ذلك، لا تزال الحركة قادرة على تجنيد فتيان مراهقين للقيام بمهام مثل المراقبة أو زرع المتفجرات على الطرق التي تسلكها القوات الإسرائيلية، وفقًا لما قاله عوديد عيلم، وهو ضابط استخبارات إسرائيلي رفيع سابق، بالإضافة إلى ضباط حاليين في الجيش الإسرائيلي.
كما أن الحركة لم تتمكن من إعادة بناء الأنفاق المتطورة ومراكز القيادة تحت الأرض التي دمرتها القوات الإسرائيلية، وقبل أن يُقتل في غارة جوية قبل شهرين، اضطر القائد العسكري لحماس محمد السنوار إلى الاحتماء داخل مخبأ ضيق مكوّن من غرفة واحدة تحت مستشفى في جنوب غزة، وهو ما يُعد تراجعًا كبيرًا مقارنةً بالمجمعات الضخمة التي اكتشفها الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع في وقت سابق من الحرب، والتي كانت تحتوي على غرف واسعة مزينة بالبلاط الأبيض، وأبواب مقاومة للانفجارات، وأنظمة تهوية ميكانيكية، ومساحات تخزين كبيرة للأسلحة.
قال علام: "حماس لا تعيد بناء أنفاقها، ولا تدفع رواتب مقاتليها المدربين تدريبًا عاليًا، هي فقط تحاول البقاء".
ولم تعد إدارة حماس قادرة على دفع رواتب الشرطة والموظفين في الوزارات في غزة، حيث تُسيطر الحركة على الحكم منذ عام 2007، كما توقفت عن دفع مخصصات الوفاة لعائلات المقاتلين الذين قُتلوا، بحسب ما أكده عيلم، وشرطي فلسطيني محلي، واثنان آخران من سكان غزة.
قال المحلل السياسي من غزة إبراهيم مدحون، المقرّب من حماس، إن الحركة لم تكن مستعدة لحرب تستمر أكثر من عام، واضطرت لتبني إجراءات تقشفية، مثل خفض النفقات الإدارية والرواتب، في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على تقديم بعض الخدمات الأساسية، على سبيل المثال، من خلال تشكيل لجان طوارئ تقوم بجمع القمامة، وتنظيم توزيع وقود المولدات، وذلك بهدف الحفاظ على حد أدنى من مظاهر الحكم.
وأضاف إن حركة حماس تعتمد جزئياً على جهود المجتمع المحلي، بالإضافة إلى "شبكة اجتماعية قوية تساعد على امتصاص الصدمات"، للمساعدة في تخطي الأزمة، فيما لم يرد مسؤولو حماس على طلبات الصحيفة للتعليق على الوضع المالي للحركة.
وتجري حالياً مفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن هدنة محتملة تمتد لـ60 يوماً، حيث تسعى إسرائيل للحفاظ على الضغط على الحركة، بينما تبحث حماس عن طوق نجاة. وعلى الرغم من أن كل الأطراف تؤكد أن المحادثات تُحرز تقدماً، إلا أن التوصل إلى اتفاق لا يزال بعيد المنال.
في وقت سابق من الحرب، اعتمدت حماس على الضرائب المفروضة على الشحنات التجارية ومصادرة المساعدات الإنسانية، بحسب شهادات من سكان غزة ومسؤولين إسرائيليين وأجانب سابقين وحاليين. ووفقاً لغزيٍّ عمل على المعبر، فإن عناصر من حماس بالزي المدني كانوا يقومون بحصر البضائع الواردة في معبر رفح (قبل إغلاقه العام الماضي)، وأيضاً في كرم أبو سالم، رغم أنه كان تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي. كما كانت الحركة تجري مسوحات للمخازن والأسواق المحلية.
أغلب الفلسطينيين الذين أدلوا بشهاداتهم في التقرير، طلبوا عدم ذكر أسمائهم الكاملة، أو التحدث بشرط السرية، خوفاً من انتقام محتمل من حماس.
قال مقاول غزي عمل في معابر غزة خلال الحرب إن حماس حققت أرباحاً خاصة من المساعدات التي لم تُكلفها شيئاً، لكنها كانت تبيعها بأسعار مرتفعة. وأوضح أن عناصر من الحركة كانوا يجبرون التجار المحليين على دفع نحو 20 ألف شيكل (حوالي 6,000 دولار)، مهددين بمصادرة شاحناتهم إذا لم يمتثلوا.
وأشار إلى أن بعض موظفي الحكومة في غزة هددوه بالقتل أو اتهامه بالتعاون مع إسرائيل إذا لم ينفذ أوامرهم بتحويل وجهة المساعدات. وقال إنه رفض، لكنه يعرف اثنين من سائقي شاحنات المساعدات قُتلا على يد حماس بسبب رفضهم الدفع.
ولم يرد مسؤولو حماس على طلبات الصحيفة للتعليق بشأن الاتهامات بفرض ضرائب على الشحنات التجارية، أو الاستيلاء على المساعدات، أو ابتزاز رجال الأعمال المحليين.
"حماس تحت الضغط"
أشعلت حركة حماس الحرب المدمرة في غزة عندما شنت هجوماً على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، ما أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص وأسر حوالي 250 آخرين تم اقتيادهم إلى غزة كرهائن. ومنذ ذلك الحين، أسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 58 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب سلطات الصحة في غزة.
قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن حماس فقدت 90% من قيادتها و90% من مخزونها من الأسلحة خلال مسار الصراع. وقد تحدث هذا المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
في المراحل الأولى من الحرب، سارعت حماس إلى إخفاء الأموال والإمدادات تحت الأرض، لكنها نفدت لاحقاً. وفي مارس 2024، قالت القوات الإسرائيلية إنها صادرت أكثر من 3 ملايين دولار من أنفاق تحت مستشفى الشفاء شمال غزة، وفقاً لبيان في مجموعة "واتساب" الخاصة بجيش الدفاع الإسرائيلي.
ورغم هذه الخسائر، قالت مصادر إسرائيلية عسكرية واستخباراتية إن حماس حققت أرباحاً ضخمة من التجارة والمساعدات الإنسانية، وصلت إلى مئات الملايين من الدولارات. ووفقاً لهؤلاء المسؤولين، صادرت الحركة ما لا يقل عن 15% من بعض السلع، مثل الطحين، وكذلك قسائم المساعدات التي كانت مخصصة لسكان غزة المحتاجين. وأضافوا أن جزءاً من هذه السلع تم توزيعه على عناصر الحركة ومؤيديها، في حين بيع الباقي بهدف تحقيق الربح.
قال أحمد فؤاد الخطيب، وهو أمريكي فلسطيني يرأس مجموعة الضغط "ريالاين فور فلسطين"، إن حماس عدّلت استراتيجيتها مراراً للاستفادة من المساعدات والتجارة، معتمدة على تفاقم الأزمة الإنسانية كوسيلة لإنهاء الحرب. وقال:
"استراتيجية حماس اعتمدت على معاناة سكان غزة... لكنها عندما فشلت، تمسكت بهذا النهج بشكل أحمق، لأنها ببساطة لا تملك أدوات أخرى لمواجهة الرد الإسرائيلي العنيف على هجوم 7 أكتوبر، ولا عجز العالم عن إيقافه".
وأضاف رجل من دير البلح يعمل في إدارة توزيع المساعدات:
"ترى حماس أن المساعدات هي العملة الأهم لديها".
وأوضح أنه بينما كان معظم السكان يعانون في تأمين الطعام والماء، حصل أشخاص مقربون من حماس على صناديق كاملة من المساعدات المخصصة للتوزيع الأوسع.
وصرح مسؤول مصري مطلع على تقارير استخباراتية، بأن حماس بالفعل سرقت جزءًا من تلك المساعدات الغذائية. وقال المسؤول – مشترطًا عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالتصريح للإعلام –: "حماس تحاول استخدام المساعدات للبقاء... وهذا يحدث بالفعل".
العودة للنظام السابق
من بين المطالب التي تطرحها حماس في مفاوضاتها مع إسرائيل بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار، إعادة فتح حدود غزة وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية – ليس فقط لتخفيف النقص الحاد في الغذاء الذي تسبب في تراجع شعبيتها، بل أيضًا لإعادة تنشيط مواردها المالية، حسب ما أفاد به مسؤول مطّلع على المباحثات.
قال مسؤول غربي – فضل عدم ذكر اسمه –: "أحد الأسباب التي تدفع حماس للضغط من أجل العودة للنظام السابق هو أن لديها رجالًا في جميع المخازن"، في إشارة إلى الموظفين التابعين للحكومة التي تديرها حماس، والذين يمكّنونها من مراقبة الأنشطة التجارية وفرض الضرائب أو مصادرة الإمدادات أحيانًا.
حتى أكتوبر الماضي، كانت حماس تفرض ضرائب على الشحنات التجارية القادمة إلى غزة، وإذا رفض التجار الدفع، كانت تصادر جزءًا من شاحناتهم وتبيع محتوياتها، بحسب صحفي اقتصادي من غزة. وأضاف أن "الوقود والسجائر كانا من أكثر السلع ربحية للحكومة التي تقودها حماس"، مشيرًا إلى أن بيانات الإيرادات نادرة.
رجل أعمال من غزة صرّح بأن حماس فرضت ضرائب بنسبة لا تقل عن 20% على كثير من السلع. كما كانت تصادر شاحنات محمّلة بالمواد المطلوبة مثل الدقيق، الذي قد يصل سعر الكيلوغرام منه إلى 30 دولارًا، وتسرق الوقود المخصص للمنظمات الإغاثية. وأشار مسؤول عسكري إسرائيلي إلى أن الوقود أصبح مصدرًا رئيسيًا للدخل لحماس أثناء الحرب، إذ كانت تفرض عليه الضرائب وتصادره من المحطات لتبيعه.
إلى جانب الضرائب، كانت حماس تجني أرباحًا من خلال السماح لتجار مرتبطين بها ببيع مواد غذائية مثل السكر والدقيق بأسعار مضخمة دون أن يتعرضوا للعقاب، بحسب ما أوردته قوات الدفاع الإسرائيلية، نقلاً عن وثيقة داخلية لحماس. وأكد الصحفي الاقتصادي الغزي أن هؤلاء التجار يحصلون على حماية خاصة، وأن حماس كانت تتعمد في بعض الأحيان تقليص المعروض في السوق من خلال تأخير التوزيع لعدة أيام لرفع الأسعار.
لكن عندما استأنفت إسرائيل هجماتها في مارس، تراجعت إيرادات حماس بشكل حاد مع تقليص حركة الواردات والمساعدات إلى غزة. كما أن إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية" في مايو – وهي برنامج غذائي مدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل – حرم حماس من مصادر تمويل كانت تعتمد عليها، بحسب المسؤول العسكري الإسرائيلي.
قمع متزايد
مع تصاعد الضغوط العسكرية والمالية، أصبحت حماس أكثر قمعًا في محاولة لإظهار أنها لا تزال تسيطر على الوضع. وتحدث سكان في غزة عن شعور متزايد بالخوف من الانتقام. وظهرت مؤخرًا مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر وحدة مرتبطة بحماس تقوم بضرب وإطلاق النار على أرجل رجال متهمين بسرقة المساعدات.
وأشار سكان إلى أن حماس تسعى أيضًا إلى ترهيب المنتقدين لها. ففي الشهر الماضي، تعرّض موفق خدور (31 عامًا) للسرقة والضرب الوحشي من قبل عشرات من مسلحي حماس بعد أن عبّر عن انتقاده العلني لها، بحسب شقيقه محمود عبر "واتساب".
ومع تشديد القبضة الأمنية، تراجعت شعبية الحركة، حسب ما أفاد به رامي (40 عامًا)، أحد موظفي الحكومة التي تديرها حماس، والذي طلب استخدام اسمه الأول فقط خوفًا على سلامته. وقال: "الغضب في الشارع مختلف تمامًا الآن عما كان عليه في بداية الحرب، حين كنا نعتقد أننا على وشك تحرير فلسطين أو تحقيق نصر كبير"، خاصة مع احتجاز حماس وحلفائها لنحو 250 شخصًا كرهائن.
وأضاف رامي: "سوء تقدير حماس وفشلها في التعامل مع نتائج الحرب ساهما بشكل كبير في هذه الكارثة".