خلال 2025.. موجة نزوح جديدة في سوريا لنحو نصف مليون مواطن

رغم مرور نحو عام على سقوط نظام بشار الأسد وإعلان نهاية الحرب الأهلية التي امتدت لنحو أربعة عشر عامًا، لا تزال سوريا تعيش فصولًا جديدة من المعاناة الإنسانية، تتمثل في اضطرار سكانها إلى ترك منازل.

وأظهر تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، نُشر اليوم الخميس، أن 430 ألف سوري نزحوا مجددًا خلال هذا العام بسبب تصاعد العنف الطائفي، وأعمال الانتقام، ونزاعات الملكية القديمة، إلى جانب الاضطرابات في الجنوب السوري.

وأوضحت الصحيفة، في تقريرها، أن «البلاد التي أنهكتها الحرب الطويلة تجد نفسها اليوم أمام واقع جديد من الانقسامات والنزاعات الداخلية، رغم التغيير السياسي الذي أنهى حكم الأسد».

تصاعد العنف في السويداء

من أبرز بؤر التوتر التي وثّقها التقرير محافظة السويداء، جنوب البلاد، التي شهدت خلال الصيف أحداث دامية راح ضحيتها المئات.

وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن «الاشتباكات، التي بدأت بنزاع محدود، تحولت إلى صراع طائفي واسع، شاركت فيه قوات تابعة للحكومة الجديدة في دمشق».

وبحسب روايات السكان التي أوردها التقرير، فقد أجبر آلاف المدنيين على مغادرة قراهم بعد تلقيهم تهديدات مباشرة من مجموعات مسلحة، وقالت «ريم الحوران»، وهي موظفة حكومية من بلدة «الشهباء»، إنها أُمهلت ساعة واحدة لمغادرة منزلها: «صعد المسلحون إلى أسطح المنازل وصاحوا في مكبرات الصوت مطالبين جميع البدو بمغادرة البلدة فورًا... لم يكن أمامنا سوى الرحيل».

تضيف «ريم» أنها فقدت ستة من أفراد أسرتها، بينهم والدتها المسنّة وطفلة تبلغ سبع سنوات، خلال عملية الإخلاء التي رافقتها اشتباكات عنيفة، مؤكدة أن عائلتها «رغم الخسائر، مصممة على العودة إلى ديارها لأنها لا تقبل أن تُنتزع منها أرضها تحت أي مبرر».

ووفق «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، فقد أسفرت المواجهات في السويداء عن مقتل أكثر من 1,300 شخص، بينهم نحو 400 مدني، معظمهم من الطائفة الدرزية، فيما وثّقت الصحيفة حالات إعدام ميدانية ارتكبها عناصر من القوات الحكومية بحق مدنيين دروز.

نزاعات الملكية تعيد التوتر

لم تقتصر موجات النزوح الجديدة على المحافظات الجنوبية فحسب، بل امتدت إلى مناطق أخرى نتيجة نزاعات على الملكية العقارية، بعضها يعود إلى عقود سابقة من حكم الأسد. وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن كثيرًا من السوريين الذين حاولوا استعادة أراضيهم ومنازلهم فوجئوا بمحاولات طردهم من قبل المقيمين الحاليين أو من قوات الأمن.

ويكشف التقرير أن «النظام السابق كان قد صادر مساحات واسعة من الأراضي ومنحها لأفراد أو جماعات موالية، خصوصًا من الطائفة العلوية»، ما خلق حالة من الاحتقان بين المكوّنات الاجتماعية بعد سقوط الأسد.

في ضاحية «الصومرية» بدمشق، مثلًا، شهدت المنطقة حملة مداهمات عقب إعلان السلطات عن مراجعة ملكيات الأراضي. وقالت إحدى المقيمات، وهي سيدة علوية تبلغ 32 عامًا رفضت ذكر اسمها، إن «قوات مسلحة داهمت منازلنا، واعتدت علينا لفظيًا وجسديًا بحجة أننا نقيم على أراضٍ تابعة للدولة». وأضافت: «كثير من جيراني فرّوا من المنطقة، لكنني بقيت لأنه لا مكان آخر أذهب إليه».

وردًّا على هذه المزاعم، نقلت الصحيفة عن وزارة الإعلام السورية قولها إن سكان الصومرية «يقيمون على أراضٍ مملوكة للدولة بشكل غير قانوني»، مؤكدة أن تدخل القوات جاء بعد نشوب اشتباكات بين السكان، نافية وقوع انتهاكات من جانبها.

أرقام متجددة لمعاناة قديمة

يُذكر أن الحرب الأهلية السورية، التي اندلعت عام 2011، هجّرت أكثر من 12 مليون شخص داخليًا وخارجيًا، وفق بيانات الأمم المتحدة. ومنذ سقوط النظام في ديسمبر 2024، عاد نحو 2.8 مليون لاجئ ونازح إلى مناطقهم الأصلية، لكن التطورات الأخيرة تهدد بإعادة دوامة النزوح من جديد.

وقالت الصحيفة إن «كل طائفة وكل فئة اجتماعية في سوريا تقريبًا تأثرت بموجات النزوح الجديدة، إذ لم يعد العنف الطائفي حكرًا على منطقة أو جماعة واحدة». وأضافت أن النزاعات التي يشهدها الجنوب والوسط السوري اليوم «تعكس هشاشة المرحلة الانتقالية وصعوبة إعادة بناء الثقة بين المكوّنات بعد سنوات من الحرب والتمييز».

مستقبل غامض

وبينما تسعى الحكومة الجديدة إلى توحيد مؤسسات الدولة وإعادة فرض سلطتها على مختلف المناطق، تواجه تحديات معقدة أبرزها ضعف الأجهزة الأمنية، وانتشار السلاح، وتداخل الولاءات المحلية والطائفية.

ويختم التقرير بالقول إن «التحول السياسي في سوريا لم يحقق بعد السلام المنشود، بل كشف عن عمق الجراح الاجتماعية التي خلفها النظام السابق»، مضيفًا أن استمرار النزوح يعكس غياب الثقة بين المواطنين والسلطات، وأن «الطريق نحو الاستقرار الحقيقي لا يزال طويلًا».

Previous
Previous

رغم تهدئة غزة.. إسرائيل تستعد لـ"صراع طويل" مع الحوثيين

Next
Next

رئيس الوزراء القطري يحمل حماس مسؤولية اختراق الهدنة