رغم تهدئة غزة.. إسرائيل تستعد لـ"صراع طويل" مع الحوثيين
رغم الهدوء النسبي الذي أعقب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة منتصف عام 2025، فإن إسرائيل تتهيأ لجولة جديدة من المواجهات — لكن هذه المرة مع الحوثيين في البحر الأحمر، في صراع يبدو أنه مرشح للاستمرار على المدى الطويل.
وذكر تقرير صادر عن تشاتهام هاوس في عدد سبتمبر من مجلة «ذا وورلد توداي»، أن "إسرائيل، رغم حاجتها الماسة إلى التقاط أنفاسها بعد الحرب على غزة، لا يمكنها تجاهل التهديد البحري المتنامي من الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن". وأضاف التقرير أن "الهدوء في غزة لا يعني نهاية الحرب بالنسبة لتل أبيب، التي باتت تعتبر جبهة البحر الأحمر امتدادًا مباشرًا لأمنها القومي".
صراع غير مباشر بعد غزة
أوضح تقرير تشاتهام هاوس أن الأشهر الأخيرة شهدت إعادة تموضع واسعة للقوات الإسرائيلية في الجنوب، مع زيادة الاعتماد على القواعد البحرية في إيلات، وتوسيع التنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا لمراقبة الممرات البحرية الحيوية. وأشار إلى أن "إسرائيل باتت ترى في الحوثيين الذراع الإقليمية الأخطر لإيران، بعدما أثبتت الجماعة قدرتها على تعطيل الملاحة الدولية واستهداف السفن التجارية بدقة متزايدة".
وقال التقرير إن "التجربة المريرة للحرب في غزة جعلت صناع القرار الإسرائيليين أكثر ميلاً إلى تبني استراتيجية الردع البحري بعيدة المدى"، مضيفًا أن تل أبيب تدرس خيارات تشمل ضربات استباقية محدودة أو تنفيذ عمليات خاصة ضد مواقع الحوثيين على الساحل اليمني.
الحوثيون.. ذراع إيران الجديدة في البحر
وفق تحليل تشاتهام هاوس، فإن طهران نجحت خلال السنوات الأخيرة في تحويل الحوثيين من ميليشيا محلية إلى قوة إقليمية تستخدمها كورقة ضغط ضد الغرب وإسرائيل. وأشار التقرير إلى أن "إيران تنقل تكنولوجيا الطائرات المسيّرة والصواريخ إلى الحوثيين عبر شبكات تهريب معقدة، تشمل ممرات في عُمان والقرن الأفريقي"، مؤكدًا أن هذا التطور "أعاد خلط الأوراق في ميزان القوى البحري".
ونقل التقرير عن خبير الشؤون الإيرانية في المركز، الدكتور جيمس شينكر، قوله إن "الحوثيين يمثلون اليوم أحد أهم أدوات الردع غير المباشر لإيران، خصوصًا في حال تصاعدت الضغوط الدولية عليها بشأن ملفها النووي". وأضاف أن "أي مواجهة مفتوحة بين إسرائيل والحوثيين ستُدار من بعيد، لكن انعكاساتها ستكون عميقة على الأمن البحري العالمي".
استعدادات إسرائيلية ومخاوف غربية
يؤكد التقرير أن إسرائيل تعمل على تحديث أسطولها البحري الصغير نسبيًا ليتكيف مع التهديدات الجديدة. ونقلت المجلة عن مسؤول دفاعي إسرائيلي قوله إن "الجيش يسعى إلى تعزيز قدرات الاستطلاع البحري والاستخبارات الفضائية لتحديد مصادر إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة في البحر الأحمر".
كما أشار التقرير إلى أن البحرية الإسرائيلية كثّفت تدريباتها المشتركة مع الأسطول الأمريكي الخامس، ونفذت مناورات مع فرنسا واليونان تتعلق بحماية السفن التجارية ومكافحة الهجمات غير المتماثلة. وقالت المجلة إن "الغرب يخشى أن تؤدي أي مواجهة مباشرة إلى تعطيل خط الملاحة بين قناة السويس وباب المندب، وهو ما قد يرفع تكاليف النقل والطاقة عالميًا".
جبهة البحر الأحمر.. امتداد لغزة
يرى خبراء تشاتهام هاوس أن الحرب في غزة "أعادت رسم أولويات الأمن الإسرائيلي"، إذ لم تعد المواجهة مقتصرة على حماس، بل امتدت إلى كل من تعتبرهم إسرائيل حلفاء لإيران. وقال التقرير إن "العمليات الأخيرة في البحر الأحمر تمثل انعكاسًا لهذا التحول، حيث تسعى تل أبيب إلى منع الحوثيين من تحويل الممرات البحرية إلى ساحة ضغط جديدة".
كما أشار إلى أن الموقف الأمريكي "يبقى مترددًا" بين دعم العمليات الإسرائيلية ضد الحوثيين والحفاظ على خطوط الإمداد التجارية الآمنة. ونقل التقرير عن دبلوماسي أوروبي قوله إن "إسرائيل قد تجر المنطقة إلى تصعيد جديد في لحظة يعتقد فيها العالم أن الحرب انتهت".
تحذيرات من تصعيد غير محسوب
في ختام التقرير، حذّر مركز تشاتهام هاوس من أن "أي مواجهة طويلة بين إسرائيل والحوثيين ستتجاوز حدود البحر الأحمر"، موضحًا أن استمرار الهجمات قد يدفع إيران إلى زيادة الدعم العسكري للجماعة، بينما ترد إسرائيل بعمليات أوسع داخل اليمن.
وأضاف التقرير أن "المنطقة تقف على عتبة صراع جديد غير معلن، تتداخل فيه المصالح البحرية والتجارية والعسكرية"، مؤكدًا أن الهدوء النسبي في غزة "قد يكون مجرد استراحة قصيرة قبل عاصفة جديدة في البحر الأحمر".