إضعاف الحوثيين.. كيف تغيّر إسرائيل قواعد اللعبة في اليمن؟

تتصاعد وتيرة الضربات الإسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن، في وقت تسعى فيه تل أبيب إلى إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية وتقييد نفوذ الجماعة المدعومة من إيران. الضربات الأخيرة لم تستهدف مواقع عسكرية فحسب، بل امتدت إلى قيادات سياسية ورموز بارزة في حكومة الحوثيين، في تحول اعتبره مراقبون رسالة مباشرة مفادها أن "الحرب لم تعد محصورة في الجبهات التقليدية".

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الخميس، فإن الهجوم الذي أسفر عن مقتل رئيس الوزراء الحوثي أحمد الرهاوي وعدد من وزرائه لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل خطوة استراتيجية هدفت إلى تقويض الوجه السياسي للجماعة وإظهار هشاشة بنيتها القيادية.

الرهاوي، بحسب المجلة، لم يكن جزءًا من النواة الصلبة للحركة، بل شخصية مدنية وفّرت واجهة سياسية ساعدت الحوثيين في التعامل مع المنظمات الدولية وإضفاء قدر من الشرعية على حكمهم.

ضربة سياسية أكثر من كونها عسكرية

الضربة الإسرائيلية استهدفت وزراء من الصف الأول بينهم وزراء الخارجية والعدل والثقافة والإعلام والداخلية والدفاع. هؤلاء كانوا يتحركون بحرية أكبر نسبيًا من القيادات العسكرية والأمنية الصلبة، ما جعلهم أهدافًا سهلة نسبيًا، ورسالة واضحة في الوقت ذاته: مركز القوة الحقيقي للحوثيين ليس في المؤسسات الرسمية ولا في واجهتها السياسية، بل في الحلقة الضيقة التي تسيطر عليها القيادات العائلية والعسكرية.

كشف نقاط الضعف الحوثية

توضح فورين بوليسي أن العملية الأخيرة أظهرت محدودية الدور السياسي لدى الحوثيين، حيث يظل القرار الفعلي محصورًا داخل دائرة مغلقة من قادة الجماعة. ومع سقوط الرهاوي، فقد الحوثيون واجهتهم المدنية أمام الداخل والخارج، وهو ما قد يضعف موقعهم التفاوضي ويؤثر على صورتهم أمام المجتمع الدولي، رغم أن العمود الفقري للجماعة لم يتأثر بشكل مباشر.

الأبعاد الداخلية والإقليمية

في الداخل اليمني: أحدثت الضربة ارتباكًا في البنية القيادية للحوثيين، وقد تدفع إلى إعادة ترتيب داخلية تعكس مزيدًا من الانغلاق والتشدد.

إقليميًا: الخطوة الإسرائيلية تحمل دلالة سياسية تتجاوز حدود اليمن، إذ تؤكد قدرتها على استهداف رموز معادية لها في أي بقعة، وتوجيه إنذار مبكر لإيران وحلفائها.

ارتباط بالاستراتيجية الأمريكية

تأتي هذه التطورات بعد سلسلة من العمليات العسكرية الأمريكية في الربيع الماضي، عندما نفّذت واشنطن "عملية راوند رايدر" التي استهدفت الدفاعات الجوية والصاروخية للحوثيين في شمال اليمن. هذه الحملة أضعفت قدرات الجماعة العسكرية إلى حد كبير، لكنها لم تكسر شوكتها بشكل نهائي.

الضربة الإسرائيلية الأخيرة، بحسب مراقبين، تكمل هذا المسار عبر تقويض الغطاء السياسي الذي استندت إليه الجماعة خلال السنوات الماضية.

سيناريوهات المستقبل

رغم الخسائر، يشير محللون إلى أن الحوثيين يتمتعون بقدرة ملحوظة على إعادة التكيف، مستفيدين من بنيتهم العائلية الصلبة وتماسك شبكتهم الأمنية. غير أن غياب الواجهة السياسية قد يعمّق عزلتهم، ويدفعهم إلى الاعتماد أكثر على الخطاب العقائدي والعسكري بدلاً من المشاركة السياسية.

خلاصة

الضربات الإسرائيلية الأخيرة لا تعني انهيار الحوثيين في المدى القريب، لكنها تكشف نقاط ضعفهم البنيوية وتعرّي طبيعة حكمهم القائم على القوة المسلحة والولاءات الضيقة، بعيدًا عن أي شرعية سياسية حقيقية. ووفق ما خلصت إليه مجلة فورين بوليسي، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد مزيدًا من الاستهداف النوعي للقيادات الحوثية، بما يضع الجماعة أمام معركة صعبة للحفاظ على تماسكها السياسي والعسكري في آن واحد.

Next
Next

أزمة غذاء.. جفاف غير مسبوق يلتهم قمح سوريا