معهد أميركي: هل يخسر السوداني فرصة "الولاية الثانية" بسبب الحشد الشعبي؟

حذّر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير تحليلي حديث من أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يواجه تحديًا متزايدًا قد يعرقل طموحه في الفوز بولاية ثانية، في ظلّ استمرار هيمنة الحشد الشعبي على معادلة الحكم في العراق، وتزايد نفوذ طهران داخل الكتلة الشيعية الحاكمة.

وتناول المعهد، في تقرير حديث، مسار حكومة السوداني خلال العامين الماضيين، مسلطًا الضوء على معضلتين أساسيتين: ضغوط الحشد الشعبي وتوازنات النفوذ الإقليمي، وخصوصًا الإيراني، في المشهد السياسي العراقي.

معضلة الولاء المزدوج

يرى التقرير أن السوداني يسير على "حبل سياسي مشدود" بين رغبة داخلية في ترسيخ صورته كرجل دولة معتدل يسعى إلى إعادة العراق إلى محيطه العربي والدولي، وبين ضغوط داخلية من الفصائل المسلحة التي منحته دعمها للوصول إلى رئاسة الحكومة عام 2022.

وبحسب معهد واشنطن، فإن هذا التوازن الهشّ جعل السوداني عرضة لتناقضات داخلية متكرّرة. فكل محاولة للانفتاح على الغرب أو الدول العربية تُقابَل بموجة انتقادات من قادة المليشيات الشيعية، الذين يتهمونه تارةً بـ"الانحراف عن محور المقاومة"، وتارةً أخرى بـ"الرضوخ للأميركيين".

ويشير التحليل إلى أن السوداني، رغم محاولاته المتكررة لتقديم نفسه كـ"رجل براغماتي"، لم يتمكن بعد من تحقيق استقلالية مؤسسية حقيقية عن القوى التي جاءت به إلى الحكم، وعلى رأسها الإطار التنسيقي الذي يضمّ كبرى الفصائل الموالية لإيران.

الحشد الشعبي: من دعم إلى تهديد

يُفصّل التقرير الدور المتزايد للحشد الشعبي باعتباره "اللاعب الأثقل في المعادلة السياسية والأمنية العراقية"، مبينًا أن نفوذ الحشد لم يعد مقتصرًا على العمل العسكري، بل أصبح يتمدد إلى مؤسسات الدولة المدنية والاقتصادية.

ويقول معهد واشنطن إن هذا النفوذ المفرط جعل السوداني في "مأزق هيكلي": فهو من جهة يحتاج إلى الحشد لتأمين حكمه وضمان عدم انقلابه عليه، لكنه من جهة أخرى يدرك أن استمرار تغوّل هذه المؤسسة يُضعف شرعية الدولة ويقوّض سلطته الدستورية.

ويضيف التحليل أن قادة الحشد – مثل قيس الخزعلي وأكرم الكعبي وأبو فدك – ينظرون إلى السوداني على أنه "رئيس وزراء مؤقت"، مهمّته تنفيذ توازن دقيق بين الفصائل المتنافسة، لا قيادة مشروع إصلاحي طويل الأمد.

وبينما يحاول السوداني استمالة القيادات الميدانية عبر مشاريع اقتصادية وتنموية في المناطق الشيعية، تُظهر المؤشرات السياسية أن الحشد بدأ فعليًا في إعداد بدائل سياسية قد تخوض الانتخابات المقبلة، مدعومة بغطاء ديني وإيراني مباشر.

الدور الإيراني: دعم مشروط وتوجّس متبادل

يرى التقرير أن العلاقة بين السوداني وطهران تشهد تذبذبًا ملحوظًا، فبينما تسعى إيران للحفاظ على حكومة موالية لا تُهدد نفوذها، تتعامل بحذر مع السوداني الذي أظهر ميولًا متزايدة للانفتاح على واشنطن والعواصم العربية.

ويشير المعهد إلى أن القيادة الإيرانية "تفضّل زعيمًا ضعيفًا يسهل توجيهه"، في حين يحاول السوداني بناء نموذج شبيه بتجربة مصطفى الكاظمي في الموازنة بين الأطراف، لكن دون الصدام مع الفصائل.

ومع ذلك، تزداد علامات التوجّس داخل طهران تجاه السوداني بسبب مواقفه الأخيرة من بعض الملفات الحساسة، مثل ملف الوجود العسكري الأميركي، والعلاقة مع دول الخليج، وجهوده لتعزيز التعاون مع مصر والأردن ضمن مشروع "الشام الجديد".

ويحذر التقرير من أن أي انحراف كبير عن الخط الإيراني قد يدفع طهران إلى إعادة ترتيب أوراقها داخل العراق، بما في ذلك دعم مرشح آخر من داخل الإطار التنسيقي للانتخابات المقبلة.

الأداء الداخلي: إنجازات محدودة وسط اقتصاد مأزوم

على الصعيد الاقتصادي، يشير التقرير إلى أن حكومة السوداني نجحت في تحقيق بعض الاستقرار المالي النسبي بفضل ارتفاع إيرادات النفط واستقرار سعر الصرف، لكنها فشلت في ترجمة هذه المكاسب إلى تحسن ملموس في مستوى المعيشة أو في مكافحة الفساد البنيوي.

كما لم يتمكن السوداني من كبح نفوذ شبكات المحسوبية داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، وهو ما جعل الكثير من مشاريعه التنموية عرضة للتأخير أو الفساد أو الاستحواذ السياسي.

ويرى معهد واشنطن أن السوداني يواجه تحديًا مضاعفًا في "إقناع الجمهور العراقي" بقدرته على إدارة الدولة كقائد وطني مستقل، خصوصًا في ظل استمرار الانقسامات الحادة داخل الإطار الشيعي نفسه، وتنامي احتجاجات الشباب المطالبين بإصلاح جذري للنظام.

بين الأمل والمشقة

يصف معهد واشنطن المشهد العراقي بأنه "مزيج من الأمل والمشقة"، مؤكدًا أن السوداني ما زال يمتلك فرصة محدودة لتعزيز موقعه إذا استطاع تحقيق توازن فعلي بين مطالب الإصلاح وضغوط القوى المسلحة.

ويشير التقرير إلى أن نجاح السوداني في إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة سيكون عاملًا حاسمًا في تحديد مستقبله السياسي، خاصة في ظل تزايد التوتر الإقليمي بين واشنطن وطهران.

كما أن استمرار دعمه لمؤسسات الدولة الأمنية، ومحاولاته لإخضاع الحشد الشعبي لسلطة القائد العام للقوات المسلحة، قد يمنحه دعمًا داخليًا وغربيًا إضافيًا، لكن المعهد يحذّر من أن "أي خطوة غير محسوبة" قد تثير ردود فعل عنيفة من الفصائل.

احتمالات "الولاية الثانية"

بحسب التحليل، فإن حظوظ السوداني في الفوز بولاية ثانية تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية:

وحدة الإطار التنسيقي الشيعي: فالتصدعات الداخلية بين القوى الموالية لإيران قد تقرر مصير دعم السوداني مستقبلاً.

الموقف الإيراني: إذا رأت طهران في السوداني تهديدًا لنفوذها، فستعمل على استبداله بشخصية أكثر طواعية.

القدرة على تقديم إنجازات ملموسة: خصوصًا في ملفات الفساد، والخدمات، وضبط الميليشيات.

ويرى معهد واشنطن أن غياب إنجازات واضحة سيجعل السوداني عرضة للمساومات السياسية، وقد يفقد دعم قاعدته داخل الإطار التنسيقي، مما يفتح الباب أمام ظهور مرشحين منافسين مثل هادي العامري أو فالح الفياض.

خاتمة

يخلص معهد واشنطن إلى أن مستقبل السوداني السياسي يتوقف على قدرته في تحقيق معادلة صعبة: إصلاح النظام دون تحدي من أنشأوه، وضبط الحشد الشعبي دون الصدام معه.

ويحذر من أن استمرار تغوّل الفصائل المسلحة وتغلغلها في مؤسسات الدولة سيجعل أي مشروع وطني للإصلاح "رهينة توافقات السلاح والسياسة"، وهو ما يضعف فرص الاستقرار على المدى الطويل.

ويختتم التقرير بالقول إن "السوداني يقف بين مرحلتين: مرحلة الثقة التي منحته الشرعية، ومرحلة المشقة التي قد تسلبها منه"، مؤكدًا أن العراق اليوم أمام مفترق طرق، بين دولة القانون أو دولة الميليشيا.

Previous
Previous

مليارات الدولار لا تكفي.. إعمار سوريا يتطلّب أكثر من المال

Next
Next

تعرف على أبرز الثنائيات الفنية في رمضان القادم