العودة إلى "الجذور".. التونسية منيرة ضيف الله تواجه شح المياه بـ"طريقة الأجداد"
تونس - جسور
وسط مزرعتها الصغيرة في ولاية منوبة القريبة من العاصمة التونسية، تقف منيرة ضيف الله تراقب نباتاتها وأشجارها بعينين تلمعان بوهج الشغف.. تنحني بين الحين والآخر لتقلع أعشاب طفيلية، ملامسة التراب بأصابعها، ومستنشقة أريج الأرض الممزوج برائحة الماضي والأجداد، وعبق التاريخ الجميل.
عادت منيرة إلى تونس بعد رحلة عمل طويلة في مجال النهوض الاجتماعي في فرنسا.. أرادت أن تتقاعد في أرض الوطن بعد سنوات من الانقطاع.. لم يفارقها الحنين طيلة السنوات الماضية إلى عاداته وتقاليده، وهدوء الحياة وسكينة الريف به، ونكهات أكله المميزة أيضا.
فلاحة الأجداد
اختارت منيرة، المزارعة بـ"الوراثة"، أن تعيش مثل أجدادها الذين امتهنوا الفلاحة، وحرصت على أن تحافظ على نمط إﻧﺘﺎج بيئي خال من الأدوية والأسمدة الكيميائية والنباتات المعدلة وراثيا، وذلك عبر إحياء زراعة البذور التقليدية بما يضمن حياة صحية من ناحية، وتراعي التغيرات المناخية وشح المياه من جهة أخرى، وفق تأكيدها.
وباتت الزراعات الأقل استهلاكا للمياه، وجهة المزارعين التونسيين، ومنهم منيرة، فهي خيارهم المستقبلي بعد تراجع نسبة امتلاء السدود في البلاد بنحو 34,2% من إجمالي قدرتها وفق معطيات المرصد الوطني للفلاحة التونسي، في ظل تأثير الاحتباس الحراري وشحّ الأمطار، وخطر الجفاف الذي تكشف عنه التقارير والدراسات، ومنها دراسة معهد الموارد العالمية في العام 2015، التي تصنف تونس ضمن 33 دولة في العالم هي الأكثر عرضة للإجهاد المائي والنقص الكبير في الماء بحلول عام 2040 .

زراعات "فريدة"
لم تتوقف منيرة عند زراعة شتى أنواع الخضروات والنباتات والأشجار المثمرة، بل انخرطت في معركة إحياء التقاليد الزراعية التي يخوضها عدد من الفلاحين التونسيين في السنوات الأخيرة.
وتوجهت إلى زراعة الحبوب المقاومة للجفاف والشح المائي والأمراض، على غرار القمح التقليدي التونسي " المحمودي" وهو فصيلة تتميز بمقاومتها كل تغيّرات المناخ، وبقدرتها على تحمل الجفاف والرطوبة وانخفاض درجات الحرارة ومجابهة الأمراض، ثم شعير "الطمباري" (بلا قشرة)، الذي تحوله مع طحين القمح إلى حلويات لذيذة ومأكولات تقليدية يقبل عليها ضيوفها بإقامتها الريفية.
كما نجحت أيضا في تجارب زراعة نادرة بتونس، مثل محصول "الكينوا" ذي الأصول الأميركية، والمتميزة بتأقلمها مع المناخ المتقلب والظروف البيئية القاسية، كالجفاف وملوحة التربة والماء والأمراض والطفيليات، وذات الفوائد الغذائية الكبيرة وخاصة لمرضى حساسية القمح والسكري وغيرهم.
تجربة زراعة "الحنطة السوداء"
خاضت منيرة أيضا تجربة زراعة الحنطة السوداء "SARRASIN" الخالية من الغلوتين وذات الفوائد الغذائية الهامة، مستعملة المياه فقط وبكميات بسيطة، مع حرصها "بشدة" على تحقيق كافة شروط الإنتاج البيولوجي الطبيعي، ومؤمنة بأن "العودة إلى الجذور" خطوة لحفظ الأمن الغذائي والصحة، والاقتصاد في مياه الري.
وتتزين طاولة الأكل لدى المزارعة التونسية بأطباق تقليدية، وحلويات بنكهات مختلفة ومعجون مختلف الغلال، وشرائح الغلال والطماطم المجففة والعصائر، التي تخزّنها بطريقة الإفراغ من الهواء، وتحتفظ بها في ظروف صحية وفق قولها.
ولا تستهدف منيرة الربح التجاري، كما تؤكد، موضحة أن ما تقوم به نابع من إيمانها العميق بأهمية "الفلاحة التقليدية والتغذية الصحية، وانها تعيش لحظات استمتاع قصوى حين تجني محصولها ولو قليلا من الزيتون واللوز ومختلف الغلال والخضر والعسل الذي لا يخلو جمعه من لسعات النحل.
لحظات تعيدها الى زمن الماضي، حيث ترتوي الأرض العطشى بقطرات عرق الكادحين من يحولون أديمها اليابس الى جنان مثمرة،وتقودها الى التمسك بشدة بدروس ذلك الزمن ،كملاذ أخير لمواجهة القادم من تهديدات للتنوع البيولوجي والامن الغذائي.
]]>