كيف أثرت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر على الاقتصاد المصري؟
القاهرة – حمادة عبدالوهاب
لم تكن مصر بمعزل عما يجري من صراع في قطاع غزة، بين إسرائيل وحركة حماس، حيث تتحكم مصر بالمنفذ الوحيد للقطاع "معبر رفح"، الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، وهو المعبر الرئيسي لعبور المساعدات إلى غزة منذ بدء الحرب
وفي الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية وسياسية طاحنة، كأحد تداعيات الحرب في غزة، أتت هجمات الحوثيين في البحر لتزيد الطين بلة، حيث أدت هذه الهجمات - بحسب رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع - إلى خسارة 50 في المائة من وارداتها مع بداية العام الجاري، بسبب تحول عبور السفن من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، لتجنب هجمات الحوثيين، وهو ما انكعس داخليا على زيارة الأسعار وارتفاع التضخم.
ويمر ما بين 12% و15% من التجارة العالمية، وما بين 25% و30% من حركة الحاويات عبر قناة السويس.
خسارة كبيرة
وفي تصريحات لرئيس هيئة قناة السويس، في 4 آذار / مارس، قال، إن حركة التجارة في القناة، انحدرت بمقدار 40% بسبب أحداث البحر الأحمر، مضيفًا "أن 50% من إيرادات قناة السويس تراجعت بسبب أحداث البحر الأحمر، لأن السفن التجارية من كل دول العالم خففت من تحركاتها ومرورها في القناة بسبب هجمات الحوثيين”.
وكشف رئيس هيئة قناة السويس، عن تأثر حركة التجارة، بسبب أحداث البحر الأحمر، وأسعار الشحن للسفن التجارية، حيث وصلت الخسائر إلى 5000 دولار للحاوية الواحدة .مقارنة بـ 750 دولار في الماضي
وتوقع ربيع، أن تنخفض الحصيلة العامة من الرسوم خلال العام الحالي، إلى خمسة مليارات دولار، مقابل 10.249 مليار دولار في العام الماضي، حال استمرار توترات البحر الأحمر وتهديدات الحوثيين للملاحة عند باب المندب.
وفيما يخص كلفة التأمين على السفن فقط، فقد ارتفعت 10 أضعاف، نتيجة فرض الخطوط الملاحية رسوماً إضافية لأخطار الطوارئ.
وفي تقرير حديث قالت بيانات صادرة عن منصة "بورت ووتش"، التابعة لصندوق النقد الدولي، إن الحمولة المارة بقناة السويس سجلت انخفاضاً بنسبة 49 في المئة لتصل إلى 142.3 مليون طن خلال أول شهرين من العام الحالي، مقارنة مع 279.5 مليون طن خلال الفترة نفسها من العام الماضي، ومرت خلال تلك الفترة بالقناة نحو 2526 سفينة مقارنة مع 4160 سفينة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
تأثيرات مباشر:
مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير محمد حجازي، أكد أن "هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أثرت على المنطقة بشكل عام، وعلى مصر بالأخص، وظهرت هذه الأضرار في الخسائر التي تعرضت لها قناة السويس و فقدت بسببها قرابة نصف إيراداتها منذ بداية العام الجاري، بسبب مخاوف عبور سفن النقل والحاويات من المجرى الملاحي على خلفية قيام الحوثيين بإطلاق صواريخ باليستية على السفن".
وأضاف حجازي، لموقع "جسور"، أن "التأثيرات شملت أيضا الجوانب الأمنية والعسكرية لأن البحر الأحمر هو الممر المباشر للقناة، وبالتالي فهناك تأثير مباشر على مصر، موضحا أنه من المنظور الأمني والاستراتيجي فقد أصبح هناك تهديد استراتيجي لمصر، إضافة إلى جبهة غزة، وظهور التوترات في الجنوب ".
وأشار إلى أن المشهد الحالي في البحر الأحمر يثير قلق مصر، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية تحاول الخروج منها، عبر التوصل لاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي، وصفقة رأس الحكمة الاستثمارية مع دولة الإمارات.
أضرار متنوعة:
بدوره يقول الباحث الاقتصادي، محمد محمود عبد الرحيم، إن التوتر في منطقة باب المندب، تؤثر بشكل مباشر على مرور السفن من وإلى قناة السويس، وبالتالي تتأثر إيرادات قناة السويس بالسالب، وهذه الإيرادات تعد مصدر هام ومستدام للنقد الأجنبي في البلاد.
وأضاف أن هناك آثار متعددة على الاقتصاد المصري، أولها هو انخفاض الحصيلة الدولارية للحكومة، فقد بلغت الإيرادات السنوية للقناة نحو 10 مليار دولار تقريبًا في عام 2023، وهو الرقم القياسي لإيرادات القناة، التي انخفضت بنحو 50% وفقًا لبعض التقديرات الحكومية، كما أن ذلك يزيد من عجز الموازنة العامة للدولة.
ويضيف الباحث الاقتصادي، لموقع "جسور"، أن مضيق باب المندب له أهمية استراتيجية كبيرة، ليس لأنه الامتداد الطبيعي لقناة السويس فقط، ولكن لأهميته الكبيرة للتجارة الدولية، حيث تشير بعض التقديرات إلى مرور نحو 10% تقريبًا من إجمالي البضائع البحرية العالمية من المنطقة.
وتابع، "مع اتساع التوتر، فإن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، حيث سيؤدي إلى مزيد من ارتفاع أسعار الطاقة، وبالرغم من الأزمة تستمر قناة السويس في تقديم خدماتها بالشكل الأمثل، ويظل زيادة إيرادات قناة السويس مرة أخرى مرهون باستقرار الوضع في مضيق باب المندب، و المرهون أصلًا باستقرار الأوضاع في غزة.
ويشير عبدالرحيم، إلى أن هذه الأزمة تسببت في حالة من عدم الاستقرار لسلاسل الإمداد والتوريد العالمية، حيث يتم زيادة تكلفة التأمين للسفن التي تمر بالمضيق، بالإضافة إلى احتمالات اتخاذ طرق بديلة بعيدة عن المضيق، وبالتالي تكلفة وقود إضافية، موضحا أن كل هذه التكاليف يتم تحمليها على المستوردين، وبالتالي يتم تمريرها إلى المستهلك النهائي.
وأشار عبدالرحيم، إلى احتمالات تعطل بعض المصانع نتيجة عدم انتظام استلام بعض الخامات، ما تسبب في رفع تكلفة الاستيراد وزيادة التضخم العالمي، ولذلك تأثير سلبي كبير، وخصوصًا للدول التي تستورد بشكل كثيف ومنها مصر، وبالمثل فإن حركة التصدير من دول البحر الأحمر إلى العالم تأثرت بشكل كبير من خلال ارتفاع تكلفة الشحن البحري.
]]>