أميركا وروسيا في الشرق الأوسط.. صراع النفوذ والأسلحة
جسور – حمادة عبدالوهاب
قال تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، صدر في آذار/ مارس، إن منطقة الشرق الأوسط، تحولت إلى ساحة للصراع على النفوذ بين روسيا والولايات المتحدة، في ظل التصعيد المستمر بين إيران ووكلائها من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، حيث برزت مسألة المنافسة طويلة الأمد بين القوى العظمى في المنطقة. في الوقت الذي يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه يخوض معركة وجودية مع الولايات المتحدة، والشرق الأوسط هو الساحة التي يَعتقد أن روسيا قادرة على تشكيل هذه المنافسة فيها.
وقبل الغزو الشامل لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، برزت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كثاني أهم سوق للأسلحة الروسية. وبرزت روسيا مجدداً كأحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم، في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.
وتُظهر البيانات المتاحة من "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" ("سيبري") أن حصة روسيا من صادرات الأسلحة العالمية، انخفضت قبل غزو أوكرانيا، ومع ذلك، فإن السبب الرئيسي لهذا الاتجاه هو أن الهند، أكبر مشتري للأسلحة الروسية، خفضت بشكل كبير وارداتها من هذه الأسلحة.
وبحسب المعهد الأميركي، استمرت روسيا بالتركيز على مبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط، والتي تتنافس مع المبيعات المهيمنة تقليدياً من الغرب.
ففي شباط/فبراير 2021، ذكرت "الخدمة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري الفني" أن الصادرات العسكرية إلى الشرق الأوسط بلغت حوالي 6 مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس الماضية، أو ما بين 40 و 50 في المائة من إجمالي الصادرات العسكرية. وبرزت روسيا أيضاً كأكبر مورد للأسلحة للجزائر بحلول عام 2021 - وعلى وجه الخصوص، بتزويدها ببعض أنظمتها الأكثر تقدماً، مثل الطائرات المقاتلة، بما فيها "سوخوي 57".
وبعد غزو أوكرانيا، ذكرت التقارير نقلاً عن مسؤولين حكوميين أميركيين، أن الإمدادات الروسية من الأسلحة أصبحت مقيدة بالعقوبات، وضوابط التصدير، وحظر روسيا من استخدام نظام الدفع "سويفت"، وتحوّل تركيزها نحو دعم قواتها في أوكرانيا.
والواقع أن المسؤولين في الشرق الأوسط، أعربوا سراً عن قلقهم عند بداية غزو أوكرانيا، من أن روسيا لن تكون قادرة على الوفاء بالعقود القائمة.
وبعد مرور عامين، تأكدت صحة هذه المخاوف، بعد أن تلقت المؤسسة العسكرية الروسية هزيمة ساحقة على أيدي الأوكرانيين، الأمر الذي اضطر صناعة الأسلحة الروسية إلى تحويل اهتمامها الكامل نحو الحفاظ على قواتها وإعادة تشكيلها في أوكرانيا.
كذلك أدى غزو أوكرانيا، إلى تسريع التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران، بما في ذلك في المجال العسكري. ومن المرجح أن يستمر هذا التوجّه.
وفي أعقاب الغزو، أشارت تقارير متعددة إلى وجود شراكة أوسع نطاقاً في مجال التكنولوجيا الفائقة والدفاع، وبدأ المسؤولون الأميركيون في التعبير عن قلقهم بصورة علنية.
ففي أواخر عام 2022، أشار جون كيربي، المسؤول في "مجلس الأمن القومي الأمريكي"، إلى أن "روسيا تقدم لإيران مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري والفني الذي يغيّر علاقتهما".
صدمة حرب غزة
الخبير في شؤون الأمن القومي الأميركي، سكوت مورغان، يقول إن هزيمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في عام 1991 قبل وقت قصير من تفكك الإمبراطورية السوفييتية، أجبرت السوفييت – الروس، على إعادة تقييم مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، وقد سمح الربيع العربي ومحاولة الإطاحة بنظام الأسد في سوريا لروسيا باستئناف وجودها في المنطقة، لمواجهة نفوذ الغرب وتحديداً الولايات المتحدة.
وأضاف مورغان، لموقع "جسور"، أن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل خلال الصراع الحالي في غزة، أدى إلى تشويه سمعة الولايات المتحدة في عيون الدول الأخرى في المنطقة التي تجد الدعم اللامتناهي لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.
وتابع: "على الرغم من الصراع، فإن الوضع في أوكرانيا جعل المعدات والأسلحة الروسية أكثر قبولا مما يمكن أن يقدمه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بما في ذلك تركيا والصين".
صفقات السلاح
الباحث في العلاقات الدولية هاني الجمل، يقول إنه "في ظل رغبة العالم في إقصاء القطب الأوحد والتحول إلى عالم متعدد الأقطاب، تنحو العديد من الدول الكبري في السيطرة علي منطقة الشرق الأوسط، والتي صارت مسرحًا للحرب بالوكالة بين روسيا وأميركا، من خلال المواجهات غير المباشرة عبر الوكلاء في المنطقة، والتي تمثلت في إسرائيل الحليف الاستراتيجي لأميركا، فضلًا عن إيران الحليف الأكثر أهمية لروسيا في المنطقة، ولكن الأهم من هذه التحالفات تظهر قضية الملفات التي تتسابق حولها الدول الكبرى، وأهمها ملف تجارة الأسلحة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كثاني أهم سوق للأسلحة الروسية".
ويضيف الجمل، لموقع "جسور"، برزت روسيا كأحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، ولكن مع تركيز موسكو على الحرب مع أوكرانيا كان لا بد لواضعي السياسات الخارجية، من مراقبة وضع تجارة الأسلحة الروسية،وكيف تعمل روسيا من خلال علاقاتها الدفاعية في الشرق الأوسط على تعزيز نفوذها ومصالحها الاستراتيجية العامة؟.
ويقوم الوجود الدفاعي الروسي في الشرق الأوسط، على ثلاث ركائز لمبيعات الأسلحة،بجانب التدريبات العسكرية المشتركة مع مصر والسعودية، والوصول إلى القواعد العسكرية، كما في سوريا، واستخدام القوات شبه العسكرية، وعلى رأسها مجموعة "فاغنر" التي صارت ذراعًا قوية في منطقة الساحل الأفريقي، وساهمت بشكل كبير في خروج فرنسا بهذا الشكل المهين، فضلًا عن خروج الهند من سوق شراء الأسلحة قبيل الحرب الروسية الأوكرانية، والذي جعل منطقة الشرق الأوسط هي السوق الراهن للمنافسة علي بيع الأسلحة والتي تمثلت بحوالي 6 مليارات دولار".
وبحسب الباحث في العلاقات الدولية، "استطاعت روسيا السيطرة علي ما يقرب من 40 % منها، وهي منافسة شرسة مع القوى التقليدية المتمثلة في أميركا وأوروبا، ولكن العقوبات الدولية علي روسيا تسببت في تراجع مبيعاتها، مما حدا بالرئيس الروسي بوتين، زيارة كل من السعودية والإمارات، وإعلانه أن الإمارات هي الشريك التجاري الرئيسي لروسيا في العالم العربي، في حين أجرت الجزائر حوارًا عسكرياً مع روسيا في نهاية عام 2023، وذلك من أجل أن تعوض روسيا تراجع مبيعاتها من المحركات العسكرية والطائرات والذي ساهم فيه ظهور المسيرات التركية "بيراقدار" بجانب المسيرات الايرانية التي استقدمتها روسيا بعد ذلك.
ويعتقد الجمل، أن روسيا تواصل البحث عن الوصول إلى قاعدة بحرية في ليبيا،والتي كانت نقطة محورية لأنشطة روسيا في الشرق الأوسط، على مدى السنوات الخمس الماضية، مؤكدا أن موسكو قادرة على تشكيل هذه المنافسة في الشرق الأوسط، في ظل انفتاحها على شركات ثنائية، كما حدث مع مصر والجزائر والإمارات والسعودية وتركيا، من أجل حماية مكتسباتها قبيل الأزمة الراهنة في غزة".


]]>