بعد 13 سنة على الثورة.. أين وصلت تونس؟

جسور – تونس

قبل 13 عامًا، خرج الشاب التونسي أكرم المناعي مع آلاف من رفاقه، للمناداة بإسقاط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في ثورة بدأت بوفاة الشاب محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه احتجاجا على تجاوزات للشرطة بحقه، ممهدًا الطريق أمام ما سمي بـ "الربيع العربي" الذي امتد إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن.. ومرت السنوات، ومازال المناعي يطالب بمحاسبة من أطلقوا النار على المتظاهرين، والاعتراف بهم كمصابي الثورة.

مصابو الثورة
واصيب المناعي بطلق ناري يوم 13 يناير 2011، وكسائر الناس الذين جرحوا في أحداث الثورة، واجه مشكلة للاعتراف به مع المحكمة الإدارية

ويقول في حديثه إلى "جسور": "وُعِدنا بصدور قانون خاص بنا، وأن تُحسن ظروف معيشتنا، والآن يقولون إنه لن يُعترف إلا بمن نُشر اسمه في الجريدة الرسمية التونسية، والأزمة أن التشريع الحالي لا يعترف بأمثالنا من العاملين في الوظيفة العمومية"، مطالبا بإصدار قانون مصابي الثورة على الفور، وعدم الاكتفاء بالوعود المقطوعة منذ أكثر من عامين.

وكذلك ينادي المصابون في أحداث الثورة التونسية بمحاسبة عناصر من قوات الأمن الذين أطلقوا عليهم الرصاص، ما تسبب لهم بعاهات مستديمة مثل الشلل النصفي.

وكان القضاء العسكري قد أصدر أحكامًا بحق عناصر شرطة اتهموا بالاعتداء على المتظاهرين، وصفت بـ"المخففة" من حقوقيين وعائلات الضحايا.

وفي أبريل 2022، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد، مرسوما بمقتضاه تعترف الدولة بحقوق عائلات قتلى ومصابي الثورة "التي جلبت الديمقراطية للبلاد"، ويكفل لهم التعويضات مالية بعد سنوات من التجاهل والإهمال.

وأقر المرسوم أيضا تعويض عائلات قتلى ومصابي عناصر الأمن والجيش، "الذين وقعوا في عمليات إرهابية دفاعًا عن الوطن خلال السنوات الماضية"، إذ فقد عشرات من قوات الشرطة والجيش أرواحهم في مواجهات مع جماعات متطرفة.

تراجع الحريات
وعلى الرغم من تقدم مستوى حرية التعبير في تونس في السنوات التي تلت الثورة، وحفاظ الحكومات المتلاحقة على حد أدنى من احترام حرية التعبير والصحافة، إلا أنها شهدت تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة.

وسجل تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" العام الماضي تراجعا خطيرا في حرية الصحافة والإعلام في تونس خلال السنتين الماضيتين.

وكانت تونس تحتل المرتبة 73 من بين 180 دولة العام 2021، إلا أن ترتيبها انزلق إلى المرتبة 94 العام 2022 ثم المرتبة 120 بداية العام الماضي.

وفي يونيو العام 2023، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، عن قلقه البالغ حيال القيود المفروضة بشكل متزايد على الحق في التعبير وحرية الصحافة في تونس، مشيرًا إلى أنّ "التشريعات الفضفاضة والغامضة" تُستَخدَم من أجل تجريم الصحافة المستقلة وخنق الأصوات المنتقدة.

وقال فولكر: "إنه لأمر مقلق للغاية أن نرى تونس، تلك الدولة التي كانت تحمل في السابق الكثير من الأمل، تشهد انتكاسة وتراجعًا في مجال حقوق الإنسان، وتفقد المكاسب التي تحقّقت بشق الأنفس خلال العقد الماضي".

اتهامات للرئيس التونسي
وفي مايو الماضي، اتهمت نقابة الصحافيين التونسيين، الرئيس قيس سعيّد، بتهديد حرية التعبير في البلاد، مؤكدة أن حرية الصحافة في تونس أصبحت في "وضع سيء للغاية" بسبب الانتهاكات المتزايدة، وتقييد السلطات الوصول إلى المعلومات.

وتصف النقابة هذا التراجع بأنه "محرقة ضد حرية الرأي والتعبير وانتهاك لحق الصحفيين ومحاكمة تعسفية لأصحاب الرأي"، مضيفة أن التلفزيون الرسمي "تحول إلى جهاز دعاية حكومي يقصي الأصوات المعارضة".

ويقول الرئيس السابق للنقابة مهدي الجلاصي: "حرية التعبير تراجعت بشكل كبير جدا مقارنة بالسنوات التي أعقبت الثورة حين تمتعنا بانفتاح كبير في الساحة الإعلامية، وخرجت قوانين جديدة تنظم مهنة الصحافة، وتنزع العقوبات السجنية على قضايا حرية النشر، وتلغي وزارة الإعلام والاتصال، وأصبح استخراج رخص وسائل الإعلام من جهات مستقلة وليست حكومية كهيئة الاتصال السمعي - البصري".

ويضيف الجلاصي، لموقع "جسور"، "لكن منذ 25 يوليو 2021 إلى اليوم، هناك انتكاسة كبيرة في هذا المجال.. اليوم تجد عشرات الصحفيين والمحامين والنشطاء والسياسيين والشباب وغيرهم من محالين إلى القضاء في قضايا نشر، أو على ذمة المرسوم 54 سيئ الذكر، أو لنشر تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي".

إيقافات وملاحقات
بدوره تحدث العياشي الهمامي، وهو محامي وناشط تونسي، عن إيقافات "العشرات" من المساجين السياسيين والنشطاء في المجتمع المدني، وإحالتهم إلى القضاة "الذين يمتثلون إلى التعليمات ويودعون المواطنين مباشرة في السجن"، حسب قوله.

وأضاف في تصريح لموقع "جسور"، "إصدار قيس سعيد المرسوم 54 سيئ الذكر، يتيح توقيع عقوبات جنائية تصل إلى 10 سنوات سجن، لكل من يصدر عنه تعبيرا حرا أو يخالف السلطة، وذلك بتهمة ترويج أخبار كاذبة أو إلى غير ذلك".

لكن الرئيس التونسي قيس سعيد، ينفي المساس بالحريات في بلاده، أو وجود أي قيود على النشر.

وفي أحد خطاباته، قال سعيد إن "كل من ينفي وجود حرية التعبير في تونس، إما أنه عميل أو في غيبوبة فكرية مستمرة.. الحريات لن تُهدَّد أبدًا، لأن لها شعب يحميها، والثورة لها شعب يحميها، والدولة لها مؤسسات تحميها".

]]>

Previous
Previous

سالم الشبزي... ذاكرة يهود اليمن

Next
Next

بـ"النفس الطويل".. إيران تبحث عن نصيب من "كعكة" الدرة