الإجهاض في أميركا.. من قضية رأي عام إلى "ورقة انتخابية"

واشنطن - جسور

اهتمام من نوع خاص حظت به قضية "الإجهاض" في الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة العام 2024، إذ يضع الرئيس الأميركى، جو بايدن، الحقوق الإنجابية وحق الإجهاض بشكل مباشر، كأولوية في حملته الانتخابية، فقد استضاف تجمعًا قائمًا على الدفاع عن حقوق الإجهاض، وحصل على ثلاثة موافقات رفيعة المستوى من مجموعات مخصصة لهذه القضية، وأعلن أمرًا تنفيذيًا يستهدف تعزيز الوصول إلى وسائل منع الحمل.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الإجهاض أصبح قضية صعبة بالنسبة للجمهوريين، لأن معظم الأميركيين يؤيدون الحق فى الإجهاض، بعد أن قامت المحكمة العليا الأميركية التى يهيمن عليها المحافظون العام الماضي، بإلغاء الحق الفيدرالى فى إنهاء الحمل.

وحصل بايدن ونائبته كامالا هاريس، على تأييد مؤسسات "صندوق العمل من أجل أبوة مخطط لها"، و"نارال من أجل حق الاختيار"، و"قائمة إيملى". وتعلن هذه الجماعات عن دعمها المبكر لإعادة انتخابات بايدن وهاريس جزئيا، لتسليط الضوء على أهمية هذه القضية بالنسبة للديمقراطيين.

موقف ترامب
بدوره قال الرئيس الأميركي السابق ومرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، خلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" في ولاية أيوا، في شهر يناير، إنه فخور بأن المحكمة العليا أنهت الحماية القانونية الممنوحة للإجهاض، وقال "على مدى 54 عاماً، كانوا يحاولون إنهاء قضية الإجهاض، وقد فعلتُ ذلك.. وأنا فخور بأنني فعلت ذلك".

وتعرضت حملة ترامب للتوبيخ سابقاً من قبل المجموعة الرئيسية المناهضة للإجهاض، لوصفها الإجهاض بأنه "قضية تخص الولايات".

تحذيرات أممية 
وفي يونيو 2023، حذر خبراء أمميون في مجال حقوق الإنسان من أن ملايين النساء والفتيات في جميع أنحاء الولايات المتحدة عانين من تدهور مقلق في الوصول إلى الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، في أعقاب قرار المحكمة العليا الأميركية بإلغاء الحق الدستوري في الإجهاض في يونيو 2022.

وقال الخبراء إن "الموقف الرجعي الذي اتخذته المحكمة العليا الأميركية من خلال تفكيك سابقة عمرها 50 عاما من حماية الحق في الإجهاض في البلاد، يعرض ملايين النساء والفتيات لخطر جسيم".

وأشار الخبراء إلى انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان، نجمت عن القرار التاريخي الذي ألغى القرار المعروف باسم "رو ضد ويد" الصادر عام 1973 – وأعاد قانون الإجهاض إلى المجالس التشريعية للولايات.

وتسبب الحظر في تعذر الوصول إلى خدمات الإجهاض إلى حد كبير، وحرمان النساء والفتيات من حقوقهن الإنسانية الأساسية في الرعاية الصحية الشاملة، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية.

وحذر الخبراء، من أن هذا الأمر قد يؤدي إلى انتهاك حقوق المرأة في الخصوصية، والسلامة الجسدية والاستقلالية، وحرية التعبير، وحرية الفكر، والوعي، والدين أو المعتقد، والمساواة وعدم التمييز، وعدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، والعنف القائم على النوع الاجتماعي

كما نبهوا أيضا إلى التأثير غير المتناسب لهذا الحظر على النساء والفتيات اللواتي يعانين من الحرمان، وخاصة النساء والفتيات من المجتمعات المهمشة، والأقليات العرقية والإثنية، والمهاجرين، والنساء والفتيات من ذوات الإعاقة، أو اللواتي يعشن على دخل منخفض، أو في علاقات مسيئة أو في المناطق الريفية.

تاريخ قضية الإجهاض
كان الإجهاض عند الطلب مشروعا في أربع ولايات في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، بينما سمحت به 14 ولاية أخرى في بعض الظروف.

بينما عارضت الكنيسة الكاثوليكية الإجهاض، كانت الكنيسة المعمدانية الجنوبية، وهي أكبر طائفة إنجيلية، تقول على المستوى الرسمي، إنه يجب السماح به في كثير من الظروف. ولم يكن أي من الحزبين ينظر إلى الإجهاض على أنه قضية حاسمة.

الناخبون كذلك لم يكونوا ينظرون إلى القضية من منظور حزبي. فقد وجد استطلاع للرأي العام أجرته هيئة المسح الاجتماعي عام 1977 أن 39 بالمئة من الجمهوريين، قالوا إنه يجب السماح بالإجهاض لأي سبب من الأسباب مقارنة بنسبة 35 بالمئة من الديمقراطيين.

في السنوات اللاحقة، بدأ نشطاء محافظون مثل فيليس شلافلي في طرح هذه القضية باعتبارها تهديدا للقيم التقليدية، وقاموا بحشد دعم الكنائس الإنجيلية التي أظهرت اهتماما على غير العادة بالسياسة، بعد سلسلة من الأحكام القضائية التي قيدت إقامة الصلوات في الأماكن العامة.

صورت هذه المجموعات الإجهاض على أنه تهديد لنسيج الأسرة جنبا إلى جنب مع التطورات الاجتماعية الأوسع، مثل حقوق المثليين وارتفاع معدلات الطلاق وعمل النساء خارج المنازل. 

وقالت ماري زيجلر المؤرخة القانونية في جامعة كاليفورنيا ديفيز، إن الإجهاض أصبح بالنسبة للقساوسة ورعية الكنائس، قضية دالة على المخاوف بشأن مجتمع آخذ في التحرر.

وفي عام 1980، أصدرت الكنيسة المعمدانية الجنوبية قرارا يعارض الإجهاض في ارتداد عن موقفها السابق، كما منح فوز الجمهوري رونالد ريغان بالرئاسة في نفس العام معارضي الإجهاض مناصرا قويا لقضيتهم في البيت الأبيض.

 وفي الوقت نفسه، اكتسب نشطاء حقوق المرأة مزيدا من النفوذ داخل الحزب الديمقراطي ودفعوا قادة الحزب إلى دعم حقوق الإجهاض. لكن الدعم الذي حصل عليه حكم قضية رو لم يكن يتوافق بالضرورة مع التوجهات الحزبية.

اقرأ أيضا: الولايات المتأرجحة.. كلمة السر في حسم الانتخابات الأميركية 

في السنوات التي تلت ذلك، أصبحت الخطوط الفاصلة أكثر وضوحا حيث وجد المرشحون السياسيون أنه من الضروري بشكل متزايد أن يتوافقوا مع النشطاء الذين أصبحوا أكثر نفوذا داخل أحزابهم، على سبيل المثال الجمهوري جورج بوش، وهو معارض للإجهاض أيد في السابق حقوق الإجهاض، فاز بالرئاسة في عام 1988. وفي عام 1992 هزمه الديمقراطي بيل كلينتون، مؤيد حقوق الإجهاض الذي عارض الإجهاض في وقت سابق.

منذ عام 1989، تبرعت مجموعات الدفاع عن حقوق الإجهاض بمبلغ 32 مليون دولار للديمقراطيين وثلاثة ملايين دولار للمرشحين الجمهوريين الذين يدعمون الحفاظ على شرعية الإجهاض، بحسب موقع "أوبن سيكرتس" التي تتعقب حركة الأموال في السياسة. 

وبحلول مطلع القرن الحادي والعشرين، كان 31 بالمئة فقط من الجمهوريين هم من يؤيدون الإجهاض عند الطلب، بينما ظل الدعم الديمقراطي ثابتًا عند 45 بالمئة وفقا لاستطلاع لهيئة المسح الاجتماعي العام.

]]>

Previous
Previous

مقديشو وبونتلاند.. خلافات تهدد وحدة الصومال

Next
Next

الولايات المتأرجحة.. كلمة السر في حسم الانتخابات الأميركية