"لاعب الظل".. كيف تستفيد الصين من "المد الروسي" في أفريقيا؟

بينما يتوسع النفوذ الروسي بشكل مطرد في دول الساحل والصحراء الأفريقية، تجد بكين الفرصة سانحة "لتحقيق المكاسب" في تلك الدول، التي تتمتع بموارد طبيعية ضخمة، تاركة لـ"حليفها الاستراتيجي" أعباء الصدام المباشر مع الدول الغربية.

وتسعى الصين إلى تأكيد مكانتها، كأكبر شريك تجاري رئيسي لقارة إفريقيا، إذ تتركز استثماراتها في مشروعات البنية التحتية والتعدين، حيث أظهرت بيانات الهيئة الوطنية العامة للجمارك، أن التجارة بين الصين وأفريقيا وصلت إلى 282.3 مليار دولار خلال العام 2023.

الصين "المخ" وروسيا "العضلات"
ويقول كبير الباحثين في المركز المغاربي للإعلام والدراسات عز الدين عقيل، إن روسيا تمكنت من إعادة ترتيب أوراقها خلال الفترة الماضية بأفريقيا، فبعد الإطاحة بمجموعة "فاغنر"، واستبدالها بـ"الفيلق الأفريقي"، أصبح لها شبكة من التواجد العسكري، تمتد من ليبيا شمالا إلى النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغيرها من الدول جنوب الصحراء.

وفي الوقت الذي تبدي فيه الدول الغربية انزعاجها من التوغل الروسي في أفريقيا، تجد الصين الفرصة للعب دور من خلف الكواليس، كما يقول عقيل، متابعا: "موسكو هي العضلات، أما الصين فهي تتحرك من وراء ستار لتثبيت مصالحها الأكبر في أفريقيا".

لكن الأمر ليس مقصورا فقط على الأهداف الاقتصادية، حسب عقيل، بل أن بكين تستهدف من دعم تحركات روسيا في أفريقيا الرد على الشراكة الأمنية التي أعلنتها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ضمن اتفاقية "أوكوس"، التي ترى أنها "موجهة ضدها"، ما يجعل الوضع الحالي أشبه بجولة جديدة من الحرب البادرة التي دارت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وشهدت تنافسا محموما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على المسرح العالمي.

أفريقيا في قلب الصراع
ويرى رئيس وحدة الدراسات الأفريقية في مركز العرب بالقاهرة رامي زهدي، أن الوضع الهش سياسيا واقتصاديا وعسكريا للدول الأفريقية، جعلها في قلب الصراع العالمي على النفوذ بين معسكر الصين وروسيا ومعسكر الدول الغربية.

ووسط تراجع فرنسي واضح في دول أفريقية كانت تعد "مناطق نفوذ تاريخية" لباريس، وجدت روسيا ومن خلفها الصين منفذا لهذه الدول التي الآن بإمكانها أن تتعامل معهما كبديل للحليف الفرنسي القديم، وفق زهدي.

وستستفيد بكين من قدرة روسيا على "التموضع" جيدا في القارة الأفريقية عبر أدواتها السياسية والعسكرية والمعلوماتية، وسيتشبث هذا التحالف بمكاسبه، خصوصا الاقتصادية، لأنه يعلم أنها ستكون ورقة ضغط يمكن استخدامها على طاولة المفاوضات في أي ملف آخر. 

نفوذ بطابع "استعماري"
ويرى مؤسس ورئيس معهد "الدفاع عن الديمقراطيات" كليفورد ماي، أن التأثير الأميركي والأوروبي، وبالتحديد فرنسا، تناقص بشكل مطرد في أفريقيا مقابل ازدياد النفوذ الصيني والروسي، الذي وصفه بأنه نوع جديد من "الإمبريالية" وأحيانا من "الاستعمار" أيضا، حسب قوله.

وضرب ماي، في حديثه إلى "جسور"، مثلا بالوضع في الكونغو الديمقراطية، التي تعد أكبر مصدر للفحم في العالم، إذ تسيطر بكين على المناجم في هذه الدولة الأفريقية، وتستخدم الأطفال "الذين لا يملكون حتى قفازات" للعمل فيها، وهم يسكنون "أكواخا" تفتقر أبسط مقومات الحياة، معقبا: "الصين أيضا تتسبب في ضرر بيئي خطير للكونغو، وكل هذا في إطار استغلالها الواضح لأفريقيا".

- اقرأ أيضا: مشروعات صينية معطلة.. هكذا تسببت الانقسامات في أزمة إسكان ليبية

ويلخص رئيس المعهد الأميركي سياسة الصين الحالية، في أنها "تسعى إلى إيجاد نظام عالمي جديد" قائم على بكين، يصنع من خلاله الحزب الشيوعي الصيني القواعد (الجديدة)  للعالم، ما يعني انهيار النظام الدولي الحالي، الذي انبثق بعد الحرب العالمية الثانية، وحاولت من خلاله الولايات المتحدة "ترسيخ القانون الدولي".

وتشير تقارير البنك الدولي، إلى أن قروض الصين للدول الأفريقية بلغت خلال 20 عاما نحو 696 مليار دولار، في حين تقدر تقارير حول أسواق الاستدانة في أفريقيا، بأن القارة كانت وجهة لنحو 12% من إجمالي عمليات الإقراض الدولي الصينية للقطاعين العام والخاص، وقد تضاعفت نحو 5 مرات في الفترة بين 2000 و2020.

ووجه مسؤولون غربيون انتقادات لاذعة لسياسة القروض الصينية في أفريقيا معتبرين أنها فخاخ ونوع من أنواع الهيمنة، مطلقين عليها اسم "دبلوماسية الديون الصينية".

]]>

Previous
Previous

بعد ثمانية أجزاء.. هل حان وقت استراحة "الكبير أوي"؟ 

Next
Next

أميركا وروسيا في الشرق الأوسط.. صراع النفوذ والأسلحة