أسماء الأسد.. رحلة السيدة الأولى من النفوذ الاقتصادي إلى اللوكيميا
علاقة معقدة تمتد، بين أصعب أنواع السرطان المسمى بـ "اللوكيميا"، وقرينة الرئيس السوري، أسماء الأسد، التي أعلنت الرئاسة السورية إصابتها بمرض سرطان الدم، لتستكمل السيدة الأولى في سوريا رحلة جديدة، لم تعرف نهايتها، و لا متى يتوقف قطار رحلتها مع هذا المرض، بعد ظهور أعراض وعلامات سرسرية مرضية تبعتها سلسلة من الفحوصات والاختبارات الطبية، التي تم تشخيصها بمرض الابيضاض النقوي الحاد (لوكيميا)»، بحسب بيان الرئاسة السورية.
ومن المنتظر أن تخضع أسماء الأسد لبروتوكول علاجي متخصص يتطلب شروط العزل مع تحقيق التباعد الاجتماعي المناسب، لتصبح السيدة الأولى في سوريا، مجبرة في الوقت الحالي، على الابتعاد عن جداول أعمالها التي أسست لها في الخارج والداخل على امتداد زمن ليس بالقصير، من سُكنة القصر الحاكم.
أسماء الأسد ورحلة السرطان المستمرة
وهذه هي المرة الاولى التي يكشف فيها عن إصابة أسماء الأسد بالسرطان، حين كشفت الرئاسة السورية، عام 2018، إصابتها بورم خبيث بالثدي اكتشفته مبكراً.
وفي عام 2019، خضعت أسماء الأسد لعملية جراحية لعلاجها من سرطان الثدي، لتظهر صور رسمية نشرتها الرئاسة السورية للسيدة الأولى مرتدية قميصاً قطنياً أزرق، تداولته كافة منصات السوشيال ميديا ووكالات الأنباء والصحف المحلية والعالمية.
و تعد أسماء الأسد، البالغة من العمر 48 عاماً، في سوريا، أكثر من سيدة أولى أو ظل لقرينها الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تصاعد دورها الرسمي في ادارة عدد من المؤسسات السورية في سنوات الحرب، حيث انتشرت عدة تقارير محلية تتحدث عن دور اقتصادي محوري تلعبه أسماء الأسد على أنقاض البلاد المتهالكة معيشيا وماليا، حتى طالتها العقوبات الاميركية بسبب ”عرقلة أسماء الأسد للجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي، واستخدام ما يسمى بالمنظمات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني لترسيخ سلطة النظام“ كما قالت وزارة الخارجية الأميركية.
وأسماء الأسد بالرغم من جذورها التي تمتد إلى محافظة حمص (وسط سوريا)، إلا أنها وُلدت ونشأت في بريطانيا لوالد يعمل طبيب قلب في بريطانيا ويدعى فواز الأخرس، ووالدتها دبلوماسية اسمها سحر عطري، وتحمل إجازة جامعية من كينغز كوليدج في لندن، لتعود أسماء الأخرس إلى سوريا بعد لقاء بشار الأسد، وتزوج الاثنان منذ 24 عاماً ولديهما 3 أبناء هم حافظ وزين وكريم.
ودخلت أسماء الأسد خلال السنوات الأخيرة في صراعات داخلية مع عدد من أقطاب النظام السورية بما في ذلك ال مخلوف، أخوال الرئيس السوري بشار الأسد الذين كانوا يتمتعون بنفوذ واسع قبل الصعود السريع الأخير لأسماء الأسد.
وبحسب الكاتب أيمن عبد النور وهو سياسي وكاتب أميركي من أصل سوري، فإن الدور الاقتصادي لأسماء الأسد، لافت وغير مسبوق اذ لم تشهد سوريا منذ تاريخها الحديث، أن تتواجد السيدة الأولى، في مقرات سياسية، وإدارية، بعيدا عن الدوري التقليدي لزوجة الرئيس، و هو الدور الاجتماعي أو الإنساني ودعم الأطفال المحرومين أو الأيتام، أو أعمال الإغاثة، ومحو الأمية، لتنتقل إلى تطوير الصناعة والزراعة والهيمنة على الاقتصاد، وهذا غير مسبوق في أي بلد في العالم.
أكثر من مجرد سيدة أولى:
بعدما تخلصت أسماء الأسد من كل خصومها السياسيين، والاقتصاديين، بفترة وجيزة، وأبرزهم آل مخلوف، ومصادرة أموالهم، ومن أبرزهم رامي مخلوف، نجحت في السيطرة على عقل وحديث الرئيس السوري بشار الأسد بحكم الزواج، حتى انصهرت شخصية بشار في شخصيتها، بكل المحافل الدولية والمحلية وأمام الرأي العام، و أصبح بشار الأسد لا يتحدّث إلا في وجودها، و يقول: "أسماء وأنا"، كما تصدر اسم السيدة الأولى حديث الرئيس إلى الجمهور في كلّ جملة وكلّ شأن يتحدّث فيه.
و بدأت أسماء الأسد رحلة جديدة في العمل على السيطرة على الاقتصاد السوري، بمصادرة أموال عدد كبير من رجال الأعمال بخلاف خصومها، وإبعادهم عن الميدان الاقتصادي، لتبدأ معها خصومات كثيرة امتدت للشعب السوري نفسه، الذي رأى في هيمنتها سببا لتدني أحواله المعيشية، بعدما قامت بتأميم الاقتصاد السوري لصالحها وعائلتها فقط.
يقول أيمن عبد النور، إن أسماء الأسد، أصبحت المرجع لكل رجال الأعمال السوريين، بعد أن قامت بمصادرة أموالهم، وفرغتهم من مشروعاتهم لصالحها، و نقلت كل أملاك رامي مخلوف إليها، بل هيمنت على أملاك كل أقاربه، وشقيقاته، وأصبحت مسيطرة وتدير كل الاقتصاد، بل تحولت إلى شريكة في الحكم.
وأشار عبد النور في حديثه إلى "جسور"، إلى أنه ولأول مرة تأتي الأوامر في الوزراء عن طريق مكتب المتابعة في رئاسة الجمهورية، ولا نعرف من أين يصدر الحكم؟ من بشار الأسد؟ أم أسماء الأسد؟، مثال بيانات التعزية و النعي، فكلها لا تصدر باسم بشار الأسد وحده، بل من أسماء الأسد.
كما سيطرت أسماء الأسد على الأدوار الرئاسية، وأصبحت تسيطر على التعيينات المدنية والإدارية، وأصبحت البلد تدار برأسين، الأمن والجيش في يد بشار الأسد والمال والاقتصاد والسياسية في يد أسماء الأسد، بحد قوله.
وقال عبد النور إن أسماء الأسد قامت بشراء كل الأراضي الزراعية، بعد تدخلها في الساحل السوري، كما تشتري كل المنتجات الزراعية، وأصبحت لها علاقات مع القرى الصغيرة مع العلويين، وهو ما أزعج العلويين، كما عائلة مخلوف التي تزيد سمعتها في العمل المدني على مدار خمسين سنة، وترغب في السيطرة على جمعيات العمل المدني والخيري، حتى أنها أصبحت تهيمن على كل مشروعات رامي مخلوف، وشقيقاته بعد أن تم تسميمه منذ فترة.
سيدة الجحيم الأولى
وبالرغم من الصورة الناعمة التي حاولت السيدة الأولى في سوريا تصديرها، بالخارج، إلا أنه ومع بداية الثورة السورية، دائما ما ظهرت صورة مغايرة لما طمحت فيه أسماء الأسد، ضاعت معها كل الجهود التي بذلتها لسنوات، حيث لم تجد أول إطلالة إعلامية دولية لأسماء الأسد قبل ثمانية سنوات، بشعرها ”المجعد ومكياجها المثالي ونبرتها الرصينة في الحديث"، إلا العقوبات الخارجية، وهجوم وسائل الإعلام عليها.
حتى أن صحيفة "الغارديان" البريطانية، وصفت أسماء الأسد، بعد ثمانية سنوات من قيام زوجها بإلقاء البراميل على شعبه وتعزيز أزمتهم، بأنها "سيدة الجحيم الأولى".
وتساءلت الصحيفة البريطانية: " كيف وافقت هذه السيدة اللندنية الأنيقة والذكية على وحشية النظام الذي يرأسه زوجها؟"، خاصة وأن أسماء الأسد على عكس الرجل الذي تزوجته، لم تكبر في قصر ديكتاتور متوحش بل في منزل جميل في منطقة أكتون البريطانية.
وأضافت "لم يتوقّع أحد أن زوجته الجذابة المولودة في بريطانيا والتي عاشت الانفتاح والحرية ستصبح أحد أعمدة النظام الذي لم تقل وحشيته في عهد الأسد الابن عما كانت عليه في عهد والده، حتى أضحت أسماء شريكة كاملة فيما يحدث في سوريا من جرائم بكونها على رأس هرم السلطة الفاسدة في سوريا.
الأمر الذي فسره الكاتب السياسي أيمن عبد النور، بأن مرض أسماء الأسد، وحيرة بشار الأسد فيمن يخلفه سيعقد جدا المشهد السياسي في سوريا في الفترة القادمة، لأن أسماء كانت المؤهلة إذا صارت مشكلة بين بشار مع الأمم المتحدة، لكي تكون رئيسة للجمهورية، فأصبحت المشكلة أعمق بعد إبعادها بهذا المرض وصغر سن ابن بشار، الأمر الذي يعقد المشهد السوري.
]]>