الذكرى الـ35 لسحق "احتجاجات تيانانمن" في الصين.. مشاعل انطفأت هنا وأنارت هناك
قد يعجز الإنسان عن تحقيق حريته، في بعض الأوقات، ولكن تجربته رغم إجهاضها في أرضه التي يعيش عليها نتيجة القمع، قد تتحول لأيقونة تساعد في تحرير الملايين الأخرين في بقاع أخرى.. هذا ما تحكيه الذكرى الخامسة والثلاثون لاحتجاجات "تيانانمن" عام 1989، والتي قام خلالها الشعب الصيني بالسعي وراء الحرية، والمطالبة بالديمقراطية، والتخلص من العبودية.
هذه الذكرى التي قام بها الآلاف من المنافحين عن حرية الشعب الصيني، وإن تم إجهاضها بوحشية فى نهاية عنيفة، حين أرسل الحزب الشيوعي الصيني جيش التحرير الشعبي إلى ميدان تيانانمن في 4 حزيران/يونيو 1989، مسلحًا بالدبابات والبنادق، إلا أنها امتدت بآثارها الناصعة التي تحمل مشاعل الحرية، إلى إشعال النيران في صدور المظلومين في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية للمطالبة وتحقيق التغيير الديمقراطي.
مذبحة تيانانمن
وبالرغم من مرور خمسة وثلاثين عامًا، على مذبحة تيانانمن، لا يزال العدد الحقيقي للمفقودين أو القتلى من المحتجّين مجهولا، ولا يزال الحديث عن تلك الأحداث، موضوع حساس للغاية في الصين، جيث تم مؤخراً تفكيك وإزالة عدد من النصب التذكارية القليلة التي لها علاقة بتلك الأحداث من ثلاث جامعات في هونغ كونغ.
ماذا حدث في تيانانمن؟
في عام 1989 أصبحت ساحة تيانانمن في بكين بؤرة احتجاجات ضخمة قمعها حكام الصين الشيوعيون، بعدما بدأ الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، خلال حقبة الثمانينيات، بالسماح بعمل بعض الشركات الخاصة والاستثمار الأجنبي، رغبة من الزعيم دينغ شياو بينغ، في تعزيز اقتصاد البلاد ورفع مستويات المعيشة للناس، لكن هذه الخطوة جلبت معها الفساد أيضاً، ولكنها في الوقت نفسه بعثت الأمل في مزيد من الانفتاح السياسي.
انقسم الحزب الشيوعي إلى فريقين، أحدهما يحث على التغيير السريع والأخر أراد الحفاظ على تحكم الدولة بمفاصل الحياة بحزم.
وفي منتصف الثمانينيات، قاد الطلاب احتجاجات في العاصمة بكين، وكان من بين المشاركين أشخاص عاشوا في الخارج وتبنوا أفكاراً جديدة وعاشوا مستويات معيشية أفضل.
وبشكل مفاجئ، لم تعد له الإدارة الحاكمة في الصين حسابا، اندلعت شرارة المظاهرات بعد وفاة السياسي البارز، هو ياوبانغ، الذي أشرف على بعض الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والذي تم طرده من منصب رفيع في الحزب الشيوعي قبل ذلك بعامين من قبل خصومه السياسين.
وفي أبريل/نيسان، تجمع عشرات الآلاف لحضور جنازته، مرددين شعارات تطالب بمزيد من حرية التعبير وتخفيف الرقابة، حتى نجحوا في حشد أعداد كبيرة، كونت في الأسابيع التالية، نواة لتظاهرات مليونية، في ساحة تيانانمن التي تعد من أشهر معالم العاصمة بكين.
لم تتخذ الحكومة أي إجراءات مباشرة ضد المتظاهرين في ساحة تيانانمن، كما اختلف مسؤولو الحزب حول كيفية التعامل معها، ما بين مؤيد لفكرة تقديم بعض التنازلات، ومن يريد اتخاذ موقف أكثر تشدداً. وفي النهاية كانت الغلبة لموقف المتشددين.
إطلاق النيران في ساحة تيانانمن
ومع الأيام الأخيرة من شهر مايو/أيار، فرض النظام الحاكم في الصين الأحكام العسكرية في بكين، وفي اليوم الثالث من شهر يونيو/ حزيران 1989، بدأت القوات في التحرك نحو ساحة تيانانمن، وفتحت النار على المتظاهرين وسحقتهم واعتقلت العديد منهم بغية استعادة السيطرة على المنطقة.
وبحسب وثائق بريطانية تم الكشف عنها مؤخراً، بينت من خلال برقية دبلوماسية من السفير البريطاني في الصين آنذاك، السير آلان دونالد، قالت إن عشرة آلاف شخص لقوا حتفهم.
إلا أن الحكومة الصينية، نفت هذه المعلومة، وقالت إن 200 مدني وعشرات من رجال الأمن قد قتلوا، في الوقت الذي تؤكد تقديرات أخرى، أن أعداد الضحايا تراوحت بين مئات إلى عدة آلاف من القتلى.
صور لا تنسى
ومن المشاهد والصور التي لا تنسى، في أحداث واحتجاجات ساحة تيانانمن، صورة "رجل الدبابة"، الذي واجه في يوم 5 يونيو/حزيران 1989، رتلا من الدبابات المتوجهة نحو الساحة، وكان الرجل يحمل حقيبتي تسوق، وتم تصويره وهو يسير لمنع الدبابات من التقدم، وتم جره من قبل رجلين، ولا أحد يعلم ما حلّ به بعد ذلك، لكن صورته أصبحت رمزاً ومثلاً للصمود في تلك الاحتجاجات.
هذه الصورة مثلت مشعلا لحماس رجال أخرين مدافعين عن الحرية، كما حدث في مصر حينما وقف شاب يحمل حقيبته على ظهره في مصر، ويواجه سيارة قوات الأمن التي تقوم برش المياه على المتظاهرين خلال أحداث ثورة 25 يناير .
وباستمرار تحذف المنشورات المتعلقة بمذبحة تيانامن بانتظام من الإنترنت، وتراقب الحكومة الصينية بإحكام كل ما يتعلق بهذه الاحتجاجات، حتى لا يعلم هذا الجيل من الشباب الذي لم يعاصر تلك الاحتجاجات ما جرى فيها.
]]>