مصفاة روسية في ليبيا.. التفاف على العقوبات أم استغلال سياسي؟
تساؤلات عدة أثارتها المحادثات بين السلطات في شرق ليبيا وشركة "تات نفط" الروسية حول إنشاء مصفاة للنفط في مدينة بنغازي.. فهل تكون المصفاة بوابة موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على نفطها؟، أم الهدف هو استغلال سياسي للبلد العربي في شمال أفريقيا؟
ودارت المحادثات بين الطرفين خلال منتدى "روسيا - العالم الإسلامي"، الذي عقد في مدينة قازان بتتارستان، حسب ما كشفه وزير الاستثمار في حكومة شرق ليبيا، علي السعيدي، في تصريحات إلى وكالة "نوفوستي" الروسية".
ودعا السعيدي مسؤولي "تات نفط" إلى زيارة ليبيا لدراسة المشروع، مذكرا بـ"المصاف" الليبية في مناطق "السدرة ورأس لانوف وزويتينة ودرنة"، ورد مسؤولو الشركة الروسية، التي تنشط في ليبيا، بأنهم مهتمون بالمشروع.
وطرح السعيدي صراحة أن المصفاة "يمكنها تسهيل الوضع" أمام روسيا في ظل الصعوبة التي تلقاها في تسويق خامها بسبب العقوبات والحظر، حيث يمكن نقل النفط الروسي إلى المصفاة في ليبيا ومن ثم بيع المشتقات الناتجة عنه.
النفوذ الروسي في ليبيا
ويرى الكاتب والدبلوماسي الليبي السابق رمضان البحباح، إن هناك صراعا للسيطرة على الفضاء الليبي، نظرا للأهمية الكبيرة التي تحظى بها البلاد من الناحية الجيوسياسية، معقبا: "التواجد الروسي في ليبيا والقارة الأفريقية تضيف لها قوة في مواجهة أوروبا.. والصراع والتشظي الداخلي هو من مكن روسيا من التوغل في ليبيا بهذا الشكل".
وحذر من أن العالم في حالة استقطاب كبيرة جدا، وصراع بين قوى عظمى، ضاربا المثل بساحة الحرب في أوكرانيا، التي تستخدم فيها كل القدرات العسكرية والاقتصادية، وأردف: "عندما تكون هناك حرب على هذا المستوى عالميا، تبدأ في الانعكاس على الدول الضعيفة والهشة مثل ليبيا، التي من الممكن أن تصبح ساحة حرب هي الأخرى كما كانت في الحرب العالمية الثانية".
وشدد على أنه في ظل الانقسام السياسي والاقتصادي داخل ليبيا حاليا، "فلا يمكن الحديث عن امتلاك طرف داخلي الشرعية على حساب آخر"، مشددا على أن المصالح الروسية تتمثل حاليا في إبرام العديد من الاتفاقيات مع أي طرف يتجاوب مع موسكو.
موقع جغرافي مميز
وبدوره، أكد الخبير النفطي الليبي محمد يوسف، أن الصراع الدولي لا يجري في فراغ جغرافي، بل هو صراع على الموارد، وليبيا محط أنظار بحكم موقعها الجغرافي المميز في أفريقيا والبحر المتوسط.
وفيما يتعلق بحاجة ليبيا إلى مشروعات تكرير، أكد أن تجربة ليبيا كانت رائدة في القرن الماضي، حين نجحت في توطين صناعة التكرير في مصاف الزاوية ورأس لانوف والسرير وطبرق ومرسى البريقة، وتمتلك حاليا طاقة تكريرية بقدرة 380 ألف برميل في اليوم.
لا منطق اقتصادي
ونبه الخبير الاقتصادي محمد الشحاتي، على أنه لا يوجد أي منطق اقتصادي في المشروع، لأن روسيا لا تحتاج إلى تكرير نفطها خارجها، فلديها أسواقها الخاصة، ونجحت حتى الآن في بيع كامل إنتاجها، كما تحايلت على الحصار الأوروبي.
وعقب: "الموضوع سياسي، ونحن نرحب بالاستثمارات" لكن تكون على مبدأ المنفعة المتبادلة، أما روسيا فتنتج 11 مليون برميل نفط يوميا تستهلك معظمهم، وأحيانا تستهلكها كلها، وفي بعض الأوقات توقف الصادرات النفطية إلى الخارج.
واختتم: "موسكو عندها طاقة تكريرية كبيرة، وتستطيع أن تكرر نفطها الخام وحتى النفط الليبي أيضا.. فلماذا تستثمر 6 مليارات دولار في مصفاة بليبيا؟".
النفوذ الروسي في ليبيا
وبدأ رصد النفوذ الروسي في ليبيا منذ العام 2018، حينما توافد عناصر مجموعة "فاغنر" العسكرية على البلاد وشاركت في الحرب التي دارت بالعاصمة طرابلس خلال الفترة من 2019 إلى 2020، ثم كانت موسكو حاضرة على المشهد الاقتصادي بشكل واضح عندما قبلت طباعة العملة المحلية "الدينار الليبي" لصالح مصرف ليبيا الموازي شرق البلاد.
وأعادت روسيا خلال العام الجاري ترتيب أوراقها العسكرية في البلاد، بعد انتهاء دور فاغنر، ليحل مكانة "الفيلق الأفريقي" الذي اتخذ من ليبيا قاعدة لعملياته العسكرية التي شملت عدة دول أفريقية منها النيجر وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى وغيرها.
اقرأ أيضا: بـ"الفيلق" و"ألعاب السياسة".. روسيا تتوغل في أفريقيا
]]>