بعد ارتفاع التضخم لـ 75.5% بتركيا.. هل فشل أردوغان في احتواء الأزمة الاقتصادية؟؟.. خبراء يجيبون

 

"ارتفاع التضخم في تركيا أمر مؤقت، ونناقش مع الحكومة خطوات حاسمة لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة"، تصريحات ووعود متكررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم تجد نفعا أمام حالة الغليان التي يمر بها الشارع التركي، بعد الصدمة التي تلقاها مجددا للمرة الرابعة على التوالي، بالإعلان عن ارتفاع التضخم لمستويات قياسية سجلت 75.5% سنويا، خلال مايو/أيار الماضي.

 

 ليتجاوز التوقعات، وهو ما يمثل ذروة أزمة تكلفة المعيشة التي طال أمدها في البلاد، وفقا لبيانات رسمية .

 

تصريحات متكررة

 

هذه لم تكن المرة الأولى التي يدلي فيها الرئيس التركي بمثل هذه التصريحات، مع كل ارتفاع للتضخم، حيث سبق وأدلى حين ارتفع التضخم في يوليو /تموز 2022 إلى 47.8 %، بتصريحات أكد فيها أن هذا الارتفاع مؤقت، وسينتهي سريعا، إلا أن التضخم استمر في الارتفاع ووصل إلى 60 % بحلول نهاية العام بسبب زيادات ضريبية وانخفاض قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأخرى.


ليجد التضخم نفسه في نهاية مايو الماضي من العام 2024، مسجلا أكثر من 75%، ويضطر النظام التركي لتخفيض قيمة العملة التركية أمام الدولار، بنحو 33 ليرة للدولار الواحد، ومع اضطراب سعر الليرة، وارتفاع التضخم، لم يتبق سوى شيء واحد استمر على معدله الطبيعي، ألا وهو تصريحات الرئيس التركي الذي طالب عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، من الشعب التركي التحلي بالصبر والإيمان بالحكومة، أمام وعوده بأن الاقتصاد سيظهر تحسنا في المستقبل القريب.

يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيها البلاد موجة غير مسبوقة من غلاء الأسعار وارتفاع مستوى التضخم السنوي.


ووفق بيانات هيئة الإحصاء التركية ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك 22.72 في المئة مقارنة بديسمبر/كانون الأول الماضي، و62.51 في المئة مقارنة بمتوسط الاثني عشر شهرًا الأخيرة.


وسجلت أسعار الملابس و الأحذية أقل ارتفاعًا مقارنة بالعام السابق بنسبة بلغت 50.85 في المئة، بينما سجل التعليم أعلى زيادة بنسبة بلغت 104.80 في المئة.


وعلى صعيد النفقات الأساسية ومقارنة بالشهر السابق، سجلت الاتصالات أقل زيادة بنسبة بلغت 1.01 في المئة، وفي المقابل سجلت الملابس والأحذية أعلى زيادة بنسبة بلغت 9.60 في المئة.


وارتفع 114 بندًا من إجمالي 143 بندًا يشملهم المؤشر، في حين انخفض 23 بندًا ولم تسجل 6 بنود أية تغييرات، بحسب صحيفة " زمان التركية".


وسجلت مستلزمات المنزل أعلى زيادة على صعيد مؤشر الفئات الفرعية، بنسبة بلغت 11.39 في المئة تلاها الملابس والأحذية بزيادة بلغت 11.11 في المئة.


أثار أزمة التضخم


وبالرغم من إعلان وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك -عبر موقع إكس- بعد ساعات قليلة من نشر بيانات ارتفاع التضخم، بقوله: "لقد أصبح الأسوأ وراءنا".

إلا أن تراجع الليرة التركية بشكل ملحوظ، و توقعات خبراء الاقتصاد الأتراك، أكدت خلاف ما صرح به وزير المالية التركي والرئيس أردوغان.


كما حذرت النقابات العمالية من أن الفقراء في تركيا يدفعون ثمن إجراءات التقشف، و قدرت أن عتبة الجوع لأسرة مكونة من أربعة أفراد في مايو/أيار كانت حوالي 19 ألف ليرة تركية (590 دولارًا) شهريًا، أي أكثر من الحد الأدنى للأجور البالغ 17 ألف ليرة تركية.

 

في الوقت الذي استبعد مسؤولو الاقتصاد زيادة مؤقتة في الأجور هذا العام.

 

يقول أبو بكر إبراهيم أوغلو، الإعلامي التركي، في تصريحات لموقع " جسور"، إن ارتفاع التضخم لهذه المستويات القياسية غير المسبوقة، مثلت صدمة للمواطن، الذي لطالما صدق تصريحات الرئيس أردوغان في أوقات كثيرة، وانتظر أن يتحسن الاقتصاد والحالة المعيشية للأتراك، ولكن دون جدوى.

 

وربط أوغلو، بين سوء الأوضاع الاقتصادية، وبين نتائج الانتخابات المحلية، التي خسر فيها حزب "العدالة والتنمية" الذي ينتمي إليه الرئيس أردوغان، خسارة مدوية، كتصويت عقابي من قبل الأتراك، لأردوغان، نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية.

 

وأكد أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وانهيار الليرة، وارتفاع الإيجارات، أدى لانهيار الحالة المعيشية لأغلب الشعب التركي، وبالتالي مزيد من الغضب وفقدان الثقة في وعود الرئيس أردوغان،من تحقيق أي نجاح ملموس خلال الفترة القادمة.


وأبقى البنك المركزي سعر الفائدة القياسي دون تغيير، لكن أسعار الفائدة المرتفعة لم تمنع المستهلكين الأتراك من الإنفاق، بدلا من الادخار، وأظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي، أن استهلاك الأسر قفز بنسبة 7.3 في المائة في الربع الأول، مما أدى إلى توسع بنسبة 5.7 في المائة في الاقتصاد التركي.

 

من جهته، يقول السياسي التركي جواد غوك، لموقع " جسور" إن وصول التضخم إلى "ذروته"، يشير إلى خطورة الوضع الحالي، لكنه حذر من أن الاستهلاك القوي يعني أنه من غير المرجح أن يخفض صناع السياسات أسعار الفائدة هذا العام.


وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن تركيا لديها واحد من أعلى معدلات التضخم في العالم، وتتفوق عليها زيمبابوي والأرجنتين والسودان وفنزويلا.


وتوقع جواد ، أن تبدأ الانخفاضات الدائمة في التضخم في يونيو/حزيران الجاري، مما قد يؤدي إلى خفض المعدل "ربما أقل من 50%" بحلول نهاية الربع الثالث.

 

وأضاف، أن ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة التضخم، جعل المواطنين تعاني بشكل غريب، حتى أننا لم نشاهد هذا التضخم من قبل، في تاريخ تركيا، حتى أصبحت الأسعار أغلى من أوروبا، مشيرا إلى أنه وبالرغم من أن ميزانية الرواتب في أوروبا أكثر بكثير من تركيا، إلا أن الحياة في تركيا أصبحت مع تدني الرواتب أغلى من أوروبا بكثير.

 

وأكد جواد ، أن السياح الأوروبيين يستغربون من التضخم، حين يأتون لتركيا، منبها على أن الرئيس التركي لم يكن ناجحا في الاقتصاد، ولم يجد برنامجا جديدا يقدمه للشعب التركي، ولهذا السبب وجد الشعب التركي الفرصة للإطاحة به في أول استحقاق انتخابي بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية.

 

ورفع البنك المركزي التركي، سعر الفائدة القياسي إلى 50% في مارس/آذار الماضي بعد تشديد تراكمي بأكثر من 40 نقطة مئوية في أقل من عام، الأمر الذي ربما يؤدي إلى مزيد من رفع أسعار الفائدة، حيث تستدعي ديناميكيات التضخم، زيادات إضافية في أسعار الفائدة، ما يؤدي إلى زيادات ضريبية محتملة في تركيا، بحسب وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية.


هل تستمر الأزمة؟


على الجانب الأخر، يرى النائب البرلماني في تركيا، رسول طوسون، في حديثه لموقع "جسور"، أن المشكلة الاقتصادية في تركيا منحصرة بالتضخم المالي وارتفاع نسبة الفائدة، ماعاد ذلك فالأوضاع الاقتصادية ناجحة، بحد قوله.

 

وتوقع طوسون أن: " يحقق النمو 5.7 % فى الربع الأول من هذا العام وكذلك التصدير فى طريقه إلى الأرقام القياسية"، مضيفا أن هناك برنامج للمدى المتوسط مدته ٣سنوات، ويستهدف البرنامج وصول التضخم إلى أرقام أحادية في نهاية سنة 2025.

 

وأشار النائب التركي إلى تصريحات وزير المالية محمد شيمشك الذي يقول إن البرنامج الاقتصادي يمضي بنجاح، موضحا أن الرئيس أردوغان يثق في وزير المالية وأداءه.

 

ووفق وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، سوف تلعب التعديلات المالية التي خططت لها الحكومة، إلى جانب التشديد النقدي، دورا حاسما في تشكيل اتجاهات التضخم خلال الأشهر المقبلة، ورغم ارتفاع التضخم، فإن طلب المستثمرين على الأصول التركية أظهر مرونة أكثر، حيث اجتذبت سندات الليرة رقما قياسيا بلغ 6.5 مليارات دولار من رأس المال الأجنبي، وارتفعت الأسهم التركية بنسبة 30% بالقيمة الدولارية هذا العام، لتحتل مرتبة بين أسواق الأسهم الأفضل أداء على مستوى العالم.


ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن، طوفان جومرت، مدير إستراتيجية الأسواق العالمية لدى "بي بي في إيه" في لندن، أن مزيدا من الانضباط المالي واستمرار السياسة النقدية المتشددة يمكن أن يعزز الاهتمام بسندات الحكومات المحلية، بشرط أن يكون هناك "مزيد من التحسن في توقعات التضخم".

 

ودخلت المحكمة الدستورية في تركيا، على خط التفاعل مع الأوضاع الاقتصادية، في إجراء غير مسبوق، و جردت الرئيس رجب طيب أردوغان من سلطة عزل محافظ البنك المركزي قبل انتهاء ولايته، كما ألغت مرسوما بقانون كان يُجيز للرئيس التركي، تعيين وإقالة محافظ البنك المركزي ونوابه، معلنة أن القرار سيدخل حيز التنفيذ في غضون 12 شهرا، مما يتيح للبرلمان فرصة تمرير قانون خلال هذه الفترة.


وأقال أردوغان خمسة محافظين للبنك المركزي خلال السنوات الخمس الماضية مما أتى على استقلالية المؤسسة وزرع مخاوف بشأن تعرضها لخلل وظيفي، وأدى إلى سياسة زيادة التدفقات النقدية التي أضعفت الليرة وزادت من التضخم.


وعين الرئيس التركي في فبراير المحافظ الحالي فاتح قره خان الذي أبقى نظام التشديد النقدي الصارم الذي بدأ بتحول جذري في السياسة خلال يونيو حزيران من العام الماضي.

]]>

Previous
Previous

مصفاة روسية في ليبيا.. التفاف على العقوبات أم استغلال سياسي؟

Next
Next

حقنة للتنحيف تقي من خطر الإصابة بالنوبات القلبية.. فما الرابط بينهما؟!