بسحب بعض صلاحيات أردوغان.. الدولة العميقة تغير موقفها

أثار قرار المحكمة الدستورية التركية، الذي جردت خلاله الرئيس رجب طيب أردوغان من سلطة عزل محافظ البنك المركزي، وتعيين رؤساء الجامعات، علامات استفهام ورود أفعال واسعة، بعد أن فسر البعض هذا القرار بمحاولة لتقييد صلاحيات الرئيس التركي، الذي لم يتبق له سوى الدورة الحالية في رئاسته، لحكم تركيا، حيث لا يحق له الترشح مرة أخرى في انتخابات الرئاسة.

وبحسب القرار، ألغت المحكمة الدستورية بعض أحكام مرسوم أصدره أردوغان عام 2018، وكان يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في تعيين وإقالة محافظ البنك المركزي ونوابه.

وقالت المحكمة، إن هذه القواعد غير دستورية لأنها تقع ضمن منطقة محظورة لا يمكن تنظيمها بمرسوم قانون، بل بقانون رسمي، كما قضت بإلغاء القاعدة المتعلقة بشروط تعيين 4 نواب لرئيس البنك المركزي، بحيث يمتلكون خبرة لا تقل عن 10 سنوات بقرار مشترك لمدة 5 سنوات بناءً على اقتراح الرئيس.

ماهي الصيغة الصحيحة لفهم القرار؟

وفي أول تعليق رسمي، رد "مركز مكافحة التضليل الإعلامي" التابع لرئاسة الاتصالات في تركيا، بأن الادعاء حول "إلغاء المحكمة الدستورية صلاحيات الرئيس أردوغان في تعيين رئيس البنك المركزي ورؤساء الجامعات" غير صحيح.

وقال المركز، إن المحكمة الدستورية أصدرت قرارها حول طلب إلغاء المرسوم بقانون رقم 703، ولكن رفضت المحكمة العليا طلب إلغاء المرسوم برمته، وقررت إلغاء بعض أحكامه المتعلقة بإلغاء تعيين رؤساء الجامعات ورئيس البنك المركزي، بسبب ضرورة أن تتم هذه التعيينات بواسطة قانون وليس مرسوما بقانون، وهو ما يعني أن الإلغاء ليس جوهريا.

وشهد منصب محافظ البنك المركزي التركي تقلبات وعدم استقرار خلال السنوات الماضية، وتناوب عليه 7 رؤساء منذ عام 2006 وحتى الآن، و أقال الرئيس أردوغان 5 من محافظي البنك المركزي، وعين الرئيس التركي فاتح كاراهان في فبراير/شباط الماضي خلفا لحفيظة غايا إركان، التي أمضت في المنصب أقل من 9 أشهر، وهو ما أثر بشكل سلبي على الاقتصاد التركي ككل، وعلى السياسات النقدية بشكل خاص، بحسب متابعين.

من جانبه، قال الصحفي المتخصص في الشأن التركي والمحلل السياسي، سركيس كسر جيان، لموقع " جسور"، إن قرار المحكمة الدستورية لا يلغي صلاحيات أردوغان، وإنما يلغي طريقة إصدار هذه التعيينات، بمعنى أن هناك اعتراض على إصدار هذه التعيينات بمرسوم، وأوجبت المحكمة أن تصدر بقوانين، ليكون القرار الصادر متعلقا بالشكل ويتبقى المضمون على حاله.

وأضاف سركيس، أن البنك المركزي التركي، لن يعمل بشكل مستقل بعيدا عن تدخلات الرئيس التركي، وهذا مستبعد جدا لأن النظام القائم حاليا في تركيا هو نظام الرجل الواحد، وبالتالي الرئيس أردوغان يتحكم بكل المفاصل السياسية و الاقتصادية.

وأوضح سركيس، أن هناك محاولة للإيحاء أو إعطاء صورة استقلالية القرار الاقتصادي من خلال الاستعانة بوزير المالية محمد شيمشك المعروف من قبل الدوائر المالية والاقتصادية الغربية، و يحاول شيمشك تقليص هذه الصورة، ولكن من يتابع السياسة التركية يدرك أن هناك هامش أُعطي ومُنح لمحمد شيمشك للخروج من الأزمة الاقتصادية، ولكن هذا الهامش مُنح له من قبل الرئيس أردوغان، ما يعني أن أردوغان هو المتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي بالبلاد.

وأكد أنه أمام أي استحقاق أو ظرف أو تغيير سياسي في الداخل، من الممكن أن تضيق هذه الهوامش لدرجة الاستغناء حتى عن الوزير شيمشك.

وكان قد علق رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، خلال حديثه أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه، إن القرار جاء متأخرا، وإن كثيرا من الأمور تغيرت في تركيا حتى صدور هذا القرار.

وأوضح أوزيل أن القرار الصادر عن المحكمة جاء بناءً على دعوى تقدم بها الحزب عام 2018 اعتراضا على انتقال صلاحية تغيير رئيس البنك المركزي ونوابه للرئيس مباشرة.

وأضاف: "استطعنا في حزب الشعب الجمهوري تجهيز ملف دعوى يحمل العديد من القرارات التي تم اتخاذها في تركيا على الرغم من مخالفتها للدستور، وقدمناه إلى المحكمة الدستورية خلال شهرين، إلا أن المحكمة لم تستطع إصدار قرار في القضية إلا بعد مرور 6 سنوات".

استقلالية لقرار المركزي؟ أم فقاعة هواء؟

 من جانبه، قال السياسي التركي هشام جوناي، لموقع " جسور"، إن هذا القرار يأتي في سياق تطبيق حزمة القرارات التي أقدم عليها وزير الاقتصاد محمد شيمشك، والمعروف بأنه اقتصادي محنك، ولديه خبرة طويلة في جذب الاستثمارات الخارجية للبلاد.

وأضاف جوناي، أن النظام الرئاسي الذي دخلت فيه تركيا، وقيام الرئيس التركي أردوغان بتعيين رئيس البنك المركزي عدة مرات، أدى لخروج كثير من رؤوس الأموال من تركيا، بداعي أن هناك تدخل في النظام المالي والاقتصاد الحر، وأن البنك المركزي تحت سيطرة الدولة والحكومة، ومن هنا جاءت الخطوة في محاولة لاستعادة ثقة رأس المال الأجنبي في تركيا، وجذبه ليقوم بمشروعات واستثمارات من شأنها أن ترفع الدخل القومي للبلاد، والعودة مرة أخرى للاقتصاد التركي الواعد والصاعد الذي شهدناه قبل العمل بالنظام الرئاسي الذي دخلت فيه تركيا عام 2018.

وأوضح جوناي، أن القرار سيكون له تأثير إيجابي على أداء البنك المركزي الذي يحتاج للاستقلال، والعمل وفق قواعد العمل الاقتصادية، خاصة وأن أردوغان ضغط كثيرا على البنك المركزي، من خلال العمل على خفض نسبة الفائدة، ما أدى لفقدان الليرة التركية لأضعاف من قيمتها أمام الدولار، وبالتالي هذا القرار سيعود بالفائدة على استقرار العملة التركية، وجذب الاستثمارات التركية.

فضلا عن أن استمرار فترة ولاية محافظ البنك المركزي لمدة 5 سنوات سيعزز من استقلالية واستقرار البنك وبالتالي السياسة النقدية، مما يمكنه من العمل بحرية أكبر وتحقيق أهدافه مثل الحفاظ على استقرار المستوى العام للأسعار ومكافحة التضخم بعيدا عن الضغوط السياسية والحكومية والانتخابية تحديدا في حالة تركيا، بحسب جوناي.

من ناحيته، قال الصحفي المتخصص في الشأن التركي، كرم سعيد، إن سياقات القرار جاء في فترة مضطربة، وتراجع شعبية العدالة والتنمية وتراجع مؤشرات الاقتصاد، خاصة بعد التغييرات التي حدثت في البنك المركزي وتغيير خمس محافظين، ما أدى لاضطراب أكثر، حدث بالتزامن مع فشل حزب "العدالة والتنمية" في تحقيق الاستقرار السياسي.

واستدرك سعيد خلال تصريحاته لموقع " جسور"، بأن تداعيات هذا القرار ستكون كاشفة عن عدة أمور في تحسين الصورة الذهنية لتركيا أمام الاستثمار العالمي، وربما يدشن حالة من الاستقرار المؤسساتي وما يتعلق بالاقتصاد التركي.

 

وتابع: "على الناحية الأخرى، ستمنح أحزاب المعارضة فرصة لتعزيز تواجدها أكثر، خاصة بعدما رفع حزب الشعب الجمهوري قضية في ها الإطار قبل شهور، كما سينعكس على وضعية العدالة والتنمية في الشارع التركي، وبذل مزيد من الجهد لمصالحة الشارع التركي في الداخل".


]]>

Previous
Previous

بعد تهديد بوتين.. هل تستخدم موسكو ليبيا كمنصة لضرب الغرب؟

Next
Next

حكومة «الأربعين حرامي».. تفاصيل خلاف عبدالله بن زايد وحسين الشيخ