"فقاعات آمنة" أم "إدارة عسكرية".. خطط إسرائيلية لغزة ما بعد الحرب

مقترحات عديدة تتداولها النخب في إسرائيل حول مستقبل قطاع غزة، منها ما يخرج من دوائر لمسؤولين سابقين ومراكز بحثية، وأخرى مسربة من مقربين لحكومة بنيامين نتانياهو نفسها. 

وكشفت "وول ستريت جورنال" في تقرير لها، عن مقترحات "غير رسمية" من ضباط جيش ورجال مخابرات متقاعدين في إسرائيل، وأيضا من مراكز أبحاث وأكاديميين وسياسيين، تقوم على إنشاء "جزر" أو "فقاعات" للمدنيين غير المرتبطين بـ"حماس" يعيشيون فيها كـ"مأوى موقت" بينما يستمر الجيش الاسرائيلي في قتاله مع الفصائل الفلسطينية.

في حين يدعم أعضاء آخرون في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو خطة أخرى تركز على تقسيم غزة بممرين يمتدان بعرضها، وخلف محيط عمليات يسمح للجيش الإسرائيلي بشن غارات إلى داخل القطاع متى شاء، فيما تستمر المناقشات الداخلية في الجيش نفسه حول "اليوم التالي".

"خطط اليوم التالي"

وقالت "وول ستريت جورنال" إنه على الرغم من أن القيادة السياسية في إسرائيل لم تذكر شيئا تقريباً عن الشكل الذي سيبدو عليه قطاع غزة بعد انتهاء القتال، فإن كل تلك المجموعات السابق ذكرها عملت على خطط مفصلة تقدم لمحة عن الكيفية التي تفكر بها إسرائيل فيما تسميه اليوم التالي.

وتكشف الخطط - سواء اعتمدت بالكامل أم لا - عن "حقائق قاسية"، حسب وصف الجريدة الأميركية، ومنها أن المدنيين الفلسطينيين يمكن أن يظلوا "محصورين إلى أجل غير مسمى" في مناطق أصغر في قطاع غزة بينما يستمر القتال في الخارج، وأن الجيش الإسرائيلي قد يضطر إلى البقاء منخرطا بعمق في القطاع لسنوات حتى "إنهاء" حماس. 

لكن الأكيد أن التوصل لإجابة أصبح أمرا أكثر إلحاحاً، حيث من المتوقع أن تتحول إسرائيل قريبا إلى مرحلة من شأنها أن تقلل من عدد القوات في غزة، ويمكن أن تترك القطاع غارقاً في الفوضى، وما يزيد من الضغوط أن القتال مع حزب الله في الشمال مهدد بالتصعيد.

"يجب اتخاذ القرار اليوم"

وقال إسرائيل زيف، وهو جنرال إسرائيلي سابق ساعد في تقديم أفكار لخطة تشكيل "فقاعات" خالية من حماس في غزة: "يجب اتخاذ القرارات اليوم". 

وسبق أن علق نتنياهو، على هذه القضية الأسبوع الماضي، بأن الحكومة ستبدأ قريباً خطة مرحلية لإنشاء إدارة مدنية يديرها فلسطينيون محليون في مناطق الشمال – في نهاية المطاف، كما قال إنه يأمل، بمساعدة أمنية من الدول العربية.

ولم يوضح كيف سيتم هيكلة أو تنفيذ أي خطة، وحذر بعض المحللين من افتراض أن هناك شيئًا ملموسًا على وشك أن يؤتي ثماره، ورفض مكتب نتنياهو التعليق على التخطيط لما بعد الحرب.

"خطة الفقاعات"

وقال مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون إن نتنياهو كان يشير على الأرجح إلى “خطة الفقاعات” التي نوقشت بين صناع القرار في الحكومة، ووفقا لأشخاص مطلعين على هذه الجهود، فإنها تهدف إلى العمل مع الفلسطينيين المحليين الذين لا ينتمون إلى حماس لإقامة مناطق معزولة في شمال غزة، ويكونوا مسؤولين عن توزيع المساعدات والقيام بواجبات مدنية، وقال هؤلاء الأشخاص إنه في نهاية المطاف، سيتولى تحالف من الولايات المتحدة والدول العربية إدارة العملية.

بينما يستمر الجيش في محاربة "حماس" خارج الفقاعات ويقيم المزيد منها مع الوقت، ويقترح زيف، الذي أشرف على خروج إسرائيل من غزة في عام 2005، أن يختار الفلسطينيون المستعدون لـ"التنديد بحماس" من التسجيل للعيش في جزر جغرافية مسيجة تقع بجوار أحيائهم بينما "يتولى الجيش تأمينها"، حسب زعمه.

ويتصور زيف أن إعادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى غزة حل سياسي على المدى البعيد، بل ويذهب إلى أنه في حال استمر الوضع مدة خمس سنوات أخرى، فمن الممكن في النهاية أن تكون "حماس" جزء من إدارة غزة إذا أطلقت الرهائن الإسرائيليين لديها ونزعت سلاحها، لتصبح حركة سياسية بحتة.

خطة محفوفة بالتحديات

لكن الخطة محفوفة بالتحديات وقد فشل نهج مماثل لها من قبل، وتقول "وول ستريت جورنال" إنه في وقت سابق من هذا العام، حاول الجيش الإسرائيلي بهدوء العمل مع العائلات المحلية في غزة لتوزيع المساعدات واستبدال حماس، لكنهم كانوا خائفين من تهديدات الفصائل.

وتحدث نتنياهو عن مقتل فلسطينيين شاركوا في الخطة السابقة على يد "حماس"، التي تعهدت هذا الأسبوع بمقاومة المخططات الإسرائيلية و"قطع أي يد للاحتلال تحاول العبث بمصير ومستقبل" الشعب الفلسطيني.

وما يصعب المهمة أيضا كثرة الضحايا الذين خلفتهم الحرب على قطاع غزة، وتجاوزوا 37 ألف شخص حسب وزارة الصحة في القطاع، ما يجعل الفلسطينيين مترددين في قبول السيطرة الإسرائيلية على غزة.

وقالت الجريدة الأميركية إن حكومات عربية أعربت عن استعدادها للعب دور أكبر، حيث عرض بعضها التمويل والجنود لإدارة الأمن، لكنهم اشترطوا هذا الدعم بمسار سياسي أوسع يتضمن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة والتزام إسرائيل بحل الدولتين، وهي النتائج التي تسعى إليها الولايات المتحدة أيضًا.

وقد رفض نتنياهو النظر في أي من هذين المطلبين، بحجة أن السلطة الفلسطينية ضعيفة للغاية وداعمة للإرهاب. كما أنه يواجه ضغوطا سياسية داخلية. ويعارض أعضاء الجناح اليميني في ائتلافه الحاكم إقامة دولة فلسطينية، بل ويريد البعض منهم إعادة توطين الإسرائيليين في غزة، مما يحد من قدرته على معالجة هذه القضية.

خطر استمرار الصراع

وقال هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "نظراً لأن الحكومة الإسرائيلية تواصل رفض أو رفض المسار الوحيد القابل للتطبيق للمضي قدماً، فإنها ستواجه أسوأ نتيجة من وجهة نظرها، وهي استمرار الصراع المفتوح"، وإعادة احتلال غزة".

وتدرك بعض مؤسسات الفكر والرأي الإسرائيلية أن تشجيع المشاركة العربية في إدارة غزة سوف يكون أمراً صعباً، لذا تدفع باتجاه فرض احتلال إسرائيلي صريح.

ويقول معهد "مسغاف" للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، وهو مركز أبحاث يميني يرأسه الرئيس السابق للأمن القومي مئير بن شبات، إن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى ضمان القضاء على نحو 75% من مقاتلي حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وأن الحركتين لا تقدران على مواصلة القتال، وذلك قبل أن تتمكن قوة أمنية أخرى من السيطرة على القطاع، ويدعي الجيش الإسرائيلي أنه قتل نحو نصف مقاتلي حماس 

إدارة عسكرية

وقال آشر فريدمان من مسغاف: "قد تكون هناك فترة سنة أو خمس سنوات، أو أكثر أو أقل، حيث نحتاج إلى نوع من الإدارة العسكرية". 

ويشرح أن تفكيره ساعد في صياغة خطة طرحها أعضاء حزب الليكود بزعامة نتنياهو في وقت سابق من هذا العام، والتي تضمنت إنشاء محيط أمني حول غزة وممرين إسرائيليين يقطعان عرضها. 

وسيبقى شمال غزة، بموجب الخطة، بدون إعادة إعمار، ولن يُسمح للفلسطينيين هناك بالعودة إلى منازلهم حتى تدمير شبكة أنفاق حماس الممتدة على بعد أميال.

ومثل خطة الفقاعات، فإنها تروج لفكرة مناطق خفض التصعيد حيث يمكن تسليم المساعدات من قبل الجيش الإسرائيلي أو القوات الدولية، لكنها لا تصل إلى حد توضيح فكرة للحكم. 

عميحاي شيكلي، الوزير من حزب الليكود الذي صاغ الخطة، قدمها شخصيا لرئيس الوزراء، وفقا لمكتب شيكلي.

إنشاء هيئة فلسطينية جديدة

وهناك خطة أخرى، طورتها منظمة غير ربحية يقودها رئيس سابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، تقول إن هجمات 7 أكتوبر والحرب اللاحقة تعني أن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يعد بإمكانهم التعامل مع بعضهم البعض بحسن نية. 

وهي تدعو إلى العمل مع الولايات المتحدة والحكومات العربية لإنشاء هيئة حكم فلسطينية جديدة تعمل على وقف الهجمات ضد إسرائيل، ويتضمن المقترح عقد مناقشات حول إنشاء دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من الحرب. 

ويقول الاقتراح إن هجمات حماس في 7 أكتوبر، والتي تقول السلطات الإسرائيلية إن المسلحين قتلوا فيها حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، واحتجزوا ما يقرب من 250 رهينة، لا ينبغي أن تكافأ بإقامة دولة الآن.

وقال أفنير جولوف، من منظمة "مايند إسرائيل"، وهي منظمة غير ربحية ساعدت في تقديم أفكار للخطة: "نحتاج إلى بناء شيء جديد، ومن أجل بنائه نحتاج إلى تحالف".

قوة شرطية دولية

وتدعو خطة أخرى نشرها مركز "ويلسون" ومقره واشنطن، الولايات المتحدة إلى إنشاء قوة شرطة دولية لإدارة الأمن في غزة، وتسليم المهمة مع مرور الوقت إلى إدارة فلسطينية لم تحدد بعد، ولا تتناول الخطة أفق لقيام دولة فلسطينية.

وكشف روبرت سيلفرمان، الدبلوماسي الأمريكي السابق في العراق المشارك في وضع الخطة، أن فريقه ناقشها مع المسؤولين الإسرائيليين لعدة أشهر، حتى أنه غيير أجزاء من الاقتراح لجعله أكثر توافقًا مع أهداف الحرب الإسرائيلية، لكنه في النهاية تعثر في التفاهم مع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وقال سيلفرمان عن نتنياهو: "إنه يعتقد أننا ننهي الحرب أولا ثم نخطط للمرحلة بعدها.. كل الأشخاص الذين فعلوا ذلك من قبل يقولون إن هذا خطأ فادح".

تجربة ألمانيا واليابان

وتستند وثيقة أخرى، صاغها أكاديميون إسرائيليون، والتي وصلت إلى مكتب رئيس الوزراء، إلى سوابق تاريخية في إعادة بناء مناطق الحرب في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ومؤخرا في العراق وأفغانستان. 

ويتناول المخطط كيفية التعامل مع عقيدة حماس من خلال التعلم من هزيمة أيديولوجيات مثل النازية وتنظيم "داعش".

وتقر الوثيقة المؤلفة من 28 صفحة والتي اطلعت عليها جريدة "وول ستريت جورنال" بأن تغيير التعليم في غزة، وتحديد قيادة جديدة ستكون طويلة ومعقدة ويجب أن تبدأ في أقرب وقت ممكن، خاصة في ضوء الوضع الإنساني في القطاع.

وتفترض كافة الخطط المطروحة أن إسرائيل سوف تترك حماس في النهاية ميتة سياسياً وعسكريا "وهذه نقطة عمياء" كما يقول منتقدون إسرائيليون لسياسة حكومتهم الحالية.

ولدى الحركة خططها الخاصة لغزة ما بعد الحرب، وتهدف على الأقل إلى الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على القطاع والبقاء قوة في السياسة الفلسطينية، وهناك حديث عن هزم كتائب "حماس المنظمة"، لكن قدراتها المتبقية لا تزال تجعلها القوة الفلسطينية الأقوى في قطاع غزة، وهي لا تقبل بالتهميش. 

وقال إيهود يعاري، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "إن حماس تعمل بالفعل على خطة اليوم التالي الخاصة بها".

]]>

Previous
Previous

ثلاث ملفات حفزت براجماتية أردوغان في التقارب مع سوريا مجددا.. فهل تنجح المصالحة؟

Next
Next

النباتيون في العراق مجتمع ينمو عكس اتجاه التيار