ثلاث ملفات حفزت براجماتية أردوغان في التقارب مع سوريا مجددا.. فهل تنجح المصالحة؟

 

 موقف جديد فرض نفسه على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن فتح الرئيس السوري بشار الأسد الباب مجددا، خلال استقباله مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، بتأكيده على انفتاح سوريا على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية.

الأمر الذي تلقفته برجماتية الرئيس التركي أردوغان، كعادته، في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط، المزدحمة بالتوترات والثورات والحروب، ليرحب على الفور بعودة العلاقات مع سوريا، في مشهد غلبت على كلمات أردوغان فيه الحديث عن تاريخ العلاقة الحميمية بين البلدين، مبديا استعداده للقاء الأسد، وتطوير العلاقات بين البلدين، بل أنه ذهب لأبعد من ذلك بنفيه أن يكون لديه أبداً أي نية أو هدف للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية.

 

هل تنجح براجماتية أردوغان؟

 

ويبدو أن تغيير موقف أردوغان جاء مبنيا على رغبته في أن ينتهز الفرصة التي كان ينتظرها، للتخلص من الأغلال التي كبلت يديه لسنوات، بسبب ملف الأكراد، وقضيى اللاجئين السوريين في تركيا ومشكلة الحدود، والتي تجعله ربما يتنفس الصعداء في هذا المحور الجغرافي الممتلئ بالصراعات في ميدان الحروب والسياسة، في سياق معطيات سياسية متغيرة، قادت المشهد في نهايته لهذا التقارب من جديد، في أسرع وقت ممكن، والذي أعلنت وسائل إعلام سورية وتركية بأنه يتم التجهيز له بلقاء مرتقب ستشهده العاصمة العراقية بغداد، كخطوة لبداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وحدودية بين البلدين.

الأمر الذي وجد ترحيبا ودعماً عربياً، كما تلقى دعما روسيا وصينيا وإيرانيا"، كما دخلت المعارضة في تركيا، على الخط، وأعلنت ترحيبها، حيث أبدى زعيم المعارضة التركية، رئيس «حزب الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل، استعداده للتوسط بين الأسد وإردوغان للجلوس معاً إلى طاولة المفاوضات.

في الوقت الذي اعتبرت "الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا"، أن أي مصالحة بين أنقرة ودمشق هي "مؤامرة كبيرة" ضد الشعب السوري ومصلحة السوريين، كما اعتبرت أن "أي اتفاق مع الدولة التركية يكرّس التقسيم وهو تآمر على وحدة سوريا وشعبها".

كما اعتبرت القيادية الكردية إلهام أحمد أي اتفاق مع تركيا على حساب السوريين «خيانة بحق سوريا وشعبها»، حيث يتخوف أكراد سوريا من هذا التقارب، كتهديد لمكاسب "الإدارة الذاتية"، واحتمال شن أنقرة عملية عسكرية جديدة ضد مناطق نفوذ الإدارة شمال شرقي سوريا.

حتى أن آسيا عبد الله، الرئيسة المشتركة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الذي يقود الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا ، قالت في تصريحات صحفية: "لن ندعم أي اتفاق لا يخدم مصلحة شعبنا ولا يشمل تحرير الشمال السوري".


ثلاث أسباب للتقارب


وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي حسن محلي، في تصريحات لموقع " جسور"، بأن مصالحة الرئيس التركي أردوغان مع الرئيس السوري، جاءت منذ أخر لقاء لهما في نهاية 2010، حيث لعبت تركيا دورا أساسيا في مجمل تطورات الأزمة السورية منذ انتشارها في يونيو/ حزيران2011، موضحا أن سبب هذا التحول التركي جاء بعد المصالحة التركية مع عدد من الدول العربية، ومساعي أردوغان شخصيا مع كل من رئيس الإمارات محمد بن زايد، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبينهما زيارة رئيس إسرائيل هرتسوغ لتركيا في 9 مارس/ أذار 2023، فضلا عن لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس السوري بشار الأسد في الدوحة.

وأضاف محلي لموقع " جسور"، أن هذه المصالحة بين أردوغان وبشار الأسد، جاءت في إطار هذه التفاهمات السابقة، برعاية من الرئيس الروسي بوتين الذي لعب دورا أساسيا، في "اتفاق سوتشي" سبتمبر / أيلول 2018 ، والذي قضى بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب، لتجنب الحرب في تلك المحافظة، وبعدها اتفاقية موسكو مارس / آذار 2022، حيث ساهمت هذهالاتفاقيات في وقف إطلاق النار بين الدولة السورية وبين المنظمات المسلحة المدعومة من أنقرة، والتي ساهمت في نهاية المطافة في المضي في طريق المصالحة السورية التركية، ويعرف الجميع، بأن بغداد دخلت عى خط المصالحة وبالتنسيق مع الإمارات والسعودية ومصر، بالتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة و الضفة الغربية، ورغبة روسيا في تحقيق مكاسب استراتيجية في الشرق الأوسط بجانب مكاسبها في أوكرانيا.

وأكد أن هذه المصالحة ليست سهلة كما نتوقع بين الطرفين، خاصة وأن للرئيس السوري شروط مهمة منها انسحاب الجيش التركي الذي يحتل 10% من الأراضي السورية، في الشمال السوري، كما أن تركيا تدعم الجيش الوطني السوري الذي يضم الفصائل المسلحة، وهذا الجيش تم تأسيسه في أنقرة 2019 .

وتابع محلي: " كما أن دمشق تطالب تركيا بعدم التدخل في مخططاتها ومشاريعها  لاجتياج إدلب والقضاء على المسلحين المتواجدين هناك مثل هيئة تحرير الشام( النصرة سابقا)، يضاف إلى ذلك أن انقرة تريد أن المصالحة إذا تحققت أن تساعدها في الحد من خطر ما يسمى بوحدات حماية الشام الكردية شرق الفرات والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأطلسية الأوروبية وكندا.

وقال محلي في ختام حديث لموقع " جسور": "بأن مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا تأتي على رأس تفاصيل مستقبل الحوار والمصالحة بين سوريا وتركيا، وهي مشكلة معقدة وصعبة جدا لأن اللاجئين السوريين في تركيا لا يريدون العودة لبلادهم إلا بشرطين أحدهما ألا يمسهم أي سوء حال عودتهم لسوريا، و ضمان بأن المصالحة التركية السورية ستكون استراتيجية وللأبد ، فضلا عن تعهد تركيا وسوريا ودول عربية وغير عربية بإعادة إعمار ما دمرته الحرب في سوريا.. وإلا أين سيعود هؤلاء اللاجئون".

كما تطالب تركيا دمشق مراراً بمنع إجراء الانتخابات المحلية في مناطق نفوذ «الإدارة الذاتية» بعد إعلان الأخيرة تأجيل تنظيم الانتخابات إلى شهر أغسطس /آب المقبل.

 

التوجه للمصالحة أمر واقع

 

من جانبه يقول المحلل السياسي التركي سركيس قصارجيان، لموقع " جسور" إن التقارب التركي مع سوريا نتيجة حتمية لصيرورة السياسية في المنطقة، خاصة بعد ما أقدمت تركيا على خطوات جادة في طريق التطبيع، وتصفية الخلافات مع الدول الإقليمية، لتبقى سوريا الوحيدة التي لم تسوَ مشكلتها مع تركيا، وبالتالي كانت من المنتظر أن تتم التسوية مع تعقيدات الملف السوري، الذي يحتاج لوقت لكي يخطو الطرفان الخطوة الأولى نحو التطبيع.

وأضاف قصار جيان، أن من أبرز الملفات الشائكة والمعقدة التي تقف أمام التسوية هو الوجود التركي العسكري في سوريا، والذي يعتبر من قبل دمشق وفقا للقوانين الدولية "احتلال"، فضلاعن دعم تركيا للمجموعات المسلحة التي تعتبرها دمشق "إرهابية"، وهي مجموعات تحتوي على عدد كبير من العناصر التي قاتلت في صفوف "داعش" و"النصرة" وهي منظمات مدرجة في قوائم الإرهاب على مستوى العالم.

في المقابل، وبحسب قصار جيان، فتركيا تضغط على دمشق للوصول لتفاهمات حول محاربة قوات سوريا الديمقراطية الموالية للكرد في شمال سوريا بشكل مشترك، معتبرا أن سوريا لن تدخل في سباق مسلح مع قوات سوريا الديمقراطية لأن التوجه السوري هو حل المسألة بالطرق السلمية، خاصة وأن دمشق تعول على انسحاب أمريكي محتمل من سوريا إذا وصل ترمب للبيت الأبيض، مايعني تسهيل الوصول إلى حل قد يرضي دمشق أكثر منه ارضاءا للإدارة الذاتية المعلنة من قبل طرف واحد في شمال شرق سوريا.

وقال إن هذا التقارب، ربما يؤدي إلى الإبقاء على الحالة الراهنة في شمالي سوريا التي سبق وأن سيطرت عليها تركيا خلال السنوات الماضية، بعد شن ثلاث عمليات عسكرية في جرابلس وعفرين بريف محافظة حلب، ورأس العين بالحسكة، وتل أبيض بالرقة.

وتشترط أنقرة على دمشق أن تشترك معها للقضاء على الحالة الموجودة بشمال شرقي البلاد، ويقف الوجود الأميركي أمام ذلك.

وترهن دمشق تقدم محادثات التطبيع مع أنقرة بسحب تركيا قواتها من شمال سوريا، وهو ما ترفضه أنقرة في الوقت الراهن بسبب اعتقادها أن الجيش السوري لا يمكنه بسط السيطرة على الحدود، وتطالب أنقرة من دمشق بالحرب معها ضد "قسد" مقابل حصول دمشق على بعض المزايا الاقتصادية لفتح طريق (M4) والمعابر للتجارة، وتحييد كامل لدور تشكيلات المعارضة السياسية والعسكرية المرهونة بالأجندات التركية، وهو ما يتجلى منذ سنوات في مسار آستانا.

وأكد أن الدافع التركي للتقارب بالدرجة الأولى نتيجة المتغيرات في المنطقة، موضحا أن معظم دول الإقليم العربي كانت معادية لسوريا وفي خلاف معها، ولكنها أعادت هذه العلاقات وتتواصل مع دمشق في عدة ملفات ولم يعد منطقيا الاستمرار في هذه السياسة المُقاطِعة ورفض الرئيس السوري .


ماذا تفعل سوريا


السبب الأخر يكشفه قصار جيان، بأن نتيجة الأزمة الكبيرة التي يتسبب فيها اللاجئون السوريون داخل تركيا، بالإضافة للوضع الاقتصادي المتردي والكارثي في تركيا، وبالتالي تأمل تركيا في نزع ورقة اللاجئين الضاغطة التي تعتبر رابحة بالنسبة للمعارضة بالضغط على الحكومة وكسب الشعبية والأصوات الانتخابية في الاستحقاقات الانتخابية والدستورية القادمة، خاصة مع وجود ملامح انتخابات مبكرة خلال العامين القادمين.

وأوضح أن كل هذه الأمور تدفع تركيا وأردوغان بأن يحاول ويبادر هو للوصول لتفاهم مع دمشق سيقوي وضعه في الداخل التركي ويعزز من اعتقاد الأتراك بأن رئيسهم قادر على حل مشكلاتهم لأن موضوع اللاجئين في تركيا ليس مجرد قضية اقتصادية ولكن مشكلة أمنية ومجتمعية وبالتالي من يحل هذه المشكلات سينصب من قبل الأتراك بطلا قوميا بالنسبة للبلاد.

فضلاعن أن دمشق ترهن تقدم محادثات التطبيع مع أنقرة بسحب تركيا قواتها من شمال سوريا، وهو ما ترفضه أنقرة في الوقت الراهن بسبب اعتقادها أن الجيش السوري لا يمكنه بسط السيطرة على الحدود.

وجاء التحرك الروسي والتصريحات الإيجابية المتقاطعة على خط أنقرة - دمشق بشأن احتمال استئناف محادثات التطبيع المجمدة منذ يونيو (حزيران) 2023 قبل أيام قليلة من لقاء مرتقب بين إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» في أستانا في 3 و4 يوليو (تموز) المقبل.

وسبق أن صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي التقى بوتين في موسكو في 11 يونيو (حزيران)، بأن الملف السوري بجميع أبعاده سيطرح خلال لقاء إردوغان وبوتين.

وتتقاطع الخطوط الفاصلة بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومنطقة " نبع السلام" التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني السوري" الموالي لتركيا، في الشمال السوري.


]]>

Previous
Previous

هل تنتقل انتفاضة السوريين ضد تركيا إلى ليبيا؟

Next
Next

"فقاعات آمنة" أم "إدارة عسكرية".. خطط إسرائيلية لغزة ما بعد الحرب