احتلال العراق ومنافسة النفوذ الإيراني.. "عصفورين الأتراك" بحجر الأكراد
ما بين الحين والأخر، تضرب تركيا عرض الحائط بكل الاتفاقيات الأمنية التي قامت بعقدها مع العراق، من خلال مهاجمة الأراضي العراقية، بمبرر محاربة حزب العمل الكردستاني، حتى أن العراق أعلن عام 2022، "تسجليه أكثر من 22 ألف انتهاك تركي للأراضي العراقية منذ عام 2018، وأن الحكومة العراقية قدمت 296 مذكرة احتجاج على التدخلات التركية".
و ألقى وجود القواعد التركية في مناطق كردستان العراق، بظلاله على العلاقة بين بغداد وأنقرة بعد عام 2003، والحديث عن المسوغ القانوني لهذه القواعد داخل الأراضي العراقية، واستخدامها من قبل تركيا كنقاط انطلاق لتنفيذ عمليات عسكرية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.
في الوقت الذي يؤكد فيه سياسيون عراقيون ومعلقون متابعون للشأن التركي، أن حرب تركيا على كردستان العراق، ماهو إلا بمثابة الحجر الذي تقذف به تركيا في وجه النفوذ والهيمنة الإيرانية من ناحية، والتمدد في أراضي العراق واحتلالها من ناحية أخرى.
و تزعم تركيا أن لها الحق في إنشاء قواعد عسكرية داخل الأراضي العراقية وفقا لاتفاقية أمنية بين البلدين عام 1984.
في حين أوضح وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين أن هناك "محضرا رسميا موقعا من قبل وزير الخارجية العراقية آنذاك طارق عزيز مع نظيره التركي عام 1984 يتعلق بالسماح للقوات التركية بدخول الأراضي العراقية ولمدة عام واحد فقط بمسافة لا تتجاوز 5 كيلومترات".
ونددت السلطات العراقية بـتجدد العمليات العسكرية التركية والتوغلات في شمال العراق، وناشدت العراق عشرات المرات جارتها تركيا التعاون معها دبلوماسيا لحل القضايا الأمنية المشتركة، إلا أن تركيا لا تعطي أذنها لهذه المناشدات المتكررة على مدى السنوات الـ 25 الماضية، و أقامت تركيا عشرات القواعد العسكرية في كردستان العراق، لمحاربة حزب العمال الكردستاني، الذي يتخذ من تلك المنطقة قواعد خلفية.
ويعلن الجيش التركي بشكل متكرر عن تنفيذ عمليات عسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، ما دفع الحكومة العراقية إلى الاحتجاج مرارا ضد هذه العمليات.
وتصاعدت الهجمات التركية في الأسابيع الأخيرة، حيث أفادت وسائل الإعلام العراقية عن زيادة في عدد الضربات التركية، التي أدت إلى اندلاع حرائق في المناطق الحدودية. كما تم تسجيل تقارير تشير إلى قيام القوات التركية بإنشاء مواقع جديدة في الإقليم.
وبالرغم من أنه وبعد زيارة لمسؤولين أتراك إلى العراق، صنفت بغداد حزب العمال الكردستاني كمنظمة محظورة، استجابة لمطالب أنقرة بممارسة دور أكبر في مكافحة هذه الحركة، إلا أن تركيا تمارس سلطويتها على العراق، بتوجيه هجمات متتابعة في الأراضي العراقية.
واعترضت الكتلة البرلمانية لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في بيان على استئناف العمليات التركية داخل أراضي الإقليم، مشيرة إلى الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية وممتلكات المواطنين.
و ترأس رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اجتماعا للمجلس الوزاري للأمن الوطني ناقش خلاله المجتمعون موضوع التدخلات والخروقات التي تمارسها القوات التركية في المناطق الحدودية المشتركة.
وقال اللواء يحيى رسول عبدالله الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة في البيان إنه تم خلال الاجتماع التأكيد على رفض التوغل العسكري التركي والمساس بالأراضي العراقية وأن على تركيا مراعاة مبادئ حسن الجوار والتعامل دبلوماسيا مع الحكومة العراقية والتنسيق معها تجاه أي موضوع يتعلق بالجانب الأمني .
توغل تركي أشبه بالاحتلال
وعلقت شاناز إبراهيم، زوجة الرئيس العراقي، على هذا التوغل، عبر حسابها على منصة "إكس"، قائلة، إن التطورات الأخيرة في دهوك بإقليم كردستان "تحمل بصمات الاحتلال"، دون أن تشير صراحة إلى توغل القوات التركية. وأضافت، أن "سيادة العراق في خطر، ولا أحد يتكلم، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، تقيم القوات المسلحة التابعة لدولة مجاورة إلى تركيا، نقاط تفتيش ودوريات على أراضينا في دهوك، بإقليم كردستان".
وأشارت إلى أن 300 دبابة عسكرية ومئات الجنود الأجانب عبروا إلى دهوك، مبينة أن السيادة العراقية التي اكتسبتها بشق الأنفس موضع تساؤل.
ويعد التوغل التركي لمحاربة كردستان العراق، أشبه بالاحتلال التركي للأراضي العراقية، حيث سجلت منظمة "فرق صناع السلام" الأمريكية (CPT)، دخول الجيش التركي في إقليم كردستان العراق، بـ 300 دبابة ومدرعة، كما نصب عشرات الحواجز الأمنية، وذلك في قرى (أورا، وسارو، وارادنا، وكيستا، وچلك، وبابير)، ضمن حدود منطقة (بادينان) في إشارة إلى مدينة دهوك في الإقليم.
وقالت المنظمة الأمريكية، إن حوالي 1000 جندي تركي تنقلوا بين قاعدة (گري باروخ) العسكرية التركية وجبل (متينا) خلف ناحية (بامرني) في غضون ثلاثة أيام، كما أقيم حاجز أمني بين قريتي (بابير وكاني بالافي)، ولا يسمح لأي مدني بالمرور إلا بعد التحقيق معه وإبراز هوية الأحوال المدنية العراقية أو البطاقة الوطنية العراقية.
يقول مساعد وزير الصناعة العراقي محمد أديب، لموقع جسور، إن ما تقوم به تركيا في العراق، هو احتلال، مؤكدا أن العراق أصبح مهددا في استقلاليته، وسلامة أراضيه، نتيجة الممارسات الأمنية التركية في الأراضي العراقية، والتي تشبه الاحتلال.
وأضاف أديب، أن الحكومة عليها التزام وطني تجاه هذه الممارسات التركية، خاصة وأن تركيا تستغل علاقتها بالحكومة الحالية، وتقوم بانتهاك كل القوانين الدولية، والمعاهدات، واتفاقيات ترسيم الحدود، تحت الزعم بمحاربة كردستان العراق، مؤكدا ان هدف تركيا ليست محاربة الكرد ولكن الهدف بشكل واضح هو احتلال العراق.
فيما نقلت "بي بي سي"عن مصدر برلماني عراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن نحو 50 أسرة نزحت من مناطق العمادية وباطوفا ودايرلوك وكاني مآسي، في محافظة دهوك بإقليم كردستان، على الحدود مع تركيا، خشية صدامات ما بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي.
وأضاف، أن الجيش التركي قام بنصب 6 نقاط تفتيش في المناطق أعلاه، دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
ووقع العراق وتركيا أكثر من 20 مذكرة من بينها مذكرة أمنية خلال زيارة الرئيس التركي إلى بغداد خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي.
وقال أردوغان، خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في بغداد، إنه ناقش مع رئيس الوزراء التعاون في ملفي الأمن ومكافحة الإرهاب، ولفت إلى أنه "تم توقيع اتفاقية مع العراق لاعتبار PKK تنظيما محظورا في العراق، وتابع، وبإعلانه تنظيما محظورا وإرهابيا، فإن القضاء عليه في الأراضي العراقية أمر أعتقده عميقا وقد ذكرت هذا لرئيس الوزراء".
وبحسب تقرير منظمة " CPT" تسعى تركيا حاليا الى رسم خط أمني يبدأ من منطقة (شيلادزى) ويمتد إلى قضاء (باتيفا)، وسيمر عبر ناحية (ديرلوك)، و(بامرني)، (وبيكوفا) بحيث تكون جميع القرى والبلدات والأقضية والنواحي والوديان والأراضي والسماء والماء خلف هذا الخط تحت السيطرة العسكرية للجيش التركي، وإذا ما حدث اشتباك في هذه المناطق فستصبح ساحات قتال.
وبحسب التقرير، فإن هناك هدفا آخر من هذا التحرك العسكري التركي هو الوصول إلى جبل (هفت تبق) في منطقة (شلادزى)، واحتلال سلسلة جبال (گارا)، مما يتسبب بفقدان حكومة إقليم كردستان العراق بين 70 - 75 في المئة من سلطتها على محافظة دهوك.
فيما قال المستشار الأمني لقوات البيشمركة في الاتحاد الوطني الكردستاني جبار الياور، إن العملية الأخيرة التي يقوم بها الجيش التركي والتي بدأت قبل أيام في مناطق تابعة لمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، وخاصة في المناطق التابعة لقضاء العمادية قرب الحدود مع تركيا، في نواحي (بامرني) وناحية (كاني ماسي)، من أجل السيطرة على جبلين مهمين هناك هما جبلا (متين وكاره)، حيث يوجد هناك مقرات تابعة لحزب العمال الكردستاني.
وأضاف الياور، أن الحكومة التركية وقواتها تحاول شن عمليات عسكرية من الجو ومن الأرض بطائرات حربية وبدون طيار وطائرات هليكوبتر، وأيضا قصف مدفعي وعمليات على الأرض للاستيلاء على هاذين الجبلين الاستراتيجيين المهمين، لطرد مسلحي حزب العمال.
وأكد أن، هناك حربا حقيقة في هذه المناطق، وسبب هذه الحرب هو وجود حزب معارض تركي هو حزب العمال الكردستاني، ومسلحيه الذين يوجدون هناك منذ أكثر من 40 عاما، وحجة دخول القوات التركية إلى هناك هو بسبب وجود هؤلاء المسلحين.
ولفت الياور، إلى أن دخول القوات التركية مخالف للقانون الدولي، الذي ينص على احترام الحدود والسماء والأرض للدول، لأن كل المسؤولين العراقيين وبكافة مستوياتهم أكدوا عدم وجود اتفاقية رسمية بين العراق وتركيا، تتيح للأخيرة دخول قواتها إلى الأراضي العراقية.
وتابع الياور، ومن الناحية الأخرى وجود قوات معارضة على الأراضي العراقية، تشن عمليات من داخل الأراضي العراقية إلى الداخل التركي، هو عمل غير قانوني وغير مجاز، لأنه لا توجد أي موافقة رسمية من قبل الحكومة العراقية لهذا العمل، لأن العراق ليس في حالة حرب مع تركيا، والعراق لديه علاقات صداقة وزيارات متبادلة ما بين الطرفين.
وأشار الياور، إلى أنه من الأفضل أن تقوم الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان معا، بالتفاوض مع تركيا بصورة رسمية لسحب قواتها من الأراضي العراقية، وعدم الإخلال بالسيادة العراقية، وأن تقوم الحكومة الاتحادية في بغداد، بحماية الحدود لمنع أي تسلل إلى داخل الأراضي التركية، وأيضا إقناع حزب العمال الكردستاني بعدم استخدامه الأراضي العراقية لشن عمليات في الداخل التركي.
التصدي للنفوذ الإيراني
ويرى المحلل العراقي في الشأن التركي محمد مسعود النجم، في تصريحاته لموقع " جسور"، إن تدخل تركيا في العراق ضد "حزب العمال الكردستاني"، لا تُعنى فقط بالأمن، بل جزء من استراتيجية أوسع، تُبرز بشدة "طريق التنمية" المقترح الذي يربط تركيا والعراق، لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الحكومة المركزية في العراق، والأهم من ذلك التصدي للهيمنة الإيرانية المتزايدة في المنطقة، في مواجهة الانسحاب الأمريكي من العراق.
وأضاف النجم، أن تركيا تركز عمليتها ضد "حزب العمال الكردستاني" في منطقة كاره، الواقعة في محافظة دهوك، بهدف ضمان أمن طريق التنمية، الذي سيمر عبر الموصل الواقعة على بعد حوالي 30 كيلومترًا عن كاره، وهو ما يقلق أنقرة من وجود "حزب العمال الكردستاني" في سنجار، غرب الموصل، إلى تعطيل المشروع، وبالتالي ترتبط عملياتها في إقليم كردستان العراق مباشرةً بسهل الموصل وطريق التنمية.
وتابع، " تسعى تركيا إلى المضي قدمًا بمشروع "طريق التنمية" مع العراق، سعيًا إلى تحقيق الارتباط الإقليمي المباشر بين البلدين وسيتطلب مشروع طريق التنمية ما يقدر بنحو 17 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية ويمر عبر البصرة والديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل، بحيث يربط بين بغداد وأنقرة عبر ممر بري ويوفر فرصًا اقتصادية لكلي الجانبين، كما سيؤدي تنفيذ هذا المشروع وفتح الممر إلى عزل الأراضي بين الأكراد العراقيين والسوريين عن بعضها البعض".
وقال النجم، إن تركيا تريد قطع ممر "حزب العمال الكردستاني" العراقي إلى سوريا من خلال فتح معبر أوفاكوي، و الوصول إلى المناطق السنية والتركمانية في شمال العراق، مثل الموصل، لإقامة اتصال مباشر مع التركمان والعرب السنة لتحقيق المزيد من النفوذ السياسي في هذه المجتمعات من خلال العلاقات الاقتصادية.
وأوضح أن أنقرة تنافس إيران في العراق، موضحا أن إيران هي العائق الوحيد أمام التحركات التركية في العراق، و ترفض إيران بالقوة الوجود العسكري والسياسي التركي الأكبر في ممرها الاستراتيجي، الذي يمر عبر الهلال الشيعي الإيراني من السليمانية-كركوك-الموصل إلى سوريا، والذي يربط طهران بدمشق وبيروت.
وأوضح أن تركيا لا تسعى إلى عزل إيران عن مشروع "طريق التنمية" المخطط له، لعلمها بواقع وجود إيران والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، لا سيما في كركوك والموصل وسنجار، ولكنها تبحث لها عن موطئ قدم ينافس التواجد الإيراني.
]]>