خطة "الموساد" بدأت في 2015.. هكذا وصلت أجهزة "البيجر" المفخخة إلى حزب الله
في العام 2022، أقدم حزب الله على شراء أجهزة "البيجر" طراز "أبولو" التي تتحمل ظروف ساحات المعارك، بعدما أعجب قيادات الحزب بالجهاز صاحب التصميم التايواني المقاوم للمياه، والذي يمتاز ببطارية كبيرة الحجم تعمل شهورا دون شحن، لكن الأفضل من ذلك كله أنه "لا يمكن لاجهزة الاستخبارات الإسرائيلية"، أو هكذا كانوا يعتقدون.
وتقول جريدة "واشنطن بوست" أن قادة الحزب وزعوا خمسة آلاف جهاز من هذا الطراز على المقاتلين في المستوى المتوسط وأفراد الدعم، ولم يشكوا لوهلة أنهم كانوا يوزعون "قنابل إسرائيلية مصنوعة ببراعة".
وفي 17 سبتمبر الماضي، اتخذ جهاز الإسرائيلي القراب بـ"تفعيل القنبلة"، لتنفجر أجهزة الاتصال "البيجر" مخلفة نحو ثلاثة آلاف بين قتيل ومصاب في صفوف الحزب.
نجاح "منقطع النظير"
وباعتباره أحد أعمال التجسس، فهو بلا نظير، "أحد أنجح عمليات اختراق العدو من قبل جهاز استخبارات في التاريخ الحديث"، لكن التفاصيل الرئيسية للعملية – بما في ذلك كيفية التخطيط لها وتنفيذها، والجدل الذي أثارته داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وبين الحلفاء – بدأت تظهر الآن فقط.
رواية بشأن العملية
وتوصلت "واشنطن بوست" إلى رواية بشأن العملية عبر مقابلات مع مسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين وعرب وأميركيين مطلعين على الأحداث، بالإضافة إلى مسؤولين لبنانيين وأشخاص مقربين من حزب الله. وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة معلومات استخباراتية حساسة حول خطة استمرت لسنوات في مقر الموساد بـ"تل أبيب"، وشارك فيها مجموعة من العملاء والمتواطئين غير المقصودين في بلدان متعددة.
وتكشف رواية الجريدة الأميركية كيف أن الهجوم لم يدمر صفوف قيادة حزب الله فحسب، بل شجع إسرائيل أيضًا على استهداف وقتل زعيمه السابق، حسن نصر الله.
نشأت فكرة عملية البيجر في عام 2022، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وشرق أوسطيين وأميركيين مطلعين على الأحداث، حين كان هناك هدوء نسبي على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان التي مزقتها الحرب.
وكان المسؤولون الإسرائيليون يراقبون بقلق متزايد قيام الجماعة اللبنانية بإضافة أسلحة جديدة إلى ترسانتها القادرة بالفعل على ضرب المدن الإسرائيلية بعشرات الآلاف من الصواريخ الموجهة بدقة.
"الموساد" عمل لسنوات على اختراق المجموعة من خلال المراقبة الإلكترونية وعملاء له، ومع مرور الوقت، وقد بدأ القلق يراود قادة حزب الله بشأن تعرض الجماعة للمراقبة والقرصنة الإسرائيلية، وتحول الهواتف المحمولة العادية إلى أجهزة تنصت وتتبع تسيطر عليها إسرائيل.
حصان طروادة
وقال المسؤولون إن هذه هي الطريقة التي ولدت بها فكرة إنشاء نوع من "حصان طروادة" للاتصالات. فكان حزب الله يبحث عن شبكات إلكترونية مقاومة للاختراق لنقل الرسائل، وتوصل الموساد إلى حيلتين من شأنها أن تقود مجموعة الميليشيات إلى شراء أجهزة تبدو مثالية للمهمة - وهي معدات صممها الموساد وجمعها في إسرائيل.
بدأ الموساد إدخال الجزء الأول من الخطة، وهو أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان منذ نحو عقد من الزمن، في عام 2015. وكانت أجهزة الراديو المحمولة ذات الاتجاهين تحتوي على حزم بطاريات كبيرة الحجم، ومتفجرات مخفية، ونظام إرسال أعطى إسرائيل الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.
وقال المسؤولون إن الإسرائيليين اكتفوا لمدة تسع سنوات بالتنصت على حزب الله، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكي إلى قنابل في أي أزمة مستقبلية.
لكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة، وهو زرع "أجهزة بيجر" صغيرة الحجم ومزود بمتفجرات قوية.
وفي مفارقة، دفع حزب الله أموالا للإسرائيليين، دون علمه بالطبع، مقابل شراء أجهزة الاتصال، التي هي في الواقعة قنابل صغيرة تسببت في قتل أو جرح العديد من عناصره.
ولأن قادة حزب الله كانوا متيقظين لأي عمل تخريبي محتمل، لم يكن من الممكن أن يكون مصدر أجهزة الاستدعاء إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي حليف آخر لإسرائيل.
لذلك، في عام 2023، بدأت المجموعة في تلقي طلبات الشراء بالجملة لأجهزة استدعاء "أبولو" ذات العلامة التجارية التايوانية، وهي علامة تجارية وخط إنتاج معروفان جيدًا ويتم توزيعهما في جميع أنحاء العالم ولا توجد روابط واضحة لمصالح مع إسرائيل، وعلق المسؤولون بأن الشركة التايوانية ليس لديها علم بالخطة.
وجاء عرض المبيعات من مسؤول تسويق موثوق به من قبل حزب الله وله صلات بشركة أبولو، والمسؤول في الواقع "امرأة" رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، ممثلة مبيعات سابقة في الشرق الأوسط للشركة التايوانية، وقد أنشأت شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة الاستدعاء التي تحمل علامة أبولو التجارية.
في وقت ما من عام 2023، عرضت على حزب الله صفقة على أحد المنتجات التي تبيعها شركتها، وهو الجهاز من طراز "AR924"، وهو مشهود له بأنه "متين وموثوق".
وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية: "كانت على اتصال بحزب الله، وشرحت لهم لماذا كان جهاز النداء الأكبر مع البطارية الأكبر أفضل من النموذج الأصلي".
وأضاف أن إحدى النقاط التي ميزت الجهاز هي إمكانية شحنه بـ"كابل" فضلا عن دوام البطارية لفترة طويلة، مشيرا إلى أن المسؤولة لم تكن على دراية بأنها تورد أجهزة إلى الحزب جرى تصنيعها في إسرائيل تحت إشراف الموساد.
وتضمنت أجهزة الاستدعاء الخاصة بالموساد، والتي يزن كل منها أقل من ثلاث أوقيات، ميزة فريدة: "حزمة بطارية تخفي كمية صغيرة من مادة متفجرة قوية"، وفقًا للمسؤولين المطلعين على الواقعة.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إنه في عمل هندسي فذ، تم إخفاء مكون القنبلة بعناية شديدة بحيث لا يمكن اكتشافها فعليا، حتى لو تم تفكيك القنبلة، معربين عن اعتقادهم أن حزب الله فكك بعض أجهزة النداء وربما صورها بالأشعة السينية.
كما كان غير مرئي أيضًا وصول الموساد عن بعد إلى الأجهزة، وذلك من خلال "إشارة إلكترونية" يمكن أن تؤدي إلى انفجار آلاف الأجهزة في وقت واحد.
لكن لضمان أقصى قدر من الضرر، يمكن أيضًا أن يحدث الانفجار من خلال إجراء خاص من خطوتين على الجهاز، وذلك بهدف عرض رسائل مشفرة.
ويشرح مسؤول إسرائيلي لـ"واشنطن بوست" أنه بمعنى عندما تصل رسالة مشفرة لأحد الأجهزة، يجب على المتلقي أن "يضغط زرين" في وقت واحد لقراءة الرسالة، ومن الناحية العملية، كان ذلك يعني استخدام كلتا اليدين، وحينها يقع الانفجار.
وعلق المسؤول بأن الانفجار سيؤدي إلى جرح مستخدم الجهاز في كلتا يديه، وبالتالي "سيكون غير قادر على القتال".
]]>