"مقامرة" الحوثيين تعرض اليمن إلى "خطر وجودي"
دائما ما كان ينظر العالم إلى الصراع داخل اليمن على أنه "حربا أهلية" بين أطراف داخلية ظلت تتقاتل طيبة تسعة أعوام، ولكن الحقيقة أنها دائما ماكنت "صراعا إقليميا"، واليوم قد يجلب "تهور" الحوثيين على البلاد ويلات دولية تهدد مصيرها ومستقبلها إلى حد كبير.
هذا ما أشار إليه تقرير نشره موقع "وورلد كرنش"، ومقره في العاصمة الفرنسية باريس، حيث لفت إلى الدعم المالي والعسكري المستمر الذي تقدمه إيران إلى الحوثيين، بينما أدى طول الصراع في اليمن وصعوبة التوصل إلى حلول دبلوماسية فيها، إلى "خلق دولة فاشلة" وكارثة إنسانية من بين الأسوء في العالم.
بداية حرب اليمن
واندلعت حرب اليمن في عام 2014 عندما اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء، ليتدخل تحالف بقيادة السعودية في عام 2015 لمحاولة إعادة الحكومة اليمنية المنفية والمعترف بها دوليا إلى السلطة، والآن "أصبحت جهود الحل السياسي" مجمدة إلى حد كبير، مع التطورات الأخرى الإقليمية.
وجاءت الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية التي بدأت في يناير الماضي ردًا على العدد المتزايد من هجمات الحوثيين على طرق الشحن في البحر الأحمر، والتي عطلت التجارة العالمية وسلاسل التوريد.
كما صعدت الحركة من هجماتها الصاروخية على إسرائيل خلال الفترة الماضية، خصوصا وأن آخر ضربتين صاروخيتين أدت إلى وقوع عدد من الإصابات في تل أبيب وماجاورها، إضافة إلى أضرار مادية غير هينة.
ردت إسرائيل بتوجيه قصف جوي على ما قالته إنه "أهداف" للحوثيين، إضافة إلى منشآت أخرى استراتيجية ومهمة مثل مصفاة نفط ومحطات، ويرجح مراقبون أن تستمر في هجماتها خلال الفترة المقبل.
وقال ماجد المذحجي، كاتب وباحث يمني، إن الصراع في اليمن اتخذ بعدا جديدا، حيث يشتبك الحوثيون الآن مع الأطراف الدولية، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. كما انضمت إسرائيل حديثا إلى القائمة وصارت نشطة في توجيه الضربات للحركة.
لكن المذحجي يرى أن الضربات التي قادتها أميركا طيلة الفترة الماضية لم تكن سوى هجمات محدودة، ومثلت فقط "رسالة ردع" من مفادها أنهم "قادرون على الوصول إلى جميع المواقع المحتملة في جميع أنحاء اليمن واستهدافها، وأنه يمكنهم أيضًا تقويض القدرات العسكرية للحوثيين".
عودة ترامب
لكن تلك السياسة التي انتهجتها إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، أشبه بإمساك العصا من المنتصف، ففي الوقت الذي توجه فيه ضربات بصورة دورية إلى الحوثيين، إلا أنها سعت دائما إلى عدم تطور تلك الهجمات للتحول إلى صراع مفتوح معهم.
والآن تكثر التكهنات والتساؤلات بشأن السياسة الأميركية الجديدة ضد إيران ووكلائها، وفي القلب منهم الحوثيون، حينما يبدأ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مباشرة مهامه في إدارته الجديدة نهاية يناير المقبل.
ويقول المحلل السياسي الأميركي سايمون إن إدارة ترامب يجب أن تضع على رأس أولوياتها إيقاف هجمات الحوثيين ضد حركة الشحن العالمية، وأيضا إيقاف الهجمات التي تستهدف الداخل الإسرائيلي.
ويرى أن أمثل طريقة تتمثل في إعادة استنساخ ما يعرف بـ"حملة الضغط القصوى"، وهي السياسة التي انتهجها ترامب ضد إيران خلال فترة إدارته الأولى، بداية من انسحابه من الاتفاق النووي، وصولا إلى فرض العقوبات على إيران أو على صادراتها من النفط، وهو الأمر الذي يمكن أن يوقف التمويل للحوثين.
وأكد المحلل الأميركي أن الوقت قد حان "للتصدي للتهديد الحوثي"، والتأكد من نزع سلاح الحوثيين وأنهم لم يعودوا قادرين على شن هجمات ضد الشحن الدولي وإسرائيل، وذلك عبر عمل الولايات المتحدة مع شركائها في المنطقة، وهو ما يعتقد أن إدارة ترامب ستفعله.
واتخذت حركة الحوثيين من القضية الفلسطينية ستارا لتنفيذ هجماتها، لكن المتابعين يرون أن الهدف من تلك الهجمات هو غير ذلك، وإنما تنفيذ لأجندة إيرانية.
وأصبح الحوثيون الآن في موقف أضعف من أي وقت مضى، ويصفهم البعض بأنه "آخر الصامدين" في محور المقاومة، بعد سقوط نظام بشار الأسد في إيران، وإضعاف حزب الله بشكل كبير للغاية في لبنان، وتراجع أنشطة الميليشيات المدعومة من إيران في العراق.
وتبقى الآن المخاوف من أن تتسبب الحركة في جر اليمن إلى حرب أخرى مدمرة، وهي في وضع "بائس" حاليا، قد تمثل تهديدا وجوديا عليها، بينما تكثر الدعوات إلى أطراف دولية للنظر في التعاون مع حلفاء محليين يمكن الوثوق بهم في هذا الملف، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي.
]]>