رحلة الـ 100 عام.. السعودية من الجفاف إلى الأعلى إنتاجا للمياه المحلاة عالميا

على مدار 100 عام أو أكثر، قطعت المملكة العربية السعودية رحلة في مواجهة أبرز التحديات التي تواجهها، سواء على مستوى التنمية أو معيشة مواطنيها، وهي ندرة الماء أو الجفاف بشكل عام، وقد تكللت تلك الجهود بالنجاح، حتى صارت الآن الدولة الأكبر إنتاجا للمياه المحلاة في العالم.

وعرفت السعودية تحلية المياه منذ أكثر من مائة عام، وتحديدا في عام 1907 عندما انتشلت آلة من إحدى السفن المتحطمة على شواطئ جدة وسميت "الكنداسة" اشتقاقاً من اسمها اللاتيني "Condenser"، التي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

التحلية بـ"الكنداسة"

تقنية تحلية المياه بـ"الكنداسة" لم تكن سابقا تستخدم إلا في السفن العسكرية وسفن الشحن التجاري التي تبحر لأسابيع دون توقف، لكن بعد تثبيت تلك الآلة على شواطئ جدة، امتلكت السعودية أول وحدة لتحلية المياه على اليابسة.

وفي عام 1926 وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم لجدة إذ إن المياه العذبة كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجات الحجاج والمعتمرين من المياه بالإضافة إلى تزويد سكان مدينة جدة بالماء.

وفي عام 1965 أنشأت إدارة عامة لتحلية المياه المالحة بوزارة الزراعة والمياه بجدة، ومن بعدها أنشئت عدد من محطات التحلية هي: محطتا الوجه وضباء عام 1969 ومحطة جدة في عام 1970 ومحطة الخبر عام 1973.

أما نقطة التحول فكانت في عام 1974 إذ صدر المرسوم الملكي بإنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة لتتولى المؤسسة إنشاء المحطات وإيصال المياه المحلاة لمختلف مناطق المملكة العربية السعودية.

33 محطة تحلية

وتدير المؤسسة الآن 33 محطة تحلية منها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة تحلية على ساحل البحر الأحمر وتنتج 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يمثل حوالي 70% من إنتاج المياه المحلاة في السعودية وهذه الأرقام جعلت من المملكة تتربع على عرش أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وحديثاً تمكنت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة من تحقيق قفزات قياسية في مشاريعها والتي عززت ريادتها لصناعة التحلية، بإنتاجها 7.9 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يومياً (مع القطاع الخاص) وهو الإنتاج الأعلى في العالم.

22% من الإنتاج العالمي

وتحوز السعودية على نسبة 22% من الإنتاج العالمي للمياه المحلاة، التي تنقل عبر خطوط أنابيب بطول إجمالي 11.2 ألف كلم والذي ساهم بإيصال المياه إلى جميع أنحاء المملكة، كما سجّلت "التحلية" رقماً قياسياً عالمياً في موسوعة غينيس للأرقام القياسية عن أقل محطة تحلية استهلاكا للطاقة في العالم بـ 2,27 كيلو وات/ساعة لكل متر مكعب من المياه المحلاة بمحطة التحلية الجديدة، لتعزز بذلك ريادتها العالمية لصناعة التحلية، مواصلةً خططها لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف "كوب 16"، الذي أقيم في نوفمبر الماضي بالعاصمة الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن الرياض - على سبيل المثال - تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

وفي يوليو الماضي، وقعت السعودية اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً، وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80%، وتهدف إلى أن تصبح 83% من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

وقد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60% في بعض الفصول.

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بكمية استهلاك الطاقة، أكد آل الشيخ أن كمية استهلاك الطاقة لإنتاج متر مكعب واحد، من الماء تتجاوز 4 كيلو واط بالساعة لكل متر مكعب في الماضي، "بينما الآن حققنا كمية استهلاك الطاقة 2.5 كيلو واط بالساعة لكل متر مكعب مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل".

وخلال الجلسة الحوارية على هامش "كوب 16"، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.

]]>

Previous
Previous

أزمة طاقة تشل إيران.. الحكومة أغلقت أبوابها والصناعة توقفت

Next
Next

"مقامرة" الحوثيين تعرض اليمن إلى "خطر وجودي"