رحيل عرَّاب السلام.. هل يحتاج الشرق الأوسط إلى استحضار تجربة كارتر؟

على الرغم أن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لم يتولى المنصب في بلاده سوى لولاية واحدة من 1977 إلى 1981، إلا أنه ترك إرثا لا يمكن نسيانه على مستوى العالم، بعدما نجح فيما رآه العالم أنه مستحيلا، وسهَّل إبرام اتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل ومصر، لينهي عشرات السنين من الحروب، واليوم رحل الرجل عن عمر ناهز 100 عام، بينما يبحث الشرق الأوسط، الذي يموج بالصراعات، عن سبيل للسلام.

كان من المستحيل تخيل أن يحدث سلام بين إسرائيل وإحدى الدول العربية، لكن الأمر بات ممكنا بعد مبادرة "مذهلة" من الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، حينما قرر أن "يذهب إلى إسرائيل" في العام 1977، وألقى خطابه التاريخي الشهير في الكنيست، حيث دعا إلى إبرام سلام بين العرب وإسرائيل.

وتلقف كارتر باهتمام تلك المبادرة، وفى الثالث من فبراير ١٩٧٨، التقى السادات فى كامب ديفيد، وطرح على الرئيس المصري خارطة طريق أميركية للسلام، لتتوالى سلاسل الزيارات والاتصالات بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة.

وذكر وزير الخارجية المصري الأسبق الدكتور بطرس غالى، فى يومياته «طريق مصر إلى القدس»، كيف أدار كارتر العملية ببراعة من أجل إيجاد تفاهمات بين المصريين والإسرائيليين.

البداية كانت في الأول من سبتمبر ١٩٧٨، حين رأس جلسة خاصة لمجلس الأمن القومي الأميركي تمهيدا للقاءات في "كامب ديفيد"، وتناول الاجتماع دراسة الشخصيات المصاحبة لكل من السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن ومدى تأثيرهما.

وحدد الاجتماع الشخصيات الموجودة في الوفدين، ومدى تأثيرهم على السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين، كما تم فى الاجتماع مناقشة كل أسباب فشل المفاوضات السابقة والنقاط الخلافية بين مصر وإسرائيل.

وانتهت الإعدادات بوصول الأطراف إلى المنتجع الرئاسى فى كامب ديفيد، حيث خاض الطرفان مناقشات محمومة، بينما راقب كارتر بشكل حثيث تطورات الأمر.

وكما أشار بطرس غالى فى يومياته: وفى النهاية تم التوصل إلى اتفاق إطار السلام والذى تقرر توقيعه فى منتجع كامب ديفيد فى ١٧ من سبتمبر ١٩٧٨ بعد ثلاثة عشر يومًا من التفاوض المباشر، ثم عدل ذلك ليصبح توقيع اتفاق إطار السلام فى العاصمة واشنطن أمام عدسات الكاميرات وأعين المشاهدين فى العالم أجمع كتحول مهم فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى وكحدث تاريخى مهم غير مسبوق، وهذا الاتفاق لا يعدو كونه إطار عمل لإقرار السلام فى الشرق الأوسط.

وبالفعل أدى الاتفاق إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ثم عملية التصديق البرلمانى عليها من الطرفين، كما بدأت أيضا عملية تنفيذ بنود الاتفاقية،

تفاصيل الاتفاق

وقد تضمن الاتفاق وثيقتين، تضمنت الوثيقة الأولى النص على الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وكذا على ترتيبات أمن تعزز الأمن الإسرائيلى، وتمنح الوثيقة الفلسطينيين الحق فى الاشتراك فى المفاوضات التى تلى الفترة الانتقالية على أساس أن تعتمد هذه المفاوضات على القرار ٢٤٢ كمرجعية للتفاوض.

بينما نصت الوثيقة الثانية على الانسحاب الإسرائيلى من سيناء على مرحلتين، الأولى منهما: خلال فترة من ٣ إلى ٩ أشهر عقب توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتى يجب أن يتم الاتفاق عليها وتوقيعها خلال ثلاثة أشهر، أما المرحلة الثانية من الانسحاب الإسرائيلى النهائى من سيناء فتتم خلال مدة عامين إلى ثلاثة أعوام، كما تقضى تلك الوثيقة بإقامة علاقات طبيعية اقتصادية وثقافية ودبلوماسية كاملة بين البلدين عقب إتمام المرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلى.

ونصت الوثيقة على تقسيم المنطقة الواقعة شرق القناة وشرق خط الحدود الدولية إلى أربع مناطق أ، ب، ج، د الثلاثة الأولى منها فى مصر والرابعة فى إسرائيل وتم فيها الاتفاق على حجم وأعداد القوات والمعدات العسكرية لكل منطقة وعلى مرابطة قوات أممية فى شرم الشيخ لا يتم سحبها إلا بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية المطلقة ورفع الحظر على حرية التنقل بين البلدين، بينما اشترطت مصر إجلاء جميع الإسرائيليين من المستوطنات الإسرائيلية فى سيناء قبل الشروع فى البدء فى أية مفاوضات بشأن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وقد وافق الكنيست الإسرائيلى على ذلك بعد موافقته على اتفاق كامب ديفيد.

فى الثانى عشر من أكتوبر ١٩٧٨ بدأت فى بلير هاوس بالولايات المتحدة الأمريكية المفاوضات المصرية الإسرائيلية الأميركية الساعية إلى التوصل للمعاهدة التنفيذية للسلام بين مصر وإسرائيل طبقا لإطار اتفاق السلام الموقع فى سبتمبر من نفس العام. وتم توقيع المعاهدة فى الولايات المتحدة فى ٢٦ من مارس ١٩٧٩، بدأت عملية التصديق البرلمانى عليها من الطرفين، كما بدأت أيضا عملية تنفيذ بنود الاتفاقية.

وتقول "وول ستريت جورنال" إن كارتر، الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة، قد شاب عهده الكثير من "الانتكاسات" مثل التضخم والحادث الشهير الخاص باحتجاز الرهائن الأميركيين في إيران، لكن دوره في إبرام معاهدة سلام تاريخية بين إسرائيل ومصر، أطلق تغييرات كبيرة هيمنت على الساحة السياسية العالمية في السنوات التالية لحكمه.

وقالت الجريدة الأميركية أن السلام بين مصر وإسرائيل أعاد تشكيل الشرق الأوسط من خلال تحقيق سلام دائم بين دولتين معاديتين، كما ظل كارتر منشغلاً في السنوات التي قضاها بعد رئاسته بالسلام في المنطقة بشكل عام 

إرث كارتر

وفي ظل ما يموج به الشرق الأوسط من أحداث اليوم، تظهر الآن الحاجة الملحة إلى رؤية مماثلة من أجل السلام، التي تكفل للدول العيش في استقرار بعيد عن الحروب.

ويأتي على رأس أجندة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إحياء مشروعه الذي أطلقه في ولايته السابقة، وهو التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل ضمن "اتفاقيات إبراهام"، حيث يسعى إلى استكمال هذا الجهد من خلال "اتفاق تاريخي" آخر بين الرياض وتل أبيب.

ونعى ترامب، كارتر قائلا: "لقد توفي الرئيس جيمي كارتر عن عمر يناهز 100 عام، وبينما كنت أختلف معه بشدة فلسفيا وسياسيا، أدركت أيضا أنه أحب بلادنا حقا واحترمها، وكل ما يمثله. لقد عمل بجد لجعل أمريكا مكانا أفضل، ولهذا السبب أعطيه أعلى درجات احترامي. لقد كان رجلا صالحا حقا، وبالطبع، سنفتقده كثيرا. كما كان ذا أهمية كبيرة، أكثر بكثير من معظم الرؤساء، بعد أن غادر المكتب البيضاوي. أحر التعازي من ميلانيا وأنا لعائلته الرائعة!".

]]>

Previous
Previous

السلطات الأميركية تطارد متهمين وأدلة جديدة في هجوم نيو أورليانز

Next
Next

الذكاء الصناعي وسيلة الإمارات لتعزيز اقتصادها المزدهر