رحلة إلى "جوبر".. حي دمشق المدمر يكشف "التحدي الهائل" أمام سوريا الجديدة

وسط الركام والدمار، يقف حي جوبر الدمشقي شاهدا على الحقبة التي عاشتها سوريا خلال السنوات الماضية، ومذكرا للجميع بحجم التحدي الهائل الذي سيواجه الإدارة الجديدة في أهم الملفات وهو "إعادة الإعمار".

"وول ستريت جورنال" زارت الحي، حيث لم يعود إلى الحي سوى عدد قليل من سكانه القدامه لإلقاء نظرة على ما تبقى من بيوتهم، حيث لم يظل صامدا في هذا المكان إلا "المقبرة".

وداخل المقبرة، وجدت الجريدة الأميركية ماجد العجوز وعمه، الذين يتوليان غسل الجثث ودفنها، وكان "العجوز" قد انتهى لتوه من حفر قبر جديد، حيث دفن المشيعون رجلا يبلغ من العمر 65 عاما وسط شواهد القبور المحطمة والحفر التي خلفها القتال.

ولم يتبق سوى القليل من معقل المعارضة السابق، حيث كان يعيش أكثر من ربع مليون شخص قبل بدء الثورة السورية في عام 2011. 

دمار واسع في جوبر

ويعد حجم الدمار في جوبر من بين الأكبر في جميع أنحاء سوريا، مما يشكل تحديًا هائلاً للحكومة الجديدة التي تحتاج إلى إعادة بناء البلد الممزق لضمان الاستقرار وإعادة اللاجئين، وقد وصلت تقديرات التكلفة على مستوى البلاد إلى ما لا يقل عن 400 مليار دولار. 

وأدى القتال إلى نزوح نحو نصف سكان سوريا البالغ عددهم حوالي 22 مليون نسمة، إما إلى الخارج أو إلى أجزاء أخرى من البلاد. ويعاني العديد منهم من ضغوط اقتصادية ويتوقون إلى العودة، لكن ليس لديهم ما يعودون إليه.

وكانت جوبر وغيرها من الضواحي الشرقية ذات أهمية استراتيجية باعتبارها بوابات إلى العاصمة، وتعرضت لقصف عنيف من نظام الأسد، الذي أمطرهم بالبراميل المتفجرة وحتى الأسلحة الكيميائية في القتال منذ عام 2013 حتى اتفاق الاستسلام الذي أدى إلى إخلاء المنطقة في عام 2018. 

وتعرضت آلاف المنازل والمتاجر والعديد من المساجد والمعبد اليهودي الأكثر احتراما في سوريا لأضرار بالغة، وتحولت إلى أكوام من الركام وتم تجريدها من قضبان الحديد والأسلاك الكهربائية وبلاط السيراميك. 

وعلى مسافة ليست بعيدة عن وسط دمشق الذي لم يتضرر إلى حد كبير، تواجه جوبر، مثل العديد من الضواحي والمدن والبلدات المدمرة في جميع أنحاء سوريا، التحدي المتمثل في إعادة البناء من الصفر تقريبًا.

شهادات أهل جوبر

ومن بين العائدين، ماهر صالحة، الذي حضر إلى جوبر في يناير الماضي وهو يحمل طفله صاحب العشرة أعوام، الذي ولد خلال فترة النزوح، وذلك لكي يريه "المكان الذي ولد فيه أبيه وصار حطاما".

ويقول صالحة: "لقد أخذوا كل شيء"، ثم يستذكر حياته في الماضي، حيث كان يعمل على إصلاح الأحذية في ورشة عمل في الطابق السفلي، وكان انتهى لتوه من تجديد شقة عائلته في الطابق الثالث عندما اشتد القتال وأُجبر على الفرار مع أسرته. وقد تحول المبنى الذي يسكن فيه الآن إلى هيكل محطم، حيث تراكمت الأنقاض حتى الطابق الثاني.

وهو يريد من الحكومة الجديدة توفير منازل متنقلة حتى يتمكن السكان على الأقل من البقاء في أراضيهم خلال انتظار إعادة الإعمار، مضيفا: "نريد" مكانا للسكن.

وفي آخر الشارع، كان الأخوان الفلسطينيان فوزي وأحمد رمضان يحفران بئراً وسط أكوام الحجارة والغبار، وقام آباؤهم بتربيتهم في جوبر، وقالوا إنه إذا تمكنوا من الوصول إلى المياه، فقد يفكرون في محاولة إعادة بناء منازلهم المدمرة.

وينتظر كثيرون آخرون بدء تدفق الأموال الدولية. أرسل الهلال الأحمر السوري فريقاً إلى جوبر في أواخر يناير الماضي لتقييم خطر الألغام والذخائر غير المنفجرة، وهي خطوة مبكرة في رحلة طويلة نحو التعافي، ووعد محافظ دمشق الجديد بالمساعدة في إعادة بناء جوبر لكنه حث السكان على التحلي بالصبر.

جوبر خلال المواجهات

وخلال المواجهات مع نظام الأسد، تحصن مقاتلو المعارضة في جوبر لسنوات ومن بينهم بعض مقاتلي هيئة تحرير الشام، وقاموا بحفر أنفاق تحت المنطقة السكنية حيث فرضت قوات النظام حصاراً مدمراً وهاجمت بلا هوادة.

ثم شهد جوبر اتفاق بمقتضاه جرى نقل المعارضين، إلى جانب النساء والأطفال، بالحافلات إلى محافظة إدلب، ولكن هؤلاء المقاتلين أعادوا الكرة على قوات النظام، وكانوا من ضمن الذين خاضوا المعارك نهاية العام الماضي، التي انتهت بالسيطرة على دمشق وفرار بشار الأسد.

ومن بين هؤلاء المقاتلين، محمد شاكر أبو نور، أحد سكان جوبر، الذي حارب النظام لسنوات ثم جرى إجلاؤه إلى إدلب مع زوجته وابنه في عام 2018.

وقال عن عملية الإجلاء خلال زيارة قام بها مؤخراً: "كان الأمر صعباً للغاية، كما لو أن روحي كانت تغادر جسدي.. وعندما عدت إلى جور، شعرت كأن الحياة عادت لي".

بعد أسابيع من استيلاء المتمردين على دمشق، اصطحب أبو نور زوجته وأطفاله الثلاثة الآن إلى مقبرة جوبر لتقديم العزاء لأخيه واثنين من صهريه، الذين قتلوا جميعا قبل سنوات، وتعرضت المقبرة للقصف الشديد لدرجة أنه احتاج إلى المساعدة في تحديد موقع قبورهم.

وكانت آخر مرة عمل فيها عجوز وعمه في حفر القبور في مقبرة جوبر قبل عام 2018، حيث تم إفراغها بعد سنوات من القتال العنيف ونهبت من قبل اللصوص.

وأثناء القتال، لم يتم الدفن إلا تحت جنح الظلام. وقال العجوز إن الجثث تم غسلها في قاعة سرية تحت الأرض، ثم تم تسليمها إلى المقبرة من قبل رجال قاموا بتنسيق الحركات عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي

كان يعمل خياطاً لكنه تطوع في أعمال المقابر أثناء الحرب، بحثاً عن وسيلة لدعم الثورة دون حمل السلاح. وقال إنه تم استجوابه مرتين من قبل المخابرات العسكرية بشأن دفن جثث المعارضين وأصيب بطلق ناري في عام 2014.

يختتم العجوز قصته بالحديث عن كيف كان يتجنب قناصة الجيش والغارات الجوية، وذلك بالإسراع في تنفيذ أعمال الدفن، التي لا تستغرق سوى خمس دقائق، فيما يؤدي صلاة الجنازة عدد قليل من الرجال بشكل وجيز، ورغم هذا الحذر، فأنهم تعرضوا للقصف ذات مرة، مما أدى إلى إصابة شقيقه ومقتل ابن عم والده.

]]>

Previous
Previous

زيارات مكثفة لعسكريين غربيين رفيعي المستوى.. ليبيا بين "استقبال الغزيين" و"طرد الروس"

Next
Next

مصير أموال الأسد؟ “جسور نيوز” تحاور رئيس عدلية دمشق المستشار علي المغربي