زيارات مكثفة لعسكريين غربيين رفيعي المستوى.. ليبيا بين "استقبال الغزيين" و"طرد الروس"
بشكل لافت.. عادت ليبيا "قليلا" إلى واجهة الاهتمام الدولي خلال الأيام الماضية، خصوصا من المعسكر الغربي، حيث كانت على موعد مع زيارة العديد من المسؤولين العسكريين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة وبريطانيا.
وزار كل من نائب قائد القوات العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" جون برينان ونائب رئيس الأركان العامة لوزارة الدفاع البريطانية الفريق أول هارفي سميث ليبيا خلال الأسبوع الماضي في وفدين مختلفين، وهي زيارتان "لا يمكن فصلهما عن سياقهما الإقليمي" كما يرى مراقبون، خصوصا وأنهما جاءا بعد فترة قصيرة من إقرار مجلس الأمن الدولي رفع الحظر الجزئي عن تسليح ليبيا، وهو طلب تبنته بريطانيا بعدما قدمه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.
وفي طرابلس، بحث رئيس حكومة "الوحدة الوطنية" في طرابلس عبدالحميد الدبيبة مع وفد "أفريكوم" سبل تعزيز التعاون العسكري والتدريب بحضور رئيس الأركان محمد الحداد، ووكيل وزارة الدفاع عبدالسلام الزوبي، ومستشار الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، والقائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا جيريمي برنت.
وفي شرق البلاد، وبالتحديد بمقر القيادة العامة بمنطقة الرجمة في بنغازي بحث الفريق جون برينان مع رئيس أركان القوات البرية التابعة لـ"الجيش الوطني الليبي" الفريق صدام حفتر، توسيع التعاون الأمني بين الولايات المتحدة الأميركية وليبيا، وسبل دعم جهود إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد. ويأتي هذا اللقاء في وقت شدد فيه قائد الجيش الوطني، المشير خليفة حفتر على "أهمية الدور المحوري للولايات المتحدة الأميركية، ومدى مساهمتها في حل الأزمة الليبية"، وهو الذي كان قد التقى، في وقت سابق نائب رئيس الأركان البريطاني الفريق هارفي سميث.
وتعد زيارة المسؤول البريطاني إلى طرابلس وبنغازي الأولى من نوعها، وركزت على الجانب العسكري والأمني، فقد التقى سميث أيضاً رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الأحد، في طرابلس، وناقش معه "أوجه التعاون الأمني والعسكري المشترك بين ليبيا وبريطانيا".
تقويض المشروع الروسي في ليبيا
ويربط متابعون للشأن الليبي الزيارتين بسعي واشنطن ولندن، ضمن رؤية مشتركة مع دول أوروبية أخرى، إلى تقويض المشروع الروسي والتوسع التركي في البلاد، بما فيها المنطقة الشرقية، والضغط باتجاه تشكيل قوة عسكرية ليبية مشتركة تمثل المؤسسة العسكرية قد تكون نواة قوة نظامية توكل إليها مواجهة الوجود الروسي العسكري في ليبيا تحت عنوان "إخراج القوات والقواعد العسكرية الأجنبية من الأراضي الليبية".
ولعل تلك التحركات كانت دافعا لإصدار وزارة الخارجية الروسية بيانا أخيرا قالت فيه إن موسكو "مستعدة للحوار وتنسيق الخطوات بشأن ليبيا مع الولايات المتحدة والأطراف المعنية الأخرى".
لكنها قالت إنها "لا تجري مفاوضات بشأن انسحاب المرتزقة الأجانب من ليبيا"، فيما لم تجد تلك الدعوة أذانا صاغية من واشنطن، التي تجاهلتها كما كشف نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين، في تصريحات لاحقة لوسائل إعلام روسية.
وغابت روسيا عن المشهد الليبي خلال العام 2011، وبعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، كالت الاتهامات للغرب وحلف "الناتو" بالتسبب في الفوضى التي غرقت فيها البلاد طيلة السنوات الماضية.
لكن موسكو نفسها تورطت في الصراع الدائر في البلاد بشكل مباشر وواضح منذ العام 2019، حين دعمت شركة "فاغنر" العسكرية محاولة المشير خليفة حفتر السيطرة على العاصمة طرابلس، وقد باءت الحملة بالفشل.
ومنذ ذلك الحين حافظت روسيا على تواجد مباشر في الشرق الليبي بمواقع استراتيجية سواء قواعد جوية أو حقول نفط، وقد ورث تشكيل ما يسمى بـ"الفيلق الأفريقي" عمليات "فاغنر" في البلاد، واستغل ليبيا كقاعدة لوجستية للتحركات في دول الساحل والصحراء الأفريقية.
استقبال الغزيين
ويرى المراقبون أن الوضع في ليبيا يرتبط أيضا بالمخاض الإقليمي الحالي، والتصورات الجديدة بشأن المنطقة، وفي القلب من كل ذلك المقترح بشأن نقل الفلسطينيين من أهالي قطاع غزة لخارجه.
وتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مقترحه، مشيرا في هذا الإطار إلى إمكانية نقل أهالي غزة إلى مصر والأردن و"دول أخرى".
ويرجح كبير الباحثين في المركز المغاربي للإعلام و الدراسات و التكوين عزالدين عقيل إن تكون ليبيا بين الوجهات التي يجري النقاش بشأنها في أروقة السياسية الدولية.
ويشير عقيل إلى أن الحالة الهشة التي تعيشها ليبيا تجعلها "الحلقة الأضعف" في أي معادلة دولية، حيث مازالت تعاني البلاد من الانقسام المؤسسي، وبها حكومتان وميليشيات وترضخ تحت نفوذ أجنبي قوي ومتنافر، ما يهدد بأن تتحول في أي لحظة إلى ساحة للحرب بالوكالة بين اللاعبين الدوليين الكبار.
]]>