بخططه لأوكرانيا وغزة.. ترامب يغير قواعد اللعبة في سياسات أميركا الخارجية
قالت جريدة "واشنطن بوست" إن ترامب أعاد كتابة قواعد اللعبة في سياسات أميركا الخارجية، التي تبنتها لعقود من الزمان، وذلك بعدما طرح رؤيته بشأن تسوية الحرب في أوكرانيا، وأيضا عندما طرح خطته بشأن غزة.
وترى الجريدة الأميركية أن مخططات ترامب في هذين الملفين لا يتسقان مع السياسة الأميركية التقليدية، بل أنه يعتقد أنها "تمت تجربتها وفشلت"، فهو يرى أن هذين الصراعين في أوكرانيا وغزة متشابهان، "حيث يسقط الآلاف من الضحايا دون داع وتقع المدن في حالة خراب".
وأضافت أن تحركاته "تنبع من إيمانه بقدراته على الإقناع، ورغبته المعلنة في أن يُنظر إليه على أنه صانع سلام ذو أهمية تاريخية"، كما يقول المحللون الذين درسوا كلا الصراعين.
وقال ويليام ويشسلر، المدير الأول لمركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث: "ما يريده في كلا الحالتين هو الهدوء والسلام والتوصل إلى اتفاق، وذلك بدون انخراط أميركي كبير وبأقل المخاطر".
خطة لترامب في تايوان؟
وتطرح "واشنطن بوست" سؤالا عما إذا كان ترامب قد يحاول الآن تجربة خطته في مكان آخر، كما هو الحال في تايوان، حيث يمكن أن يلعب الرئيس بورقة تايوان من أجل تحقيق اتفاق تجاري مع بكين.
وفي أوكرانيا، أثارت جهود ترامب من أجل السلام بعض المخاوف في كييف من أنه قد يسعى إلى التوصل إلى اتفاق من دون موافقة البلاد، على نحو يؤدي إلى وقف مؤقت للقتال وليس نهاية للحرب على المدى الطويل.
وبينما كشف ترامب يوم الأربعاء أنه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفقا على بدء محادثات بشأن اتفاق سلام، كان وزير الدفاع بيت هيجسيث يضع في بروكسل معايير اتفاق محتمل يستبعد استعادة كييف لجميع الأراضي التي استولت عليها روسيا، وكذلك عضوية أوكرانيا في منظمة حلف شمال الأطلسي ونشر القوات الأميركية كقوات حفظ سلام.
ويعلق مسؤول أوروبي كبير لـ"واشنطن بوست" قائلا: "يتحدث ترامب دائمًا عن السلام من خلال القوة، وهذا هو بالضبط النهج الصحيح مع الروس.. لكننا لم نر جزءا من تلك القوة بعد".
وبينما تعهد ترامب في تصريحاته للصحفيين يوم الأربعاء بمواصلة المساعدات العسكرية الأميركية لكييف، فقد أصر على أن رغبة بوتين في السلام حقيقية، وهو شعور قال بعض المحللين إنه مشكوك فيه.
وقالت تاتيانا ستانوفايا، وهي زميلة بارزة في مركز كارنيجي روسيا أوراسيا، في مقال على موقع "إكس": "يريد ترامب وقف إطلاق النار ونوعًا من الترتيبات التي من شأنها تهميش قضية أوكرانيا لفترة من الوقت، لكن رؤيته لا تزال تختلف جذريًا عن رؤية بوتين، فبالنسبة لبوتين، الحل الحقيقي يعني أن تكون أوكرانيا (صديقة) لروسيا" أي تحت سيطرة موسكو السياسية.
وكانت اتفاقيات السلام التي دفع بها ترامب خلال فترة ولايته الأولى غير تقليدية أيضًا، وعلى رأسها اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، التي تحمل اسم "اتفاقيات إبراهام"، وقد أنهت عقودا من التفكير في واشنطن وعواصم الشرق الأوسط بأن التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل مرتبط بقيام الدولة الفلسطينية.
وفي أفغانستان، أبرم ترامب اتفاق سلام مع طالبان في عام 2020 لم يشمل حكومة كابول المدعومة من الولايات المتحدة، ثم تعرضت إدارة بايدن لانتقادات شديدة بسبب تعاملها مع الانسحاب النهائي للقوات.
أميركا تعود كـ"قوة مهيمنة"
وفي ولايته الثانية، أثبت ترامب بالفعل أنه أكثر استعدادا لملاحقة أفكاره الخاصة، ويقول بريان هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: "لقد ورثنا عالماً مشتعلاً بفضل جيل من الخبراء المزعومين من مؤسسة السياسة الخارجية".
وأضاف: "الرئيس ترامب يتراجع بسرعة عن أخطائه الفظيعة، وأميركا أصبحت مرة أخرى القوة المهيمنة على السلام والاستقرار".
ولكن حديث ترامب عن إمكانية إعادة السيطرة الأميركية على قناة بنما، ورغبته في ضم كندا كولاية جديدة، وبسط السيطرة على غرينلاند جلب ردود فعل متباينة.
وفي غزة، لم توافق الحكومات العربية على خطة لنقل ما يقرب من مليوني فلسطيني إلى الأردن ومصر، كما عبر بعض سكان القطاع عن رغبتهم في البقاء فيه، على الرغم من الدمار الواسع الذي لحق به بعد هجوم السابع من أكتوبر.
ولم تقترح أي إدارة أميركية سابقة منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 نقل الفلسطينيين بشكل دائم من غزة، وهو ما اعتبره معظم الرؤساء الأميركيين جزءا من الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف، لكن الدعم لإقامة الدولة تضائل منذ هجوم حماس وباقي الفصائل الفلسطينية.
وقال ويشسلر إن ترامب يرى أن جميع اللاعبين في المنطقة يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 7 أكتوب،.و إن خطة الرئيس لإخراج الفلسطينيين من غزة وجعل الولايات المتحدة تأخذ ملكية القطاع تهدف إلى إحداث تغيير جذري في المنطقة التي يراها عالقة في الماضي.
ويرى ريد سميث، نائب رئيس السياسة الخارجية في منظمة "ستاند توجيذر" غير الربحية التي أسستها عائلة كوخ أنه من الصعب تحقيق هذا الاقتراح، مكملا: "الأمر الذي يجعلني أتساءل عما إذا كانت مجرد مناورة جامحة".
ويراقب حلفاء الولايات المتحدة وخصومها الآخرون أفكار ترامب بشأن غزة وأوكرانيا، ويتساءلون عما إذا كان قد يجرب أفكارًا مماثلة في تايوان وغيرها من المناطق الساخنة.
لعقود من الزمن، كانت واشنطن الداعم العسكري الأكثر أهمية لتايوان، حيث قامت بتزويدها بالأسلحة اللازمة للردع والدفاع ضد أي هجوم محتمل من جانب الصين، وتطالب بكين بالجزيرة ضمن أراضيها ولم تستبعد استخدام القوة لفرض سيطرتها عليها.
وقال دانييل راسل، الدبلوماسي الأميركي السابق ونائب رئيس معهد سياسات المجتمع الآسيوي في نيويورك: "إذا كانت لدى الصين شكوك في أن الولايات المتحدة سوف تفي بالتزاماتها تجاه تايوان، فإننا لا نردع الصين، بل نغري الصين ونشجعها".
إن السلام المتوتر القائم يرتكز على مجموعة من الاتفاقيات والتفاهمات والممارسات التي تحكم العلاقات بين الصين وتايوان، وهي تعكس لغة حساسة وقوة خام تم شحذها على مدى عقود من الزمن.
لقد تمسك ترامب في الغالب برسائل "الغموض الاستراتيجي" التقليدية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتورط في الصراع بين الصين وتايوان الذي كانت سياسة واشنطن لعقود من الزمن. لكنه تحدث في بعض الأحيان من خلال شروط المعاملات حول الجزيرة.
وقال ريتشارد فونتين، الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأميركي الجديد، إن "السؤال الكبير هو ما إذا كان الرئيس يعتقد أن التوصل إلى صفقة كبيرة مع بكين، صفقة قد تشمل تايوان، أمر ممكن"، مردفا: "سيكون ذلك غير تقليدي على الإطلاق".
]]>