روسيا تهاجم "تشرنوبل".. أخطر مكان مشع في العالم
شنت روسيا هجوما اليوم الجمعة على مفاعل تشيرنوبيل النووي في أوكرانيا، ما أثار حفيظة ومخاوف أطراف كثيرة، إذ ان المفاعل الذي شهد كارثة في العام 1986، مازال يُعد الأكثر إشعاعا نوويا في العالم.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في بيان يوم الجمعة إن طائرة روسية بدون طيار ضربت التابوت الضخم الذي يحمي المفاعل.
و"التابوت" عبارة عن هيكل فولاذي مقوس بارتفاع 108 أمتار يغطى المفاعل منذ عام 2016، لوقف التلوث النووي الناجم عن الانصهار النووي الذي وقع عام 1986 في المفاعل الموجود في شمال أوكرانيا، وتسبب في كارثة بيئية مميتة في جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية، وقد حل التابوت مكان هيكل آخر أنشأته أوكرانيا خلال التسعينيات.
وقال زيلينسكي بعد الغارة: "تم إخماد الحريق. ولم ترتفع مستويات الإشعاع وتتم مراقبتها باستمرار. والأضرار التي لحقت بالملجأ كبيرة".
ويستخدم التابوت في تنفيذ آلية تعرف باسم "الحبس الآمن الجديد"، ويطلق عليه اصطلاحا "الملجأ"، والهيكل ضخم يمكنه تحمل الإعصار، وتم الانتهاء منه لتغطية الوحدة النووية الرابعة في مفاعل تشيرنوبيل في عام 2016
أطلقت روسيا وابلا من 133 طائرة مسيرة خلال الليل، حتى مع بدء الاستعدادات لمحادثات سلام محتملة بشأن الحرب الأوكرانية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه في حوالي الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة، سمع فريقها في موقع تشيرنوبيل صوت انفجار قادم من الغطاء الفولاذي الضخم، الذي يحمي بقايا المفاعل النووي، حيث اصطدمت طائرة بدون طيار بالسقف.
وقالت الوكالة في منشور على حسابها بموقع "إكس"، "استجاب أفراد ومركبات السلامة من الحرائق في غضون دقائق، وفي هذه اللحظة، ليس هناك ما يشير إلى حدوث اختراق في الاحتواء الداخلي" للتابوت، وتظل مستويات الإشعاع داخل وخارج المفاعل طبيعية ومستقرة، ولم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات".
في مقطع فيديو نشرته خدمة الطوارئ الحكومية في أوكرانيا، يمكن رؤية ثقب في السقف حيث، على حد تعبير زيلينسكي، ضربت طائرة روسية بدون طيار برأس حربي شديد الانفجار.
ويعلق زيلينسكي على الواقعة قائلا: "تم بناء هذا الملجأ من قبل أوكرانيا وأوروبا والعالم وأمريكا – كل هؤلاء الملتزمين بالأمن الحقيقي للإنسانية.. إن الدولة الوحيدة التي تهاجم مثل هذه المواقع وتحتل محطات الطاقة النووية وتشن الحرب دون أي اعتبار للعواقب هي روسيا".
ماذا حدث في تشيرنوبيل؟
وقعت حادثة تشيرنوبيل في أوكرانيا في 26 أبريل 1986، حينما كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي، ودُمّر المفاعل الرابع من المحطة بسبب اختبار تم إجراؤه بشكل غير صحيح. ونتيجة للحادث، لقي 31 شخصًا مصرعهم، بينما تم إجلاء 135 ألف شخص من المنطقة المحيطة، وأسفر الحادث أيضًا عن إطلاق كمية كبيرة من التلوث الإشعاعي.
وكانت المفاعلات في محطة تشيرنوبيل من النوع "RBMK" وهي مفاعلات لم يتم إنشاؤها إلا داخل دول الاتحاد السوفيتي بسبب نقص آليات ومواصفات الأمان فيها والتي تعد من المعايير الأساسية في بقية مفاعلات الطاقة النووية حول العالم.
وفي ليلة الحادث، كان المشغّلون يقومون بإجراء الاختبار، وهو غير مصرح به، مما أدى إلى حدوث تفاعل لا يمكن السيطرة عليه داخل المفاعل، وتجاهل المدراء قواعد ولوائح السلامة، في حين كان العمال يخشون الإبداء عن مخاوفهم بعدما عبروا عن احتمالية وجود بعض المخاطر المحتملة.
أدى هذا الأمر إلى حدوث انفجار بسبب البخار نتج عنه إزالة غطاء المفاعل وشمل مبنى المفاعل الذي بدأ بالاشتعال وأدى الأمر إلى انبعاث إشعاعات في الجو.
كانت الاستجابة للحادثة غير مناسبة حيث رفضت السلطات السوفيتية الاعتراف بحدوث الانفجار والذي نتج عنه إطلاق الإشعاعات في الجو والمنطقة المحيطة بالمحطة.
وأدت قوة الانفجار إلى انتشار التلوث على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي، التي تتبع ما يعرف الآن بيلاروسيا وأوكرانيا وروسيا. ووفقا لتقارير رسمية، لقى 31 شخصا حتفهم على الفور، وتعرض 600 ألف شخص من المشاركين في مكافحة الحرائق وعمليات التنظيف، لجرعات عالية من الإشعاع.
ووفقا لتقارير رسمية، تعرض ما يقرب من 8,400,000 شخص في بيلاروس وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وهو عدد يزيد عن إجمالي سكان النمسا. وتعرضت 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في التابعة للبلدان الثلاثة للتلوث، وهي مساحة تماثل نصف مساحة إيطاليا.
وتعرضت مناطق زراعية تغطي ما يقرب من 52 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة دولة الدانمارك، للتلوث بالعنصرين المشعَّين سيزيوم - 137 (عمره النصفي هو 30 سنة) وعنصر سترونتيوم - 90 (عمره النصفي هو 28 سنة). وأعيد توطين ما يقرب من 404 ألف شخص، إلا أن الملايين ظلوا يعيشون في بيئة تسبب فيها استمرار بقايا التعرض الإشعاعي إلى ظهور مجموعة من الآثار الضارة.
ولم تصدر تقارير عن الحالة حتى اليوم الثالث من انفجار تشيرنوبيل. ثم قامت السلطات السويدية بوضع خارطة لمستويات الإشعاع المتزايدة في أوروبا مع اتجاه الرياح، وأعلنت للعالم أن حادثة نووية وقعت في مكان ما من الاتحاد السوفياتي. وقبل إعلان السويد، كانت السلطات السوفياتية تقوم بعمليات مكافحة الحرائق وعمليات تنظيف، إلا أنها اختارت أن لا تقدم تقريرا عن الحادث أو حجمه بشكل كامل.
ولم تكن هناك سلطة شرعية قادرة على التعامل مع الحالة وتقديم أجوبة لأسئلة مثل: هل مغادرة المنزل آمنة؟ هل مياه الشرب مأمونة؟ هل تناول الوجبات المحلية آمنا؟ وكان بإمكان الإعلان عن تدابير وقائية أن يساعد السكان على تجنب التعرض لبعض النويدات المشعة، مثل اليود 131، التي يعرف أنها تسبب سرطان الغدة الدرقية. كما أن الإخلاء المبكر كان من شأنه أن يساعد الناس على تجنب المنطقة برمتها عندما كانت نويدة اليود 131 في أخطر حالاتها، في فترة ثمانية إلى 16 يوما من انبعاثها.
وخلال السنوات الأربع من حادثة تشيرنوبيل، قررت السلطات السوفياتية، إلى حد كبير، التعامل مع الآثار الناجمة عن الانفجار على المستوى الوطني. وبدون مساعدة سوفياتية، سعت الأمم المتحدة وشركاؤها إلى طرق لتقديم الدعم في حالات الطوارئ، الذي اشتمل على تقييم السلامة النووية والظروف البيئية للمنطقة الملوثة، وتشخيص مختلف الظروف الطبية التي سببتها الحادثة. وركزت الأمم المتحدة على زيادة الوعي لدى سكان المنطقة، وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم من النويدات الموجود في البيئة والمنتجات الزراعية.
خلال الفترة الممتدة بين عامي 1986 و1987، شارك ما تقديره 000 350 منظف أو "مصف" من الجيش وموظفي المحطة النووية والشرطة المحلية ورجال المطافئ في الأنشطة الأولية الرامية إلى احتواء الحطام المشع وإزالته. وتعرّض نحو 000 240 مصف لأعلى الجرعات الإشعاعية لدى اضطلاعهم بأهمّ أنشطة التخفيف من حدّة الكارثة ضمن المنطقة المحيطة بالمفاعل والممتدة على مسافة 30 كلم. وبعد ذلك ارتفع عدد المصفين المسجّلين إلى 000 600، مع أنّه لم يتعرّض لمستويات عالية من الإشعاع إلاّ نسبة قليلة منهم.
وتم، في فصلي الربيع والصيف من عام 1986، إجلاء 000 116 شخص من المنطقة المحيطة بمفاعل تشيرنوبيل إلى مناطق غير ملوّثة. وتم ترحيل 000 230 آخرين في الأعوام اللاحقة.
ويعيش نحو خمسة ملايين نسمة، حالياً، في مناطق من بيلاروس والاتحاد الروسي وأوكرانيا حيث يفوق ترسّب السيزيوم المشع 37 كيلوبيكريل/م2 . ولا يزال نحو 000 270 شخص من أولئك الناس يعيشون في مناطق صنّفها الاتحاد السوفييتي كمناطق ذات رقابة مشدّدة، حيث يتجاوز التلوّث بالسيزيوم المشع 555 كيلوبيكريل/م2.
ويعتبر البعض عام 1990 عاما حاسما في مشاركة الأمم المتحدة في عملية إنعاش تشيرنوبيل. فقد اعترف الحكومة السوفياتية بالحاجة إلى المساعدة الدولية. وكنتيجة لذلك، اعتمدت الجمعية العامة القرار 45/190 ، داعية فيه إلى ’’التعاون الدولي في معالجة الآثار الناجمة عن حادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية وتخفيفها‘‘. وطلب الجمعية العامة، في هذا القرار، وضع برنامج لتنسيق الأنشطة التي ستضطلع بها الهيئات والمؤسسات والبرامج التابعة لمنظومة الأمم المتحدة والتي تشارك في الجهود الرامية إلى معالجة الآثار الناجمة عن كارثة تشيرنوبيل وتخفيفها، وأن يكلف أحد وكلاء الأمين العام بمهمة التنسيق، وأن تشكل فرقة عمل مسؤولة عن أنشطة الأمم المتحدة في هذا الميدان ورصدها. أصبحت لجنة التنسيق الرباعية -المكونة من وزراء من بيلاروس وروسيا وأوكرانيا - بالإضافة إلى منسق الأمم المتحدة المعني بتشيرنوبيل جزءا من آلية التنسيق على المستوى الوزاري.
وفي عام 1992، بعد سنة من إنشاء فرقة العمل، بدأت إدارة الشؤون الإنسانية (التي أصبحت تسمى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية منذ العام 1997) بتنسيق التعاون الدولي بشأن تشيرنوبيل. وأنشئ الصندوق الاستئماني لتشيرنوبيل، بغرض التعجيل بالمساهمات المالية لأنشطة تشيرنوبيل، في عام 1991 تحت إدارة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. وبدأت مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إدارة مجموعة متنوعة من المهام والمسؤوليات من صياغة الاستراتيجية، إلى الترويج، إلى تعبئة الموارد، إلى التوعية، وتوجيه مساهمات المانحين. ومنذ عام 1986، دشنت المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الرئيسية ما يزيد عن 230 مشروعا من مشاريع البحوث والمساعدة في مجالات الصحة والسلامة النووية وإعادة التأهيل والبيئة وإنتاج الأغذية النظيفة والمعلومات.
ومع مرور الوقت، أصبح من الجلي أنه لا يمكن الفصل بين مهمة الإنعاش البيئي والصحي وبين مهمة التنمية. وفي عام 2001، أصبح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكاتبه الإقليمية في البلدان الثلاثة المتضررة، جزء من آلية التنسيق من أجل التعاون بشأن تشيرنوبيل. وفي العام التالي، أعلنت الأمم المتحدة تحولا في استراتيجيتها بشأن تشيرنوبيل، مع تركيز على نهج انمائي طويل الأجل عوضا عن المساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ.
وفي عام 2004، أُعلن عن قرار الأمين العام للأمم المتحدة بأن نقل مسؤولية التنسيق من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كجزء من التحول في الاستراتيجية القائمة بناء على توصيات تقرير لعام 2002 المعنون: ’’الآثار الإنسانية لحادثة تشيرنوبيل النووية: استراتيجية من أجل الإنعاش‘‘.
]]>