قمة ترامب وبوتين في الرياض.. أوروبا تترقب والسعودية "الفائز الأكبر"
سيكون العالم على موعد مع حدث تاريخي حين تستضيف العاصمة السعودية الرياض قمة تجمع دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، ليكون أول لقاء بين رئيسين أميركي وروسي منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وبالتحديد عندما بدأت موسكو غزوها لأوكرانيا.
وتجري الاستعدادات على قدم وساق لأجل القمة، حسب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الذي كشف أن أجندتها "تشمل قضايا عالمية، وليس فقط الحرب الدائرة في أوكرانيا"، وفق تصريح اليوم السبت لوسائل محلية نقلتها وكالة "أسوشيتد برس".
لكن أهم القضايا، وفق ريابكوف، هي "تطبيع" العلاقات بين البلدين، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه من المبكر الحديث عن موعد القمة لأنها "تحتاج إلى تحضيرات مكثفة".
ورجح أن يجتمع الدبلوماسيين من البلدين خلال الأسبوعين المقبلين لـ"تمهيد الطريق" أمام القمة، التي بدأ بوادر الحديث عنها مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ثم جاء التحرك الفعلي نحوها باجتماع بين كبار المسؤولين السياسيين والدبلوماسيين في البلدين بالرياض الثلاثاء الماضي.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لـ"أسوشيتد برس" بعد الاجتماع، إن الجانبين اتفقا بشكل كبير على تحقيق ثلاثة أهداف "استعادة الموظفين في سفارتيهما في واشنطن وموسكو؛ وإنشاء فريق رفيع المستوى لدعم محادثات السلام في أوكرانيا؛ واستكشاف علاقات أوثق والتعاون الاقتصادي".
إلا أنه اكتفى بالإشارة إلى أن المحادثات "مجرد بداية"، ولا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به، فيما أشاد نظيره الروسي سيرغي لافروف بالاجتماع ووصفه بأنه "مفيد للغاية".
أوروبا تحبس أنفاسها
وفي تغطيتها حول القمة المرتقبة، رأت جريدة "واشنطن بوست" أن الرئيس الأميركي "تجاهل حلفاء الولايات المتحدة"، في إشارة إلى الدول الأوروبية، وذلك خلال مساعيه لفتح قنوات اتصال سياسية ودبلوماسية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وتحدث ترامب مؤخرا عن الاتصالات بشأن الوضع في أوكرانيا قائلا إنها "كانت جيدة" فيما يخص حديثه مع بوتين، بينما "لم تكن كذلك" عندما تواصل مع كييف.
وخرج ترامب علانية لينتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى درجة أن وصفه بـ"الديكتاتور"، داعيا إلى إجراء انتخابات في بلاده، التي تأخر عقدها نتيجة الحرب.
ولم يحبس الحلفاء الأوروبيون "أنفاسهم" فقط بسبب تلك التصريحات، لكنهم كانوا فيما يشبه "الصدمة" حينما خرج نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في مؤتمر الأمن بميونخ وانتقد الحكام الأوروبيين متحفظا على ممارسات لهم في الحياة السياسية داخل بلدانهم، حسب جريدة "وول ستريت جورنال".
وتشير الجريدة إلى "مخاوف" أوروبا من توصل ترامب وبوتين إلى اتفاق سلام في أوكرانيا "لا تراه مرضيا"، كما أنها تسعى بإصرار إلى الحفاظ على الوجود الأميركي في القارة كي لا تكون في وضع استراتيجي صعب أمام موسكو.
تغيير روسي 180 درجة
بينما اهتمت "سي إن بي سي" بالتغير الروسي اللافت في السياسة التي تبنتها طيلة السنوات الثلاث الماضية، وتبنيها بروباجندا لـ"شيطنة" أميركا وتشويه صورتها بكافة الطرق.
ورصدت الشبكة الأميركية "تخفيف كبير" من الكرملين في الموقف العدائي ضد واشنطن، وجاء ذلك من رأس الهرم، حيث أعرب بوتين عن تقديره "للمحادثات" التي جرت في الرياض مؤخرا، وأبدى تفائله بتحقيق نتائج جيدة.
وقال بوتين: "بشكل عام، كما قيل لي، كان [المزاج] ودودًا للغاية.. على الجانب الأميركي، كان هناك أشخاص مختلفون تماما منفتحون على عملية التفاوض دون أي تحيز، ودون أي مساس بما تم في الماضي".
كما أشاد بوتين بترامب لإظهاره “ضبط النفس” وسط ما وصفه بـ"الهستيريا" من قبل الزعماء الأوروبيين الغاضبين من استبعادهم من المفاوضات بشأن مستقبل أوكرانيا.
وتقول "سي إن بي سي" أن المزاج العام في موسكو "تغير بسرعة بعد المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة"، حيث استجابت وسائل الإعلام الرسمية الروسية بشكل إيجابي لها، كما تبدلت مواقف وتصريحات كبار المسؤولين في موسكو الذين هم جزء من الدائرة الداخلية الموالية لبوتين.
وستستفيد روسيا بشكل كبير من نهاية الحرب التي وضعت اقتصادها على حافة الهاوية، حيث كثفت موسكو إنتاجها من المعدات العسكرية بشكل كبير، مما أدى إلى تحويل العمال بعيدًا عن الصناعات والإنتاج الرئيسية الأخرى، وساهم في الضغوط التضخمية المستمرة وارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية التي شعر بها المواطنون الروس بشدة.
وتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الاقتصاد الروسي بنسبة 1.4% في عام 2025، مرجعا الأمر إلى "انخفاض الاستهلاك الخاص والاستثمار وتعطل سوق العمل وتباطؤ نمو الأجور".
"لن تكون نزهة"
لكن المفاوضات مع الولايات المتحدة "لن تكون نزهة" كما تظن بعض دوائر القيادة في موسكو، وهو ما أكده روبيو في تصريحات نقلتها"رويترز"، حيث أشار إلى أن "إنهاء الحرب في أوكرانيا" أولوية لتحقيق تقدم في العلاقات بين البلدين.
وأكد روبيو لـ"لافروف" والمسؤولين الروس إنه "لن يكون هناك اجتماع حتى نعرف موضوع الاجتماع"، مضيفا أن موعد القمة "سيعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان بإمكاننا تحقيق أي تقدم في إنهاء الحرب في أوكرانيا".
وأضاف وزير الخارجية الأميركي أن ترامب يريد أن يعرف ما إذا كانت روسيا جادة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، مستطردا: "الطريقة الوحيدة هي اختبارهم، وإشراكهم بشكل أساسي والقول: حسنًا، هل أنتم جادون في إنهاء الحرب؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي مطالبكم؟".
وأردف: "الشيء الوحيد الذي اتفقنا عليه هو أننا سنتحدث عن السلام.. ما يعرضونه، وما يرغبون في التنازل عنه، وما يرغبون في النظر فيه، سيحدد ما إذا كانوا جادين بشأن السلام أم لا.. نحن لم نصل إلى هذه المرحلة بعد".
لكن لم يخف "استياء" ترامب من زيلينسكي، قائلا: "نحن نهتم بـ(أوكرانيا) لأن لها تأثير على حلفائنا والعالم في نهاية المطاف، لكن يجب أن يكون هناك مستوى من الامتنان هنا".
وتضغط واشنطن أيضًا على كييف للتفاوض سريعًا على اتفاق لفتح ثروات أوكرانيا الطبيعية أمام الاستثمار الأمريكي.
وقدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بعشرات المليارات من الدولارات خلال الحرب، وقال ترامب إن الاستثمار الأمريكي في المعادن الأوكرانية يمكن أن يضمن "استعادة هذه الأموال بشكل ما".
وناقش روبيو الاتفاق في اجتماع مع زيلينسكي ونائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس في ميونيخ يوم الجمعة الماضي.
الرياض عاصمة السلام
ونجحت السعودية في لعب دور "الوسيط" الذي يجمع أكبر القوى الدولية على أرضه، ويوفر لها المناخ المناسب للتوصل إلى حلول في أحد أعقد القضايا الساخنة حول العالم.
واحتفى الإعلام العربي بجهود الرياض، التي وصفتها قناة "العربية" بـ"عاصمة السلام"، مشيرة إلى أن القمة الاستثنائية "تؤكد" مكانة السعودية كدولة مؤثرة يتجاوز نفوذها محيط الإقليم إلى العالم، لتلقي بثقلها السياسي على الساحة الدولية، كما تعزز صورتها "كوسيط محايد".
وقالت صحيفة "اليوم" السعودية أن الوساطة السعودية لإنهاء الحرب في أوكرانيا تظهر "ما يتمتع به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من نفوذ يمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط".
وسبق أن ساعدت الرياضة تحت قيادة ولي العهد في التوسط لإطلاق سراح 10 سجناء من دول مختلفة كجزء من عملية تبادل أوسع بين روسيا وأوكرانيا، خلال العام 2022.
وأبرزت "الراي" الكويتية استضافة الرياض المحادثات بين بوتين وترامب، والرسالة التي وجهها بن سلمان إلى الرئيس الروسي بأن "الحوار" هو الحل الوحيد لجميع الأزمات الدولية.
وسلط موقع "اليوم السابع" المصري الضوء على رد بوتين الذي أعرب عن "امتنانه" للجهود التي تبذلها الرياض، وقدم الشكر إلى بن سلمان.
بدوره شكر ترامب بن سلمان على تسهيله عقد المحادثات بين الجانبين الأميركي والروسي، منوها بـ"المكانة الخاصة" التي تتمتع بها الرياض حاليا في العالم.
ويلخص موقع جريدة "الوطن" السعودية المشهد بأنه دليل على نجاح استراتيجية الرياض التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن طريق، والتي تحركت على كافة الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية وحتى الثقافية والاجتماعية، والآن تحصد المملكة ثمار "هذه النهضة" التي جعلتها ترتقي من ريادتها الإقليمية لتكون لاعبا فاعلا على المستوى الدولي.
]]>