"وول ستريت جورنال": أهالي غزة يطالبون حماس بوقف الحرب "مهما كانت الشروط"

خيام النازحين داخل قطاع غزة. (أرشيفية: رويترز)

في تصريحات نادرة لكن حاسمة، بدأ عدد متزايد من سكان قطاع غزة يوجّه نداءات مفتوحة إلى حركة حماس: إنهوا الحرب الآن، مهما كانت الشروط. هذا ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقريرٍ استند إلى مقابلات مع عائلات ومدنيين ممن يعانون من وطأة النزاع المستمر، حيث روت معاناة يومية وصراعًا بين الأمل بالبقاء والخوف من الموت.

من تحت ركام المنازل المنهارة، تروي أم لستة أولاد أنها لم تعد تهتم بالمطالب السياسية أو شروط التفاوض، بل تكتفي بالدعاء فقط بأن يسود الصمت على الأرض. تقول: "ربما لا أحب الشروط، لكني أحب الحرب أقلّ". خلال تلك الكلمات البسيطة تكمن قسوة الواقع: أطفال بلا مأوى، ماء شحيح، والتهديدات الجوية التي لا تكفّ عن الانهمار.

في الغالب، يصف السكان منعطفًا جديدًا في موقفهم من الحرب: لم تعد العداءة لعدوٍ خارجي فقط، بل ضد من يُفترض أن يحمينا من الدمار. ينظر بعضهم إلى حماس كأسيرةً في معركة لا تملك السيطرة عليها، أو على الأقل، لا تكترث بما يكفي لحماية المدنيين.

تراجع الثقة الشعبية

في وقتٍ مضى كانت حماس تُستقطب باعتبارها رمز المقاومة، لكن التصعيد العسكري الطويل شتّت كثيرًا من هذا الرمزية. يقول أحد السكان الذين قابلتهم الصحيفة: “كنا نثق بأنها تدافع عنا، لكن اليوم نشكّ في أنها قد تكون عبئًا”. بعض المتحدثين قالوا إنهم كانوا يدعمون الحركة قبل الحرب، لكن الأداء والنتائج المدمرة قلبا مواقفهم.

ومن اللافت أن كثيرين يعترفون بأنهم لا يتوقعون صفقة مثالية أو مطالب عادلة، لكنهم يرون أن أي وقف للنار سيكون أفضل من استمرار القصف والهلاك.

الخطة الأميركية كنافذة للخروج

وفقًا للتقرير، طرحت إدارة الولايات المتحدة خطة تتضمّن شروطًا صارمة على حماس: تسليم السلاح، إطلاق الرهائن، وتشكيل إدارة تكنوقراطية في غزة. هذه الخطة لم تلقِ قبولًا كاملًا من المتحدثين، لكن كثيرين قالوا إنهم سيقبلونها على مضض إذا كانت الوسيلة الوحيدة لوقف الدماء.

المشكلة الكبيرة في تلك الخطة، بحسب السكان، هي أن إسرائيل لا تلتزم بتحديد موعد لانسحاب القوات، كما أن الشروط لا تضمن السلام الدائم بل مجرد تهدئة مؤقتة. ومع ذلك، يرى بعضهم أن البديل الأسوأ هو موت أوسع وعميق.

معاناة تستمر تحت القصف

لا يتحدث هؤلاء فقط عن الخسائر المادية، بل أيضًا عن فقدان الثقة والكرامة الإنسانية. هناك من تزوجت أو أنجبت خلال التهجير، وبعضهم يعيش في خيم أو ملاجئ مؤقتة. كل يوم يحمل معاناة جديدة: نقص الغذاء، انقطاع الكهرباء والماء، وانهيار البنى التحتية.

وفي ظل الشكوك حول قدرة حماس على التفاوض وتحقيق ما تصفه بالكفاح المشروع، يطالب كثير من المدنيين بأن تُترجم الخطابات إلى أفعال ملموسة لوقف إطلاق النار، حتى لو لم تكن بشروطهم المثالية.

رسائل إلى الخارج

بالإضافة إلى مخاطبة حماس، يوجّه بعض سكان غزة رسائل إلى المجتمع الدولي والوسطاء: ساعدونا على وقف هذا الجنون، حتى لو لم نكن نثق بطرفٍ ما، فنحن نخشى على أرواح أبنائنا. يقول بعضهم إنهم يتوقعون أن تتدخل الدول الكبرى أو المنظمات الدولية لفرض هدنة تحفظ ما تبقّى من حياة في القطاع.

بعض الرسالة التي تُكرر أمام المراسلين: “أوقفوا الحرب الآن، ولا تسألوا بعد ذلك عن الشروط”.

تحديات أمام البدائل

إلا أن المسار ليس سهلاً. فالحكومة الإسرائيلية تضع شروطًا قاسية لأي هدنة، وحماس ترى أن أي تنازلات كبيرة قد تُشكّل تهديدًا لمشروعها السياسي والعسكري. إلى جانب ذلك، فإن الجهات الإقليمية والدولية التي تضغط على الأطراف قد تفتقر إلى القدرة أو الإرادة لفرض وقف قسريّ أو مراقبته.

وما يزيد الوضع تعقيدًا هو أن استمرار الحرب يخدم بعض الجهات التي ترى أن التمدّد العسكري أو الضغط المستمر سيجبر الطرف الآخر على الاستسلام.

الخلاصة

ما كشفت عنه "وول ستريت جورنال" من أصوات في غزة يُعدّ انعكاسًا لكسر صامت في الروح الشعبية. إن مطالبة المدنيين بوقف الحرب "مهما كانت الشروط" ترمز إلى نزوع مكبوت نحو البقاء على قيد الحياة، حتى لو غابت العدالة أو الكرامة أو المطالب الكبرى. داخل هذا النداء البسيط، يكمن صراعٌ بين الدفاع عن المشروع وبين الدفاع عن أنفسهم — حيث غالبًا ما تُختبر الأيديولوجيا عند أعتاب الموت والجوع، فتتضاءل حين تُقتَرَن بالمعاناة اليومية التي لا تُحتمل.

Previous
Previous

تحقيق ألماني: حزب الله يبني "شبكات من الفساد وغسل الأموال" في أفريقيا

Next
Next

مراقب قانوني: الانتخابات البرلمانية السورية لم تشهد أي خروقات