تحقيق ألماني: حزب الله يبني "شبكات من الفساد وغسل الأموال" في أفريقيا

"تجارة غير مشروعة وفساد وغسل أموال".. تلك هي الخيوط التي ينسج بها حزب الله اللبناني شبكته في أفريقيا، ليحوّل القارة إلى منصة رئيسية لتمويل نشاطه الدولي، فبينما يُعرف عن الجماعة دورها العسكري في لبنان وسوريا، تبرز أفريقيا اليوم كأحد المراكز التي تعتمد عليها لاستعادة قدراتها بعد الضربات المتزايدة التي مُنيت بها في السنوات الأخيرة.

يستعرض هذا التقرير كيف تستثمر الجماعة هشاشة الأنظمة المالية وضعف الرقابة في بعض الدول الأفريقية لبناء منظومة تمويل متشابكة، وذلك استناداً إلى الأدلة التي جمعها تقرير مشروع مكافحة الإرهاب التابع لمعهد كونراد أديناور الألماني بالتعاون مع مؤسسات بحثية شريكة.

خلفية استراتيجية: من العمليات إلى المال

لطالما ارتبط نشاط حزب الله بالعمليات العسكرية وتدخله في الصراعات الإقليمية، غير أن السنوات الأخيرة أظهرت تحوّلاً تدريجياً نحو البعد المالي. ووفق تقرير معهد كونراد أديناور، فإن نشاط الحزب في أفريقيا ليس عشوائياً بل مدروس بعناية، يقوم على موازنة دقيقة بين المخاطر والعوائد، حيث تُعتبر القارة السمراء منصة تمويل وغسل أرباح أكثر مما هي ميدان عمليات عسكرية.

ويشير التقرير إلى أن الحزب يستفيد من الفساد المنتشر وضعف المؤسسات المالية في العديد من الدول الأفريقية، حيث تتراخى الرقابة على التحويلات المصرفية وتُغضّ السلطات الطرف عن الأنشطة المشبوهة، مما يوفر بيئة مثالية لتدفق الأموال غير المشروعة.

الممثلون الرسميون: واجهة لجمع الأموال

يؤكد التقرير أن حزب الله يدير شبكة من “الممثلين الرسميين” (Foreign Relations Department – FRD) في أفريقيا، تُعنى بجمع التبرعات والتنسيق مع المؤيدين والممولين المحليين. هؤلاء لا يعملون كمجرد وسطاء، بل يُعدّون واجهات تنفيذية حقيقية لعمليات التمويل وتحويل الأموال إلى لبنان أو دول أخرى.

ومن أبرز الأسماء الواردة في التقرير:

عبد المنعم قبيسي في ساحل العاج، الذي أنشأ مؤسسة تابعة للجماعة تُستخدم في تنظيم الفعاليات وجذب التمويل والتجنيد.

علي أحمد شحادة، الذي أُدرج اسمه في تقارير مكافحة تمويل الإرهاب بغرب أفريقيا لارتباطه بشبكات مالية مشبوهة.

ويشير التقرير إلى أن حزب الله يفرض ما يشبه “الزكاة” أو الرسوم على رجال الأعمال اللبنانيين في القارة، وهي بمثابة ابتزاز مالي بغطاء ديني، حيث يُستبعد من لا يدفع من فعاليات الجالية وخدمات الجماعة.

المال الكبير: رجال الأعمال والشبكات التجارية

بعيداً عن التبرعات الصغيرة، يعتمد حزب الله على شبكة واسعة من رجال الأعمال ذوي العلاقات الدولية، الذين يستخدمون شركاتهم كواجهة لغسل الأموال وتحويلها. ومن أبرز هؤلاء:

قاسم تاج الدين: رجل أعمال لبناني–بلجيكي، فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بسبب دوره في تأسيس شركات واجهة بغرب أفريقيا لتوليد أموال للحزب. وتشير التحقيقات الأميركية إلى أن مئات الملايين من الدولارات تحركت عبر شركاته في دول مثل غامبيا وسيراليون.

عدهم طباجة وعلي محمد قنصو: يديران شركات في عدة دول أفريقية تُستخدم لتغطية أنشطة مالية وتجارية لصالح الحزب.

ناظم سعيد أحمد: من كبار المتبرعين للحزب، تورّط في تجارة الألماس وغسل الأموال من خلال شبكة تمتد بين الكونغو ودول أفريقية أخرى.

صالح عاصي: شريك تجاري في الكونغو الديمقراطية، له دور في تحويل عوائد الأنشطة التجارية إلى الجماعة.

ويشير التقرير إلى أن عدداً من هؤلاء الممولين يحملون جنسيات مزدوجة، ما يسهل تحركاتهم بين أفريقيا وأوروبا ولبنان، ويعقّد تتبّع مسارات الأموال.

الفساد كبيئة حاضنة

من العوامل الأساسية لنجاح حزب الله في أفريقيا الفسادُ المتفشي وضعف هيئات الرقابة، وهو ما يتيح تسهيلات واسعة لعملياته المالية. ويذكر التقرير أن الجماعة تستفيد من بعض القناصل الفخريين اللبنانيين الذين يتمتعون بحصانة جزئية، ما يسمح بعبور الأموال بسهولة واستغلال الصفة الدبلوماسية.

من بين الأسماء التي أوردها التقرير:

محمد إبراهيم بزي، القنصل الفخري للبنان في غامبيا، الذي استغل علاقته بالرئيس السابق يحيى جامع لتسهيل تحويلات مالية لصالح جهات مرتبطة بالحزب.

علي سعدي، القنصل الفخري في غينيا، الذي لعب دور الوسيط بين الشبكات المالية اللبنانية والسلطات المحلية لتسهيل تمرير الأموال.

بهذه الآلية، يستغل الحزب ضعف الحوكمة في بعض الدول الأفريقية لتفادي العقوبات والملاحقات القانونية.

غسل الأموال والمخدرات: التقاء الجريمة بالإرهاب

لا تقتصر أنشطة حزب الله المالية على التجارة، بل تمتد إلى شراكات مع شبكات تهريب المخدرات وغسل الأموال. ووفق التقرير، تُهرّب كميات من الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى غرب أفريقيا، ثم تُبيّض عائداتها عبر شركات وهمية أو تجارة السيارات المستعملة، لتُحوَّل لاحقاً إلى لبنان أو أسواق أخرى تحت غطاء معاملات تجارية مشروعة.

أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو مشروع “كاساندرا” (Project Cassandra)، الذي كشف كيف ارتبطت شبكات تجارة المخدرات في أمريكا الجنوبية بعمليات غسل أموال لصالح حزب الله عبر غرب أفريقيا.

كما أشار التقرير إلى دور بنك “لبناني كندي” (LCB) الذي وُصف بأنه “مركز رئيس لغسل الأموال”، بعد أن سهّل تحويلات مالية ضخمة مرتبطة بأنشطة الحزب عبر واجهات تجارية.

ما بعد نصرالله: التحديات القادمة

يرى معهد كونراد أديناور أن استهداف البنية المالية للحزب في لبنان، بما في ذلك مؤسسات مثل “القرض الحسن”، عزز اعتماد الجماعة على شبكاتها في أفريقيا كمصدر بديل للتمويل. وفي حال تعرّض حزب الله لضغوط أمنية أو عسكرية في الداخل اللبناني، قد تمثل تلك الشبكات صمام أمان مالي لاستمراريته.

ويحذر التقرير من أن الجماعة ستسعى إلى استغلال أي ضعف إفريقي أو أوروبي في الرقابة لتعزيز نفوذها المالي مستقبلاً.

توصيات التقرير

يختتم معهد كونراد أديناور تقريره بعدة توصيات، أبرزها:

تعزيز قدرات مكافحة الفساد وغسل الأموال في الدول الأفريقية من خلال تدريب الأجهزة الأمنية والقضائية.

تفعيل التعاون الدولي بين الولايات المتحدة وأوروبا والدول الأفريقية لتعقّب الشبكات العابرة للحدود.

دعم الهيئات الإقليمية الأفريقية مثل GIABA لبناء أنظمة رقابية أكثر صرامة.

مراجعة نظام القناصل الفخريين ووضع ضوابط لمنع استغلال مناصبهم في أنشطة مالية غير مشروعة.

دعوة الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف حزب الله بالكامل كمنظمة إرهابية، ما يتيح ملاحقة أصوله وشبكاته في أفريقيا وأوروبا على حد سواء.

Previous
Previous

انتعاش اقتصادي في الإمارات بعد ارتفاع قياسي لمؤشرات النشاط التجاري

Next
Next

"وول ستريت جورنال": أهالي غزة يطالبون حماس بوقف الحرب "مهما كانت الشروط"