الخطة الأميركية في لبنان.. استثمار خليجي مقابل نزع سلاح حزب الله
قال معهد بلومزبري للأمن والاستخبارات إن الولايات المتحدة تسعى إلى تنفيذ خطة شاملة لإعادة ضبط الوضع في لبنان عبر دمج الأبعاد الأمنية مع الاستثمارات الاقتصادية الخليجية.
وأوضح المعهد، في تقرير اليوم الأربعاء، أن الهدف الرئيسي للخطة هو نزع سلاح حزب الله بطريقة تدريجية، بحيث يُربط ذلك بمشروعات اقتصادية ضخمة تضمن استقرار لبنان وتحفيز القطاع الخاص، خصوصًا في المناطق الجنوبية القريبة من الحدود مع إسرائيل. ويشير المعهد إلى أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحويل التوتر العسكري إلى فرصة للتنمية، بما يعزز السلطة اللبنانية ويقلل من فرص التصعيد العسكري.
خلفية الخطة الأميركية
ووفقًا للتقرير، فإن المبعوث الأميركي توماس براك أعلن عن خطة الإدارة الأميركية، التي تهدف إلى إعادة توازن القوى في لبنان ضمن استراتيجيات أوسع للشرق الأوسط. ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة تراهن على دور لبنان في ضبط حزب الله لتقليل مخاطر التصعيد مع إسرائيل، وهو ما يعكس اهتمام واشنطن بوقف النزاعات العسكرية المحتملة قبل الانتخابات اللبنانية المقررة في مايو 2026. ويضيف المعهد أن استمرار وجود حزب الله المسلح يشكل "تهديدًا لسيادة لبنان، ويقلل من ثقة المستثمرين، ويضعف الرأي العام اللبناني"، وفق ما صرح به براك.
تستند الخطة إلى فرض روابط مباشرة بين الأداء الأمني اللبناني والمكاسب الاقتصادية، بحيث يتم تحفيز الأطراف المتحفظة في حزب الله والمناطق الخاضعة لسيطرتهم على تسليم أسلحتهم. ويصف المعهد الخطة بأنها "خطوة بخطوة"، تبدأ بوقف العمليات الإسرائيلية وتسليم الأسلحة، وتليها إعادة تنشيط النشاط الاقتصادي للبنان في المناطق الجنوبية، مع إشراك استثمارات خليجية كبيرة لضمان التأثير المرجو.
عناصر الخطة الاقتصادية
تؤكد الورقة على أن الاستثمار الخليجي يمثل المحرك الرئيس لإنجاح الخطة، ويجب أن يشمل عدة مجالات: البنية التحتية، الطاقة، المشاريع الزراعية والسياحية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ويشير المعهد إلى أن تقديم هذه الاستثمارات سيكون مشروطًا بموافقة الأطراف المحلية على نزع السلاح والانخراط في عملية إعادة الإعمار. كما ستوفر هذه الاستثمارات فرص عمل واسعة للسكان المحليين، ما يقلل من التوتر الاجتماعي ويشجع على دعم المبادرات الحكومية.
يُوضح التقرير أن الخطة ليست اقتصادية فحسب، بل تحمل بعدًا سياسيًا واستراتيجيًا. فالاستثمار الخليجي يعمل بمثابة "حافز" لتغيير الموقف المحلي داخل حزب الله، وتقليص النفوذ العسكري والتنظيمي للحزب في الجنوب اللبناني. ويضيف المعهد أن هذه الخطوة تمثل أيضًا أداة ضغط دبلوماسي على الفاعلين الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل وسوريا، لضمان توافق المصالح وتحقيق الاستقرار في المنطقة الحدودية الحساسة.
التحديات الأمنية والسياسية
يشير معهد بلومزبري للأمن والاستخبارات إلى عدة تحديات تواجه نجاح الخطة. أولها التزام حزب الله نفسه بالعملية، إذ أن أي تأجيل أو رفض من الحزب لتسليم أسلحته قد يؤدي إلى تصعيد عسكري محدود مع إسرائيل. ويضيف التقرير أن هناك خطرًا متصاعدًا من وقوع مواجهات قبل الانتخابات، خاصة إذا شعر الحزب بأن مصالحه السياسية مهددة. كما يحذر المعهد من احتمال زيادة التوترات بين الطوائف اللبنانية، مع احتمالية لجوء الفصائل المسيحية إلى تعزيز قدراتها العسكرية إذا لم تضمن الدولة الأمن والحماية الكافية.
تتضمن التحديات أيضًا قدرة الحكومة اللبنانية على إدارة الخطة بفاعلية، خاصة في ظل أزمات مالية وسياسية متكررة. ويشير المعهد إلى أن "عدم وجود ضمانات سياسية واقتصادية واضحة قد يؤدي إلى فشل العملية، ويترك لبنان في وضع هش" مع عواقب محتملة على استقرار الدولة ومؤسساتها.
البعد الاستراتيجي والعسكري
يركز التقرير على أن البعد الاستراتيجي للخطة الأميركية يشمل موافقة ضمنية على زيادة الضربات الإسرائيلية ضد أهداف حزب الله في الجنوب اللبناني في حالة عدم التقدم في نزع السلاح. ويضيف المعهد أن الولايات المتحدة مستعدة لقبول عمليات عسكرية محدودة من إسرائيل لفرض الضغط على الحزب، مع الحرص على عدم انزلاق النزاع إلى حرب شاملة. كما يشير التقرير إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار خطة شاملة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، مع ربط العلاقة بين لبنان ودول الخليج وإسرائيل بطريقة تكفل الحد الأدنى من التصعيد العسكري.
السيناريوهات المتوقعة
وفقًا لتقرير المعهد، فإن هناك ثلاثة مستويات زمنية للتأثير المتوقع للخطة:
المدى القصير (الآن – 3 أشهر): يتوقع التقرير زيادة الضربات الجوية الإسرائيلية على أهداف حزب الله في الجنوب، مع تركيز على الردع وليس التصعيد الكامل.
المدى المتوسط (3 – 12 شهرًا): يحتمل تصاعد التوترات على الحدود الجنوبية، مع إمكانية امتداد الهجمات إلى مناطق بيروت، ما قد يسبب نزوحًا مؤقتًا واضطرابات اقتصادية.
المدى الطويل (>1 سنة): قد يسعى حزب الله لتعطيل الانتخابات المقبلة إذا شعر بأن فرصه السياسية مهددة، مع احتمال حدوث انهيار مؤسسي إذا تأخرت الانتخابات، وزيادة ميل الفصائل المسيحية للانخراط في عمليات أمنية خاصة بها.
التوصيات الرئيسية
يوصي معهد بلومزبري للأمن والاستخبارات بأن تعتمد الإدارة الأميركية نهجًا متكاملًا يجمع بين السياسة الأمنية والاستثمار الاقتصادي، مع ضمانات واضحة للشفافية والرقابة. ويشدد المعهد على أهمية التنسيق مع الشركاء الخليجيين لضمان فعالية الاستثمارات، وربطها بشكل مباشر بتنفيذ التزامات نزع السلاح. كما يوصي التقرير بمتابعة دقيقة لتطورات الوضع الأمني والسياسي، مع إعداد خطط احتياطية للتعامل مع أي مقاومة من حزب الله أو أطراف لبنانية أخرى.
الخلاصة
يؤكد معهد بلومزبري للأمن والاستخبارات أن الخطة الأميركية-الخليجية لربط نزع سلاح حزب الله بالاستثمار الاقتصادي تمثل محاولة مبتكرة للتعامل مع أحد أبرز التحديات في لبنان. وتجمع الخطة بين الضغط السياسي والعسكري مع المكاسب الاقتصادية، بحيث تصبح فرص النجاح أكبر من الأساليب التقليدية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد بشكل كبير على التزام جميع الأطراف اللبنانية والدولية المعنية، ووجود آليات واضحة للتنفيذ والرقابة. ويخلص المعهد إلى أن هذه المقاربة قد تكون نموذجًا جديدًا للتعامل مع الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، من خلال الدمج بين الأمن والتنمية الاقتصادية، مع مراعاة التوازن السياسي والاجتماعي.