هل تستعد واشنطن لـ"عراق جديد" في فنزويلا؟

قال موقع "ذا إنترسبت" الأميركي إن التطورات المتسارعة في محيط فنزويلا، خاصة الانتشار العسكري الأميركي في البحر الكاريبي، تحمل ملامح مسار قد يعيد إلى الأذهان ما جرى قبل غزو العراق عام 2003.

ويرى الموقع، في تقرير، أن الخطاب الرسمي الأميركي بشأن "عمليات مكافحة المخدرات" قد يكون واجهة لتحضير الأرضية لتدخل أوسع، تمامًا كما استخدمت واشنطن شعارات "مكافحة الإرهاب" و"أسلحة الدمار الشامل" في العراق.

ويرصد التقرير تبني الإدارة الأميركية الحالية خطابًا متدرجًا يبدأ بتهويل المخاطر، ثم تبرير الانتشار العسكري، ثم التلميح إلى أن الحكومة المستهدفة تشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي، واصفا هذا الأسلوب بأنه "إعادة تدوير لمفردات إمبراطورية قديمة"، حيث تُستخدم لغة فضفاضة مثل "حماية النظام العالمي" و"التدخل الإنساني"، دون أدلة واضحة.

الحشد العسكري الأميركي: تصعيد تحت غطاء "عمليات محدودة"

يسلط تقرير "ذا إنترسبت" الضوء على حجم التحركات الأميركية في محيط فنزويلا، مشيرًا إلى وجود قطع بحرية كبيرة وطائرات استطلاع متقدمة. وتصرّ واشنطن على أن هذه العمليات تأتي ضمن "مكافحة تهريب المخدرات"، إلا أن التقرير يوضح أن هذا الغطاء سبق استخدامه في مناطق أخرى قبل تنفيذ عمليات تدخل مباشرة.

ويؤكد التقرير أن وثائق استخباراتية مسرّبة، بالإضافة إلى شهادات مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع الأميركية، تشير إلى وجود "خيارات مطروحة على الطاولة" تشمل: عمليات استخباراتية سرية داخل الأراضي الفنزويلية ودعم مجموعات محلية معارضة وتنفيذ ضربات دقيقة "محدودة" ضد أهداف حكومية وسيناريو أوسع قد يصل إلى "تغيير النظام بالقوة".

ويصف التقرير بعض هذه السيناريوهات بأنها تشبه ما سُمّي عام 2002 بـ"تطهير ساحة المعركة" في العراق، وهو مصطلح عسكري يسبق العمليات العسكرية المباشرة.

تشابهات مثيرة بين فنزويلا والعراق

يلفت "ذا إنترسبت" إلى أن التشابه لا يقتصر على التحركات العسكرية، بل يمتد إلى اللغة الإعلامية والسياسية المستخدمة، ويورد التقرير عبارة لافتة جاء فيها: "أصداء العراق حاضرة في كل خطوة تتخذها واشنطن تجاه كاراكاس".

ويفصّل التقرير هذه المقارنة عبر ثلاث نقاط أساسية:

تضخيم الخطر: كما صوّرت واشنطن نظام صدام حسين كتهديد عالمي، يجري اليوم تصوير حكومة نيكولاس مادورو باعتبارها "خطراً على الأمن الإقليمي والعالمي".

بناء سردية تبريرية: تُستخدم الآن عبارات مثل "محاربة الشبكات الإجرامية" أو "مناهضة الدول المارقة"، وهي عبارات تعتبرها كراكاس مقدّمة لشيطنة الحكومة تمهيدًا للتدخل.

الاعتماد على عمليات استخباراتية سرية: التقرير يكشف أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حصلت على تفويض بتنفيذ عمليات سرية بعضها "قاتل"، وهو تعبير استخباراتي يشير إلى عمليات قد تشمل استهدافًا مباشرًا لشخصيات أو مواقع حساسة.

ردّ فعل فنزويلا: اتهام أميركا بالتحضير لحرب

الحكومة الفنزويلية، من جانبها، ترى أن ما يحدث هو تمهيد لتدخل عسكري مباشر. ووفق تصريحات رسمية نقلها التقرير، فإن فنزويلا تتهم الولايات المتحدة بأنها "تنسج خيوط رواية مشابهة لما فعلته قبل غزو العراق"، وبأنها تستخدم "أكاذيب استراتيجية" لبناء ذريعة حرب.

كما أعلنت القوات المسلحة الفنزويلية رفع حالة التأهب، وإجراء مناورات واسعة تحاكي سيناريوهات العدوان الخارجي، وهو ما يراه "ذا إنترسبت" مؤشرًا على أن كراكاس تتعامل مع التهديد بوصفه واقعيًا وليس مجرد ضغط سياسي.

البعد الدولي: صمت مقلق

يرى تقرير "ذا إنترسبت" أن المجتمع الدولي لا يولي ما يحدث الاهتمام الكافي، رغم أن أي تدخل عسكري في فنزويلا ستكون له تبعات خطيرة على أميركا اللاتينية ككل. وينقل التقرير تحذيرات دبلوماسيين سابقين بأن "إشعال صراع في الكاريبي سيخلق موجة عدم استقرار قد تمتد لعقود".

كما يشير التقرير إلى أن دولاً مثل البرازيل والمكسيك تتابع الوضع بقلق، لكنها تتجنّب توجيه انتقادات مباشرة لواشنطن، في خطوة يصفها التقرير بأنها "حسابات براغماتية خوفًا من ردود فعل اقتصادية أو دبلوماسية".

لماذا يهمّ الولايات المتحدة التدخّل في فنزويلا؟

وفق تحليل "ذا إنترسبت"، فإن خلفيات الأزمة تتفوق على البُعد الأمني أو مكافحة المخدرات. ويقدّم التقرير ثلاثة دوافع رئيسية: "السيطرة على واحدة من أكبر احتياطيات النفط في العالم وإعادة تشكيل التوازن الجيوسياسي في أميركا الجنوبية، خصوصًا مع صعود نفوذ الصين وروسيا ومنع تحوّل فنزويلا إلى منصة استراتيجية لقوى منافسة".

ويشير التقرير إلى أن هذه الأهداف تتجاوز بكثير الخطاب المعلن عن "عملية محدودة" أو "ضربة موضعية".

الخلاصة: تحذير صارخ من إعادة إنتاج مأساة

يخلص "ذا إنترسبت" إلى تحذير واضح، جاء نصه: "ما يبدو اليوم مجرد انتشار عسكري روتيني قد يكون غدًا مقدمة لكارثة شبيهة بما حدث في العراق".

ويشدد التقرير على ضرورة أن يتحرك المجتمع الدولي لمنع الانزلاق نحو حرب لا تريدها شعوب المنطقة، وأن تُطالب واشنطن بالكشف عن نواياها الحقيقية ووقف عسكرة الأزمة.

Next
Next

من القطيعة إلى الشراكة.. عودة محمد بن سلمان إلى واشنطن