رغم لعبه على وتر "القومية".. النظام الإيراني مهدد بعودة الاحتجاجات

على الرغم من اعتماد النظام الإيراني على صعود الروح القومية في البلاد إثر الحرب الأخيرة مع إسرائيل، إلا أنه لا يستطيع التعويل كثيرًا على الأمر في جمع اصطفاف شعبي خلفه، حيث يواجه خطر تجدد الاضطرابات الداخلية بسبب مطالب اجتماعية أو سياسية، وحتى ضغوط اقتصادية تهدد استقراره.

تقرير نشرته صحيفة "ذا نيويورك تايمز" يؤكد هذه الفرضية، مشيرًا إلى أن حالة التعبئة القومية، رغم أنها كانت ملحوظة عقب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية، لا تعني بالضرورة أن الشارع الإيراني قد نسي الأزمات المتراكمة التي يعاني منها منذ سنوات.

مظاهر قومية... ولكن

وفقًا للتقرير، فقد عمدت الحكومة الإيرانية إلى تسويق خطاب قومي يركز على "الصمود" في وجه العدو الخارجي، سواء كان إسرائيل أو الولايات المتحدة. وتم بث صور لقادة عسكريين، وتنظيم مسيرات حاشدة ترفع شعارات الثأر والكرامة الوطنية.

لكن حتى مع هذا الخطاب، يلاحظ المراقبون أن هذا "الالتفاف المؤقت" لا يعكس رضًا شعبيًا مستدامًا، بل هو غالبًا تعبير عن رد فعل شعبي غريزي في ظل الحرب، وليس تفويضًا سياسياً طويل الأمد.

اقتصاد ينهار وبطالة تتزايد

تشير نيويورك تايمز إلى أن الاقتصاد الإيراني يمر بمرحلة حرجة، حيث يعاني من تباطؤ كبير بسبب العقوبات الغربية، وسوء الإدارة، وتضخم مفرط يضغط على الأسر محدودة الدخل. فأسعار المواد الغذائية ترتفع بوتيرة سريعة، والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه تعاني من انقطاعات متكررة.

تشير بعض التقديرات إلى أن معدلات البطالة بين الشباب تجاوزت 30%، فيما تعاني الطبقة المتوسطة من تآكل قدرتها الشرائية، مما يخلق بيئة مشحونة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.

الاحتجاجات السابقة كجرس إنذار

الشارع الإيراني ليس غريبًا عن الحراك الشعبي. فقد شهدت البلاد موجات متعاقبة من الاحتجاجات في 2017، و2019، وأخيرًا في 2022 بعد وفاة مهسا أميني، وكلها كشفت عن هشاشة العلاقة بين الدولة والمجتمع.

واليوم، ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لا يستبعد كثيرون عودة التظاهرات، حتى في ظل القمع الشديد الذي تواجهه.

تحديات الأمن الاجتماعي

يرى محللون أن الطبقات التي كانت تشكّل "خزان الولاء للنظام"، مثل الموظفين الحكوميين أو سكان الأرياف، بدأت تشعر بأن النظام لم يعد قادرًا على تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة. وبحسب نيويورك تايمز، فإن هذا التحول في المزاج الشعبي قد يكون أخطر على النظام من أي تهديد خارجي.

كما أن فئة المتقاعدين، الذين طالما التزمت الصمت، بدأوا في تنظيم احتجاجات متكررة تطالب بصرف مستحقاتهم المالية، ما يُظهر تآكل شرعية النظام حتى بين الفئات غير المسيسة تاريخيًا.

الإعلام الرسمي يواجه تحديات الثقة

رغم محاولات الإعلام الحكومي تصوير الوضع على أنه تحت السيطرة، إلا أن الواقع الميداني مختلف. فوسائل التواصل الاجتماعي لا تزال تنقل يوميًا شكاوى المواطنين من ارتفاع الأسعار، وانهيار الخدمات، وغياب العدالة في توزيع الدعم الحكومي.

وقد أشار تقرير نيويورك تايمز إلى أن الكثير من الإيرانيين لم يعودوا يثقون بالرواية الرسمية، ويبحثون عن مصادر بديلة للمعلومات رغم القيود المشددة.

هل تُجدي القومية في إخماد الغضب؟

الرهان على القومية ليس جديدًا في إيران، لكنه اليوم يواجه اختباره الأصعب. فالتحدي لم يعد خارجيًا فقط، بل أصبح داخليًا في جوهره. والمواطن الذي يعبّر عن غضبه من غارة إسرائيلية، هو نفسه الذي يئن تحت وطأة إيجار مرتفع، أو خدمة صحية متدهورة، أو غياب أي أفق اقتصادي.

ويؤكد التقرير أن "الحشد القومي" قد يوفّر للنظام غطاءً مؤقتًا، لكنه لا يقدّم حلولًا حقيقية لمطالب الشارع المتزايدة.

الخاتمة: السيناريو الأسوأ غير مستبعد

إن المعادلة التي يواجهها النظام الإيراني اليوم دقيقة جدًا. فهو في وضع إقليمي متوتر، ويعاني من عزلة دولية، ويفتقر إلى دعم اقتصادي خارجي حقيقي.

ومع استمرار الأزمات الداخلية، فإن أي شرارة صغيرة — مثل رفع الدعم عن سلعة، أو حادثة أمنية — قد تعيد مشهد الاحتجاجات إلى الواجهة، وربما بصورة أوسع وأكثر حدة من ذي قبل.

Previous
Previous

كيف أصبحت المسيّرات أخطر سلاح لأوكرانيا ضد روسيا؟

Next
Next

كيف نجحت الإمارات في إنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم؟