كيف أصبحت المسيّرات أخطر سلاح لأوكرانيا ضد روسيا؟

على الرغم من التفوق الجوي والبري الروسي، نجحت أوكرانيا في تحويل الطائرات المسيّرة إلى أخطر أدوات الحرب وأكثرها فاعلية في صد الهجمات الروسية، بل ونقل المعركة إلى عمق الأراضي الروسية ذاتها.

هذا التحول اللافت لم يكن محض صدفة، بل نتيجة استراتيجية دقيقة، وتطور تكنولوجي، وجرأة تكتيكية أعادت تعريف ميزان القوى على الأرض، حسب جريدة "وول ستريت جورنال".

فصل جديد في الحرب: من المعارك المباشرة إلى صراع المسيرات

مع دخول الحرب عامها الثالث، باتت الطائرات المسيّرة تمثل "قوة النيران الجديدة" لأوكرانيا، وهو ما أكدته الجريدة الأميركية في تقريرها المنشور اليوم الثلاثاء، مشيرة إلى أن كييف باتت تعتمد بشكل شبه كامل على الطائرات بدون طيار لشن هجمات على أهداف عسكرية وصناعية وحتى رمزية داخل روسيا.

ولم تعد المسيّرات الأوكرانية تكتفي بالمهام الاستطلاعية أو استهداف الجبهات القريبة، بل أصبحت تضرب بجرأة في قلب موسكو، وعلى بعد مئات الكيلومترات، مستهدفة منشآت نفطية ومواقع عسكرية حساسة. إنها الحرب الجوية الجديدة، المنخفضة الكلفة، والعالية التأثير.

تكتيك ذكي بتكلفة منخفضة

تحولت أوكرانيا إلى "مختبر حربي حي" لصناعة وتطوير الطائرات المسيّرة، مستخدمة مزيجًا من التكنولوجيا المحلية والمساعدات الغربية. وتشير الصحيفة إلى أن كييف تنفق ما لا يزيد عن 50 ألف دولار لإطلاق مسيرة واحدة قادرة على إحداث ضرر يتجاوز ملايين الدولارات في منشآت العدو، ما يجعلها سلاحًا غير متكافئ لكنه شديد الفعالية.

كما تبنّت كييف نهجًا تكتيكيًا متقدمًا باستخدام الذكاء الاصطناعي لتوجيه المسيّرات، وتحديث مساراتها في الوقت الحقيقي، ما يجعل من الصعب إسقاطها أو إرباكها. وتستخدم أوكرانيا الآن مسيّرات طويلة المدى محملة بمتفجرات دقيقة، قادرة على التحليق لأكثر من 600 كيلومتر.

رسائل نارية إلى الداخل الروسي

منذ مطلع 2024 وحتى منتصف 2025، تزايدت وتيرة الهجمات الأوكرانية داخل العمق الروسي باستخدام المسيّرات، مستهدفة مصافي تكرير النفط، قواعد جوية، مستودعات ذخيرة، ومراكز اتصالات. وفي يوليو 2025 وحده، تم توثيق أكثر من 35 ضربة مسيّرة في الأراضي الروسية، بينها هجمات على موسكو، سمارا، وبيسكوف.

هذا التوسع الجغرافي في الهجمات لم يكن مجرد عمليات عسكرية، بل رسائل واضحة للرأي العام الروسي، مفادها أن الحرب لم تعد بعيدة عنهم، وأن أمنهم الداخلي بات هشًا. وتعكس هذه الاستراتيجية رغبة أوكرانيا في خلق ضغط نفسي مستمر على الروس، وتأليب الداخل ضد الكرملين.

المسيّرات مقابل سلاح الجو الروسي

بينما يعتمد الجيش الروسي على سلاح الجو الثقيل والطائرات المقاتلة، تجد موسكو نفسها عاجزة أحيانًا عن صد موجات المسيّرات الأوكرانية. ورغم استخدام روسيا لوسائل التشويش والرادارات المتطورة، فإن الانسيابية والعدد الكبير للهجمات المسيّرة يجعل من مهمة الدفاع الجوي الروسي أكثر تعقيدًا.

وتصف وول ستريت جورنال هذه المواجهة بـ"المعركة غير المتكافئة"، حيث لا تحتاج أوكرانيا إلى السيطرة الجوية، بل إلى قدرات هجومية دقيقة ومنخفضة التكلفة، وهو ما توفره المسيّرات بامتياز.

صناعة حرب جديدة: من ورش النجاة إلى خطوط القتال

أوكرانيا لم تكتفِ باستيراد المسيّرات، بل باتت تصنّعها بأيدٍ محلية. ووفق التقرير، يوجد الآن عشرات الورش والمعامل التي تعمل على مدار الساعة لتجميع وتصميم نماذج متعددة من المسيرات، بعضها انتحاري وبعضها استطلاعي وبعضها هجومي متعدد المهام.

كما أدخلت كييف في 2025 جيلًا جديدًا من المسيّرات البحرية، والتي نجحت في استهداف سفن روسية في البحر الأسود، في مؤشر إلى توسع رقعة الحرب المسيّرة من الجو إلى البحر.

الحرب النفسية... عبر الجو

لا يقتصر تأثير المسيّرات الأوكرانية على البعد العسكري فحسب، بل يمتد إلى المجال النفسي والإعلامي. فعند بث لقطات لضربات دقيقة داخل العمق الروسي، تسعى كييف إلى ترسيخ فكرة أن "روسيا لم تعد آمنة"، وأن الحرب طالت الجميع.

وقد أظهرت وسائل إعلام روسية، رغم الرقابة المشددة، حالة الذعر التي تعم بعض المدن عقب كل هجوم، لا سيما حين لا تتمكن الدفاعات الجوية من إسقاط كل المسيرات، مما يعزز صورة الجيش الروسي كقوة عاجزة أمام التكنولوجيا الخفيفة والذكية.

الدعم الغربي وتكنولوجيا المستقبل

لا يمكن تجاهل دور الدعم الغربي في هذه الثورة المسيّراتية. فقد زوّدت دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا أوكرانيا بتكنولوجيا متقدمة، وشجعتها على تطوير نماذجها الخاصة، وشاركتها بالبيانات الاستخباراتية والبرمجيات الضرورية لتوجيه المسيّرات بدقة.

وتشير تحليلات إلى أن مسيّرات أوكرانيا في 2025 باتت تتفوق على نظيرتها الإيرانية والروسية من حيث الدقة والقدرة على المناورة، نتيجة للتحديث المستمر والدروس المستفادة من أرض المعركة.

خاتمة: المعادلة الجديدة للحرب

لقد غيّرت المسيّرات قواعد اللعبة العسكرية في أوكرانيا. فبينما تعاني كييف من نقص في الطائرات التقليدية والأسلحة الثقيلة، وجدت في المسيّرات سلاحًا مرنًا وفتاكًا، نقل الحرب من حالة الدفاع إلى الهجوم، ومن الجبهات الحدودية إلى قلب العدو.

وبينما تتسارع وتيرة التطوير والابتكار في هذا المجال، يبدو أن الحروب القادمة لن تُحسم بعدد الدبابات أو الطائرات، بل بعدد المسيّرات التي تستطيع الوصول لأهدافها

Previous
Previous

تجارة النفط في "الظل".. الحوثيون على خطى روسيا

Next
Next

رغم لعبه على وتر "القومية".. النظام الإيراني مهدد بعودة الاحتجاجات