مركز أميركي: سلاح حزب الله يعرقل إعادة إعمار جنوب لبنان

حذّر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى من أن استمرار احتفاظ «حزب الله» بسلاحه يعرقل بشكل مباشر جهود إعادة إعمار جنوب لبنان، ويقوّض فرص البلاد في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، معتبرًا أن مصادرة السلاح تمثل «الاختبار الحقيقي لسيادة الدولة اللبنانية».

أزمة السلاح والسيادة

يرى التقرير أن لبنان يواجه اليوم «لحظة حاسمة» بين خيارين لا ثالث لهما: إمّا استعادة سيادة الدولة عبر نزع سلاح الميليشيا المدعومة من إيران، أو القبول ببقاء دولة داخل الدولة، بما يعنيه ذلك من استمرار العزلة السياسية والانهيار الاقتصادي.

ويشير المعهد إلى أن الحكومة اللبنانية تبدو مترددة في اتخاذ خطوات جدية خارج نطاق الجنوب، رغم أنها بدأت بالفعل عمليات رمزية لجمع السلاح في بعض المناطق الحدودية التي كانت شهدت اشتباكات خلال الحرب الأخيرة.

ويضيف التقرير أن الحزب لا يزال يحتفظ بترسانة ضخمة من الصواريخ والأسلحة الثقيلة في مناطق تمتد من البقاع إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي مناطق لا يجرؤ الجيش اللبناني على دخولها دون تنسيق مسبق معه. ويرى المحللون الأميركيون أن هذا الواقع يقوّض ثقة المجتمع الدولي في قدرة الحكومة على فرض سلطتها، ويجعل أي حديث عن إعادة الإعمار «فاقدًا للأساس الأمني والسياسي».

اتفاق هشّ بعد الحرب

ويستعيد التقرير خلفية اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في نوفمبر 2024 بوساطة دولية، والذي أنهى جولة دموية من القتال بين إسرائيل و«حزب الله». فقد نصّ الاتفاق على وقف الأعمال العسكرية وانسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المناطق الحدودية، لكنه لم يتضمّن بنودًا واضحة حول نزع سلاح الحزب أو إعادة انتشار قوات الأمم المتحدة شمال نهر الليطاني، وهو ما اعتبره المعهد الأميركي «ثغرة خطيرة» سمحت للحزب بإعادة تنظيم صفوفه.

وبحسب التحليل، فإن إسرائيل ما زالت ترى أن وجود الحزب المسلّح يشكّل تهديدًا استراتيجيًا لا يمكن التعايش معه. لذلك، تواصل تل أبيب تنفيذ ضربات محدودة ضد أهداف عسكرية للحزب في العمق اللبناني، في محاولة لمنع إعادة بناء بنيته التحتية الصاروخية. وفي المقابل، يلتزم الحزب بسياسة «الرد المحسوب» لتجنّب حرب شاملة، لكنه يرفض أي نقاش داخلي حول مصير سلاحه، مهدّدًا باندلاع حرب أهلية إذا حاولت الحكومة فرض نزع السلاح بالقوة.

إعادة الإعمار رهينة السلاح

يؤكد التقرير أن الدول المانحة ومؤسسات التمويل الدولية، بما فيها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، تضع شرطًا واضحًا لأي دعم مالي لإعادة إعمار الجنوب، يتمثل في أن تكون الدولة اللبنانية وحدها صاحبة القرار الأمني والإداري في المناطق المتضررة. إلا أن استمرار هيمنة الحزب يجعل هذا الشرط غير قابل للتحقق.

ويشير المعهد إلى أن مشروعات إعادة الإعمار التي أُعلن عنها في الأشهر الماضية لم تتجاوز حدود التخطيط الورقي، وأن التمويل الخارجي لم يُصرف فعليًا بسبب مخاوف من أن تذهب الأموال إلى مؤسسات تابعة للحزب بدلًا من الجهات الرسمية. كما أن شركات المقاولات الدولية ترفض العمل في مناطق خاضعة لسيطرته، خشية التعرض لهجمات أو ابتزاز مالي.

وبحسب تقديرات أولية، فإن حجم الدمار في جنوب لبنان يتجاوز خمسة مليارات دولار، تشمل أضرارًا في البنى التحتية والطرق والمدارس والمستشفيات، إضافة إلى عشرات آلاف الوحدات السكنية المدمّرة. ويشير التقرير إلى أن هذه الخسائر «لن تُعالج بالمال فقط»، لأن المشكلة الأساسية تكمن في غياب سلطة الدولة وازدواجية القرار الأمني.

موقف إسرائيل والمجتمع الدولي

يرى المعهد أن الموقف الإسرائيلي واضح منذ البداية: لا إعادة إعمار قبل نزع السلاح. فالحكومة الإسرائيلية تعتبر أن أي محاولة لإعادة بناء الجنوب من دون معالجة ملف «حزب الله» تعني عمليًا تمكين الحزب من إعادة التسلّح تحت غطاء مدني. وتقول تل أبيب إنها لن تسمح بتكرار تجربة ما بعد حرب عام 2006، حين أعادت إيران عبر الحزب بناء شبكة عسكرية أكثر تطورًا مما كانت عليه قبل الحرب.

أما المجتمع الدولي، فيبدو منقسمًا بين دول ترى أن الضغط العسكري والسياسي على الحزب هو السبيل الوحيد لتغيير المعادلة، وأخرى تعتبر أن هذا النهج قد يؤدي إلى تفجير الوضع اللبناني مجددًا. إلا أن الإجماع قائم على نقطة واحدة: لا يمكن للبنان أن ينهض اقتصاديًا في ظل وجود ميليشيا مسلحة تعمل خارج سلطة الدولة وتستنزف مواردها.

الحزب بين الشرعية والمواجهة

يرى التحليل أن «حزب الله» يواجه اليوم تحديًا مزدوجًا: داخليًا من الرأي العام اللبناني الذي يزداد غضبًا من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وخارجيًا من تصاعد الضغوط الأميركية والأوروبية لتقييد نفوذه المالي والعسكري. ويشير التقرير إلى أن الحزب يحاول الظهور بمظهر «المدافع عن السيادة» في وجه إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته يعطل سيادة الدولة نفسها، إذ يفرض قراراته على الحكومة ويمنع الجيش من الانتشار الكامل على الحدود.

ويضيف أن الحزب بات يستخدم ملف إعادة الإعمار كورقة تفاوض سياسية، عبر مؤسساته الاجتماعية وشبكة الجمعيات التابعة له، التي تسعى إلى كسب ولاء السكان المحليين في المناطق المنكوبة. ويرى المعهد أن هذا السلوك «يعمّق الانقسام الأهلي ويقوّي منطق الدويلة داخل الدولة»، ما يجعل أي تسوية سياسية شاملة أكثر صعوبة.

اختبار الدولة اللبنانية

يؤكد التقرير أن أمام لبنان فرصة ضيقة لاستعادة زمام المبادرة، عبر تنفيذ خطة وطنية متدرجة لنزع السلاح، تبدأ بدمج المقاتلين غير المتورطين في الجرائم ضمن مؤسسات الدولة، وتفكيك المستودعات الصاروخية في الجنوب تحت إشراف الأمم المتحدة. لكنه يلفت إلى أن نجاح هذه الخطة مرهون بوجود توافق سياسي داخلي ودعم دولي حقيقي، وهو أمر لا يبدو متاحًا في الوقت الحالي.

كما يرى أن استمرار الجمود قد يدفع إسرائيل إلى استئناف عملياتها العسكرية إذا شعرت بأن الحزب يستغل الهدوء لإعادة بناء قدراته. وهو سيناريو سيعيد لبنان إلى نقطة الصفر، ويقضي على ما تبقى من ثقة المانحين الدوليين.

معادلة السلام والدمار

في خلاصة التقرير، يوضح المعهد الأميركي أن معادلة السلام في لبنان تقوم على شرط أساسي واحد: سيادة الدولة على السلاح. فطالما أن القرار الأمني موزّع بين الجيش وميليشيا مسلحة مدعومة خارجيًا، فلن يكون هناك استقرار دائم، ولن تبدأ عملية إعادة الإعمار على أسس سليمة.

ويشير إلى أن لبنان يقف أمام خيار تاريخي؛ فإمّا أن يتحوّل إلى دولة ذات سيادة فعلية تنهي منطق الميليشيات، أو أن يبقى ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين، يدفع ثمنها شعبه ومناطقه المدمّرة. ويختم التقرير بالتأكيد أن «الطريق إلى إعادة إعمار الجنوب يمرّ أولًا بنزع سلاح حزب الله»، لأن لا إعمار بلا أمن، ولا أمن بلا دولة.

Previous
Previous

وسط أزمة اقتصادية.. تجدد الحراك النسائي ضد قانون الحجاب

Next
Next

مليون ونص!.. تعرف كم تدفع سيدات اللاذقية للملابس والمكياج شهريا؟