وسط أزمة اقتصادية.. تجدد الحراك النسائي ضد قانون الحجاب

في ظل أزمة اقتصادية خانقة تتعرض لها إيران، يتجدد الحراك النسائي بشكل لافت ضد قانون الحجاب الإلزامي، في ما يشبه انقلابًا هادئًا على قواعد اللباس التي فرضها النظام منذ الثمانينيات. تُشير مشاهد ميدانية نقلتها جريدة "ذا نيويورك تايمز" الأميركية إلى أن طبيعة القمع تغيّرت: من اعتقالات فورية على الأرصفة إلى إشارات رمزية، الأمر الذي يكشف هشاشة استراتيجية النظام في استخدام القمع كأداة لفرض السيطرة.

على الأرصفة في طهران ومدن مثل رشت أو كرمنشاه، تظهر نساء يخترن عدم ارتداء الحجاب أو ارتداؤه بشكل فضفاض، بينما يجلسن على الدراجات النارية أو يدخنّ أمام مقهى على نحو أصبح مألوفًا رغم وجود القانون. في الوقت نفسه، يؤكّد مسؤولون حكوميون أن تراجع إنفاذ القانون خطوة استُخدمت كصيغة لتخفيف الاحتقان الشعبي خلال هذه المرحلة الصعبة، في حين يواصل البرلمان تمرير قوانين أشد صرامة من دون تنفيذ فعلي.

خلفية الحملة على الحجاب

قانون ارتداء الحجاب في إيران يُعدّ ركيزة من ركائز النظام بعد الثورة الإسلامية عام 1979، وقد فرض على النساء تغطية شعورهن وارتداء لباس محتشم في الأماكن العامة. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الاحتجاجات النسائية ضد هذا القانون، كان أبرزها الثورة التي أعقبت وفاة مهسا أميني في 2022، وذلك تحت شعار «امرأة – حياة – حرية». رغم أن النظام ردّ بقوة، يبدو اليوم أن أدواته في هذا الملف تتراجع مع اتساع رقعة الأزمة الاقتصادية والعقوبات الدولية.

تحول أسلوب الإنفاذ

بحسب ما أفاد به تقرير "ذا نيويورك تايمز"، فإن عدد الاعتقالات الفعلية بسبب انتهاك قانون الحجاب انخفض بشكل واضح، خاصة في المدن الكبرى، بينما ارتفعت حالات إغلاق المقاهي وصالونات التجميل في المحافظات، أو توجيه استدعاءات لطلّابٍ في الجامعات. يُفسّر محللون هذا التراجع بأن النظام يرى أن فرض القانون الصارم قد يعيد إشعال احتجاجات أوسع، فاختار معادلة «التحذير والتجميد» بدلاً من القمع المباشر. وفي المقابل، أُعلِن عن تشكيل وحدة جديدة لمتابعة «العفاف والحجاب»، لكنها حتى الآن لم تُفعّل بصورة واضحة على الأرض.

اقتصاد مضطرب وخوف من التفجير الاجتماعي

يربط مراقبون بين هذا التراجع في التنفيذ وبين الظروف الاقتصادية القاسية التي تمرّ بها إيران: بطالة مرتفعة، انخفاض قيمة العملة، نقص السلع الأساسية وشحّ المياه. في هذا السياق، أصبح القانون البالي مرتبطًا بخزان من الغضب الشعبي، بينما يبدو النظام أقل استعدادًا لدفع ثمن الاحتقان عبر تطبيقه بصرامة. كما أن الانشغال الأمني بملفات خارجية، والعقوبات الأميركية، دفع السلطات إلى تغيير أولوياتها نحو ضمان الاستقرار الداخلي فورًا.

مواجهات رمزية وأملٌ في تغيير

على الرغم من هذا التراجع الظاهري، لا تزال المواجهة حاضرة بطرق أصغر وأكثر رمزية: شبان وفتيات يسيرون بسيارات أجرة بلا حجاب، مقاهٍ تُغلَق لساعات أو تُحرَم من التصاريح بسبب تواجد نساء غير محجبات، وطلاب يُستدعون في الجامعات نتيجة مخالفات تتعلق باللباس. وتقول بعض النساء للصحيفة الأميركية إن المشهد تغيّر، لكن الخوف لا يزال حاضرًا: «نضع الحجاب عند الصعود إلى سيارة الأجرة فقط، لأن القلق لم ينتهِ بعد».

ما بعد القانون: أي اتجاه؟

في ظل هذه التحولات، يبدو أن إيران على مفترق طريق: إما تجديد استراتيجية تطبيق الحجاب بشروط متغيّرة أو القبول بأن الواقع يتجه تدريجيًا إلى ممارسة أكثر مرونة، ربما كسوة تفاوض اجتماعي بين الدولة والمجتمع النسائي والشبابي. ففي حين يُصرّ قادة البلاد على أن الحجاب «قضية غير قابلة للنقاش»، فإن الواقع الميداني يقول إن أدوات السيطرة تتبدّل وتتراجع. ويشير التقرير إلى أن مستقبل حرية اللباس سيكون أحد المقاييس الأساسية لمدى قدرة النظام الإيراني على إدارة التحولات الداخلية دون انفجار اجتماعي واسع.

Previous
Previous

بعد سقوط الأسد… إيران تلجأ إلى الحوثيين في تجارة المخدرات والأسلحة

Next
Next

مركز أميركي: سلاح حزب الله يعرقل إعادة إعمار جنوب لبنان